الله 

 وكان كافيا وعلى كل حال أن أقف مخبتا أمام لفظ الجلالة (الله) من باب واحد أجده ربما كان وافيا لإنهاء الكلام حوله. ذلك لأني وجدت تصديق أنه ليس في الوجود أحد قد تسمى بذلكم الاسم الكريم أبدا. وذلك مذ أن برأ سبحانه نسماته. ولما كان ذلك كذلك ، وقد قال سبحانه (رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ،هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)[مريم:65]؟  فوقفت مشدوها أمام تيكم عظمة لايتبارى أحد أن يقف مانعا من تصديقها فيتسمى بها أوغيره فعرفت أنه (الله)سبحانه.

وكان يمكن لنفر من أولئك الذين ادعوا الألوهية أن يركبوا هذا السطو ، ولربما وجدوا  سندا من غير ذي علم قد زعم فقال: ها أنا ذا (الله) بدليل أن قد تسميت بما تحدى به الإله ! ولكن لما لم يكن ذلكم قد وقع - ومحال أن يقع - فدل حقا على أنه الله تعالى وحده سبحانه.

ولما لم يكن على مر التاريخ الضارب في القدم من قد تجرأ على تيكم تسمية. لا في تاريخ الحنفاء ، ولا في تاريخ الأشقياء ، حيث لم يرصد لنا التاريخ من ذلك شيئا. وإلا فقد كان يمكن تسجيله بسهولة إثخانا في الادعاء ، وتكذيبا لله تعالى رب الأرض والسماء ، فيما قد قال(هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)؟!

فدل على أنه الله تعالى الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.

ولست أريد الكلام من جانب أن الإسم(الله) هل هو مشتق أو جامد؟. ذلك لأن المحصلة واحدة. كون الإسم دالا على ربنا الرحمن سبحانه بلا مشاركة لغيره ألبته . ولما كان ذلك كذلك أيقنت لماذا قال الله تعالى عن نفسه سبحانه أنه(أحد)؟!

وكأنه إذن قد انضاف إلى تحصين اسم الذات بالأحدية عوامل آخر ، علاوة على كونه ليس له سمي. فالعلمية ، وعدم التسمي بها ، وعدم قبولها للتسلسل ، ومغايرته تعالى للحوادث ، وكونه تعالى أعرف المعارف ، كل ذلك شاهد على أنه أحد  قيم على ملكوته ، مصرف نظام كونه على نحو بديع . وصدق الله (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)[الأنبياء:22].

  ولزم أن يكون (الله) معرفة. ذلك أن النكرات تحمل بعض معاني الجهالات. ومحال عقلا أن يصدق بخالق تلحقه جهالة. ولو كانت جهالة واحدة !

وقد وقفت على قوله تعالى (رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) كسابقة على(هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا  )؟لأقول: إن موجبات إلهيته تعالى لكونه كله على مدار التاريخ ، ويوم أن يصير الناس إلى ربهم الحق من بابين :

فأما أولاهما: فكونه رب السموات والأرض. وقد خلقهما على غير مثال سابق. ولمتخيل أن يجول بخياله الآفاق ، ليتكون في مخيلته وذهنه بعض من هذين المخلوقين (السموات السبع ومابينهما ومن فيهن ، والأرضين السبع  وما بينهما ومن فيهن)! لتتألف لديه هالة عظمى من  تعظيمه وإجلاله أن خلقهما. ولاتقل كيف! وأن دبرهما. ولا تقل كيف!

وانظر إلى القدير لاكقدرته من أحد ، كما في(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ، الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ، فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ، وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ، وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ)[الملك:1-5].

فهذه صورة من صور الكتاب الكريم ، تصور الكون بإعجاز بالغ في البيان ، ضارب في المعنى ، دقيق في التصوير ، لايملك امرؤ أمامها إلاإخباتا لبارئها ، لما تحمل من جميل التعبير ، وحسن البيان ، في أدق عبارة ، وأجمعها لمعاني الإخلاد إلى رحمة رب كريم سبحانه. ذلك أنه تعالى بيده الملك .الملك كله دقيقه وجليله!.  

وذلك لأنه علي كل شيئ قدير ، مما تحيطه ، أو لاتحيطه أفهام بشر. لأن الكون عميق كأبعد ما يتصور من عمق! وغائر كأقصى ما يتمثل من غور ! وممتد كأوسع مايكون من امتداد !وكأن الآية بهذا تمثل إجمالا لسورة الملك كلها! وما بعدها تفصيل لما أجملته !    

ذلك لأنه خلق الموت والحياة ، ومن يخلقهما غيره؟!

ولاعلينا من ترهات قائل(قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)فإنه لايملك من أحدهما شيئا. وسكوت القرآن عن لججه للانتقال إلى ما بعده من إفحام على عادة القرآن المجيد.   

وخلقهما معا ابتلاء لنا. ويخاطبنا ربنا سبحانه بذلك استدعاء لفطرة سوية خلقنا عليها لا أحد مسؤل عن تدنيسها بالشهوات ، وتعكيرصفوها بالشبهات سوانا! ولا أحد مؤاخذ عن اجتثاث بعض أصولها أو كلها من القلوب غيرنا نحن- معاشر البشر- المساكين!

وإنك لتلمس معي أيها القارئ الكريم كيف جاء الإلتئام والترابط بين الآيات الثلاث  الأول من دون واو العطف ، لتلتئم صورة خلقه تعالى للكون ومافيه!

فهذه سبع سماوات! متواصلات ، أو متفاصلات ، فذلكم وجه من وجوه الإعجاز ، منضاف إلى أنهن سبع طباق ، بعضهن فوق بعض ، مايمسكهن إلا الرحمن( مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ)فخلقه مصطحب  بلا اختلاف ، ولا تنافر ; ولهذا قال : ( فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ ) أي : انظر إلى السماء فتأملها ، هل ترى فيها من ذلك من شيئ؟! والجواب؛ لا أحد بواجد من ذلكم شيئا!.وإلا(قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ۖ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)[الأحقاف:4].  

هذه صورة واحدة مما رسمته أمامنا سورة الملك ن  لنقف مشدوهين أمام قدرة خالق عظيم هذا خلقه الذي نراه ماثلا أمامنا!.

وأما ثانيهما: فمما سبق أنه تعالى (الله). ولم تجد له الخليقة سميا غيره ليكون قابلا للتحدي. فدل على أنه الله سبحانه أحد وحده.

وأنقل هنا تقريرا كاشفا عن بعض مما يجول في الخاطر عن قدرته تعالى وإعجازه في خلقه حيث(كشفت دراسة علمية حديثة عن أن 90% من أنواع الكائنات الحية في العالم لم تكتشف أو توصف أو تصنف بواسطة البشر بعد. وقدرت الدراسة التي أجراها باحثون كنديون عدد أنواع الكائنات الحية بـ8.7 مليون نوع. تمكن العلماء من تطوير أسلوب جديد لتقدير إجمالي أنواع الكائنات في الكون ونشروا نتائج دراستهم في صحيفة "بلوس بيولوجي" العلمية في نسختها الإلكترونية أمس. يقول روبرت ماي أستاذ علم الحيوان بجامعة أوكسفورد في بحث منفصل في نفس النسخة "إن مدى جهلنا بعدد الكائنات الحية على الأرض اليوم مفزع للغاية بل إن ذلك الجهل يزداد عند الحديث عن عدد الأنواع التي يمكن أن نفقدها من تلك الأنواع التي لا تزال توفر خدمات للنظام البيئي تعتمد عليها البشرية بشكل مطلق". كانت التقديرات السابقة لأعداد أنواع الكائنات الحية تتراوح بين ثلاثة إلى مئة مليون نوع. الدراسة التي أجريت في جامعة دالهاوزي بهاليفاكس كندا قدرت أن 86% من كل الأنواع البرية و 91% من كل الأنواع البحرية لم تصنف بعد. وقدرت عدد أنواع الكائنات التي تنتمي لعالم الحيوان بـ 8.7 مليون نوع، والنباتات بـ 298 ألف نوع والفطريات بـ 611 ألف نوع والحيوانات الأولية بـ 36400 بالإضافة إلي 27500 نوع مما يعرف بالخلايا بدائية النوي والتي تضم الطحالب والعوالق وغيرها . وأضافت الدراسة أن نحو 7% فحسب من الفطريات و12 بالمئة من الحيوانات هي التي تم تحديدها، مقارنة بـ 72 %من النباتات. المنهج الذي اعتمدت عليه الدراسة استثنى الميكروبات والفيروسات وتضمن هامش خطأ معياري يقدر بـ 1.3 في المليون. كما قدرت الدراسة أن هناك 2.2 نوعا من الكائنات البحرية والباقي كائنات برية. وقال أستاذ علم الأحياء البحرية وأحد المشاركين في وضع الدراسة بوريس ورم إن الأرض نظام يتكون من ملايين الأجزاء الحيوية وكثير منها يختفي بشكل منتظم)[جريدة الاقتصادية18/5/2019]!.

ولقد كان يكفي قول أعرابي ولما سئل: بم عرفت ربك؟ فقال: الأثر يدل على المسير، والبَعْرَة تدل على البعير، فسماء ذات أبراجٍ وأرض ٌ ذات فجاج وبحارٌ ذات أمواج ألا تدل على السميع البصير؟.  

 وكما جاء في حديث الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم : أين الله؟ قالت : في السماء. فقال :( من أنا؟ ) قالت : رسول الله . فقال لصاحبها: ( أعتقها، فإنها مؤمنة ).والنظر في الحديث ليس من باب إثبات علوه تعالى فحسب؛ وإنما لما ثبت في ذهنها ثبوت وجوده تعالى متفردا. بدلالة عدم النقاش حول هذه النقطة وانتقالها إلى الجواب مباشرة عن العلوية. 

وقال الله تعالى: (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ) [يونس: 101].

وهو نظر الاعتبار لما في الكون حولنا من آيات وبراهين على أنه (الله) سبحانه. لكن قوما قد حرموا الاعتبار ، وإن نفرا قد سلبوا التوفيق والإلهام ، فقال الله  تعالى فيهم(وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ).

وأقف كما يقف غيري مشدوها أمام قدرة الله تعالى ، ناظرا بعض آياته في كونه الواسح الفسيح ، لتشهد كل منها على تيكم حقيقة أبدية سرمدية أنه (رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) . [مريم:65] سبحانه.