د. علي بانافع
خلال المائة عام الماضية لم تظهر في الأمة العربية والإسلامية دولة أقوى من الدولة السعودية أو المملكة العربية السعودية، لأنها دولة تؤمن بأن الفرد لا يبني دولة، ولا يقرر مصير أمة، وأن الدول الكبرى لا تقوم بفضل زعيم موهوب، بل مجموعة من الرجال الأكفاء على جميع المستويات، وهذا ما جعل ملوك المملكة حريصين على كسب كل الكفاءات في الدولة -ولا حاجة للاستنتاج- فهم يريدون رجالا يعملون بصدق وعمل وإخلاص، حتى إذا أشكل أمر من الأمور، رجعوا إليهم في حله، وعملوا بمشورتهم، أما السير على غير المشورة، فهو مجلبة النقص والهوى، فالشورى تَجْمَع بين السنة، وبين ما أمر الله به في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]. وأعظم القوى هو التناصح والبقية الصالحة، لأن كل شيء أساسه الإخلاص والنصح.
الدول الملكية معروف النظام بها نظام وراثي ودستوري، لكن دولاً أخرى صدّعت رؤوسنا أن الملكية دولاً عميلة وأن الملك يُمسك الملك ويورثه من غير حق، ولابد من تداول السلطة، لنطلع على الدول الجمهورية بلمحة سريعة، الرئيس في هذه الدول يبقى إلى الممات -مهما طال عمره- أو يُخلع بإنقلاب أو ثورة أو غزو اجنبي:
- مصر: جمال عبد الناصر موت يشبه الانتحار، أنور السادات اغتيال، حسني مبارك تنازل.
- العراق: عبدالكريم قاسم انقلاب، عبد السلام عارف اغتيال، أحمد حسن البكر تنازل، صدام حسين غزو واحتلال.
- سوريا: منذ انقلاب حسني الزعيم والانقلابات لا تنفك عنها، حتى انقلاب حافظ الأسد فمات وورثها لولده.
- ليبيا: معمر القذافي قُتل وكاد أن يورثها لولده.
- تونس: الحبيب بورقيبة خُلع، وزين العابدين بن علي مثله، والباجي السبسي أدركه الموت.
- الجزائر: أحمد بن بيلا ذهب بانقلاب، وهواري بومدين مات بمرض عضال، الشاذلي بن جديد استقالة، محمد بوضياف اغتيال، الأمين زورال استقالة، عبد العزيز بوتفليقة تنازل عن حكومة خامسة.
- السودان: انقلابات متتالية حتى انقلاب عمر البشير ثم خُلع.
- اليمن: تقلبات وعدم استقرار، حتى تولى علي عبدالله صالح وكاد أن يورثها لولده لولا أنه قُتل.
- إيران: الخميني هاجم الجمهوريات وبقي قائداً أوحداً إلى أن مات وورثها لخامنئي لقطع النفس، فلم عبتم ونظرتم على الملكيات إذن!! أم هو تنظير ما قبل الكرسي وما بعده أنا أو الطوفان.
جمهورُ العلماءِ الأجلاء الربَّانيين يقولون بتحريم المظاهراتِ على ولاةِ الأمور، وأن أوّلَ مظاهراتٍ في الإسلام قام بها عبدُ اللهِ بنُ سبأ اليهوديُّ مع مجموعةٍ من الخوارج الجاهلين بخبايا الأمورِ، على ذي النورَيْنِ امير المؤمنين وثالثِ الخلفاءِ الراشدين عثمانَ ابنِ عفانَ رضي الله عنه، وهي أولُ فتنةٍ في الإسلام.
كما أنه لا يجوز في أي حال من الأحوال وفي ايِّ ظرفٍ من الظروف الاضرابُ عن العملِ ولا العصيانُ المدنيُّ، فإن الواجبَ الشرعيَّ أن يؤدّيَ الشخصُ العملَ المَنُوطَ به المُوكَلَ إليه على الوجه المطلوبِ الذي وُظّفَ فيه من اجل أدائه فلا يجوز تعطيلُ مَصالحَ الأمّةِ مما يضر بالوطن والمواطنين، كما لا يجوز الاضرابُ عن الطعام ِفحفظ النفْسِ وإحياءُ الارض واجبٌ دينيٌّ، ثم إننا مأمورون بالاتعاظ والاعتبار، والادِّكار في جُل آياتِ القرآنِ الكريم فهل رأيتم قديما أو حديثا بلدا تظاهر شعبُه على ولاة أمره الا وأصيب بالحروب والدمار والفقر والأمراض.
قال العالم الرباني الفضيل بن عياض رضي الله عنه ورحمه: "لو أن لنا دعوة مستجابة ما صيرناها إلا للإمام". وبين وجهها بقوله: "إذا جعلتها في نفسي لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلحَ، فصلح بصلاحه العباد والبلاد". ا. هـ و في كتاب السنة للخلال بسنده عن الإمام أحمد ما نصه: "وإني لأدعو له -الإمام- بالتسديد والتوفيق -في الليل والنهار- والتأييد وأرى ذلك واجبا عليَّ". ا. هـ. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (28/391): "كان السلف -كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما، يقولون: "لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان" ا. هـ.
اليوم في ذكرى البيعة الخامسة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وهو سياسي مخضرم، ويتولى العمل العام منذ عهد والده الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود رحمه الله؛ وهو أحد أهم أركان العائلة المالكة السعودية، إذ هو أمين سر العائلة ورئيس مجلسها، والمستشار الشخصي لملوك المملكة عبر تاريخها الطويل؛ فادعوا في سجودكم وقنوتكم للملك الصالح سلمان بن عبد العزيز ولجيشه بالنصر والتأييد والقوة والتسديد فإنه الوحيد الذي يحمل هم الأمة اليوم ويدافع عن قضايا العرب والإسلام والمسلمين.