الكتب مثل اللوحات الفنية لها موضوع رئيس وتحتوي على تفاصيل عديدة متناثرة يختلف الناس في الانتباه إليها وتذوقها والتأثر بها ، وانتقاءاتي من هذا الكتاب تترجم ذلك. كتاب جوني آيڤ ممتع للمهتمين بالمسيرات الحياتية للشخصيات المؤثرة والمهتمين بشركة آبل أيضًا. الكتاب ليس حول آبل تحديدًا بل يتابع شخصية مصمم آبل الأسطوري جوني آيڤ ويسلط الضوء على مراحل متعددة من حياته والتي تشكل آبل بالطبع جزءًا كبيرًا منها. يتعرض الكتاب لنشأته ونظام التعليم في بريطانيا الذي يدرس تقنية التصميم في المدارس بشكل ملفت للنظر ولاعجب أن البريطانيين يشكلون نسبة لابأس بها من مصممي آبل.
يظهر الكتاب ملامح تربوية عن دور الأب في إثراء حياة أبناءه متمثلة في دور والده صائغ الفضيات وصانع قطع الأثاث وهو المعلم الذي أدخل تدريس تقنية التصميم/التصنيع في مناهج التعليم البريطاني ليتعلم الأطفال منذ نعومة أظفارهم تذوق الجمال وصناعته بأيديهم.. فنظام بريطانيا التعليمي من الابتدائي إلى الثانوية يمثل فيه تدريس تقنية التصميم ٧-١٠٪ !! وهذا يشمل تصميم المنتجات وتصنيعها يدويًا بالتدرب على تقنيات التصنيع أيضًا.
الربط بين الفكرة والحرفة يطلق القدرات ويشعل شرارة الإبداع والفصل بينهما إعاقة مستديمة وخسارة مجتمعية هائلة. حيث ما نظرنا سنجد شواهد لتصميم المنتجات بجميلها وقبيحها ( سرير، مكتب، جوال، كمبيوتر، سيارة، فرشة أسنان، طبق طعام ، كرسي حمام، مصباح، كرسي، ..). مجال تصميم المنتجات هو الحلقة المفقودة للحصول على منتجات جذابة آمنة سهلة الاستخدام، وتعليم التصميم بتقسيمه بين التخصصات التقنية فقط ( ميكانيكي/كهربائي/كيميائي .. إلى آخره) لايعّلم بالضرورة تصميم المنتجات وذلك لغياب البعد الإنساني والجمالي. مصمم المنتجات يفهم الإنسان ويترجم أفكاره بالرسم ويتعامل مع المواد والمعدات باحتراف فيحول تصميمه إلى منتج يحكي قصة تلهم المستخدم وتربطه به.
السرية سلاح مصلت على مصممي منتجات #آبل يمكن أن يتسبب في فصلهم بمجرد تسرب أي معلومة عما يعملون عليه والسرية هنا حتى على زملائهم في المنظمة. السرية تسببت أيضًا في إخفاءهوية مصممي #آبل خلف "ستار حديدي" منع حصولهم على التقديرالاحترافي العالمي بإبراز إسهاماتهم الإبداعية في المنتجات. تخفي #آبل مصمميها خوفًامن استقطاب المنافسين فعددهم لايتجاوز ١٦ يشكلون قلب المنظمة النابض بينما هم في سامسونج بالآلاف مع فارق حجم المنظمتين. نال جوني آيڤ جوائز تقديرعالمية عديدة منذ أن كان على مقاعد الدراسة وحتى انضمامه لآبل. رغم مقته للأضواء والظهور إلا أنه دائم التحدث باسم الفريق مما خفف ذلك من وطأة السرية على العاملين.
تخفف سرعة رؤية مصممي #آبل لمخرجات عملهم واحتفاء العالم بها من وطأة السرية إضافة لامتلاكهم مئات براءات الاختراع فكل تصاميهم موثقة أول بأول. توثيق مصممي #آبل لأفكارهم باحتفاظهم بكل رسوماتهم ومراحل تطورهالعب دورًا حاسمًا في كسب خلافاتهاالقانونية مع منافستها اللدودة #سامسونج . رغم السرية الفائقة في استديو#آبل الذي لايستطيع كبارالمسؤولين دخوله إلا أن المصممين يمكنهم إحضارأطفالهم إليه ولذلك أثر إيجابي على نفسياتهم. حتى إن ابنة أحدالمصممين كتبت خطاب التقديم على الجامعة عن ترعرعها في استديو تصميم #آبل التي ألهمتها وهي تدرس الآن تصميم المنتجات..هكذا تتواصل الأجيال.
يحتوي استديو تصميم #آبل بجانب مكتب جوني على طاولة عصف ذهني في المطبخ وطاولات المصممين وعرض المنتجات وقاعة الرسم و٣ ورش للنماذج الأولية. تُترجم أفكارالمصممين في الورش الملحقة باستديو آبل بسرعة فائقة لاختبارها والتعديل عليها أوالتخلي عنها. قرب المصمم من الورش مهم لسرعة الإنجاز. ومع ذلك لم تخرج كل منتجات #آبل الثورية من استديو التصميم فأول نموذج للآيبود بناه توني فاضل كمتعاقد ثم انضم بالقوة لآبل ليتركها لاحقًا ويؤسس نيست التي اشترتها قوقل لاحقًا. عجلة الآيبود الشهيرة التي غيرت أسلوب التحكم في مشغلات الموسيقى اقترحها فيل شيلر مسؤول التسويق في#آبل بديلاً عن أسلوب الأزرار المتعددة السائدة حينها.
من الأمور المفاجئة هي هوس آبل بتطوير تقنيات التصنيع والتي هي حلم المصممين كي يتمكنوا من ترجمة تصاميمهم الحالمة إلى الواقع. تنقل تصاميم جوني بين مواد متعددة شملت خلطات من مواد بلاستيكية متعددة مرورًا بالتيتانيوم وانتهاءًا بسبائك الألمونيوم عالي النقاوة. استثمرت آبل حوالي ١٠ بليون $ على مدى السنوات الثمان الماضية فقط في تقنيات التشغيل(خراطة/تفريز/ثقب/لحام/تنعيم) لتتمكن من تصنيع هياكل أجهزتها المتعددة المصممة بأسلوب الجسم الأحادي حيث تصنع من قطعة ألمونيوم صلبة يتم تفريغها لتأخذ الشكل النهائي فيتقلص عدد قطعها وتزداد دقتها ومتانتها ويسهل تجميعها.
كتاب جميل وملهم عند الحديث عن جوني آيڤ ويعطي في نفس الوقت لمحة عن آبل وتطورها عبر الزمن من حيث الاهتمام بالتصميم والتصنيع وإدارة شبكة الإمدادات. وحيث أنني استمعت للكتاب على أوديبل فكان صوت الراوي ولهجته البريطانية المتميزة جزءًا لايتجزأ من التجربة الرائعة.
