إد كاتمل هو الشريك المؤسس لاستديو بيكسار الأشهر لصناعة أفلام الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد والتي كان باكورة إنتاجه فيلم “حكاية لعبة” "Toy Story". بعد دراسته للفيزياء والرياضيات وعلوم الحاسب, أكمل إد كاتمل حياته دراساته العليا في معامل جامعة يوتا و تتلمذ على يد إيان سذرلاند أبو الرسم بالكمبيتور فعمل على ابتكار خوارزمية رياضية لحل معضلة توزيع الإضاءة والظلال على الأسطح المنحنية فكانت تلك أطروحته لنيل درجة الدكتوراه والتي شكلت نقطة تحول في مجال الرسم الثلاثي الأبعاد بواسطة الكمبيوتر.
انتقل كاتمل بعدها للعمل كباحث في جامعة نيويورك لكنه لم يلبث أن ترك مجال العمل الأكاديمي واتجه لتطبيقات التحريك في المجال الفني، الذي كان متيمًا برمزه والت ديزني، بعد أن اتفق مع جورج لوكاس مبتكر ومخرج سلسلة أفلام حرب النجوم "Star Wars" ، لكن شراكتهما لم تستمر طويلاً حيث لم يجد جورج لوكاس منفعة من تلك القدرات التحريكية فقرر بيع ذلك النشاط الذي لفت انتباه مؤسس آبل المبعد عن شركته آنذاك ستيف جوبز والذي كان يعمل على بناء منصات عمل متقدمة القدرات في شركته الجديدة نكست. كان ستيڤ مثل كاتمل من المولعين بمزاوجة الفن مع التقنية .. وربما كان ذلك سر تناغمهما رغم اختلاف شخصياتهما وأساليب إدارتهما. ثالثهما كان جون لاستر فنان التحريك المؤمن بأن الفن يتحدى التقنية..والتقنية تلهم الفن.
اندمج الثلاثي كاتمل ولاستر وجوبز في العمل الفني التقني بشكل ممتاز. حيث عمل جوبز على توفير الدعم المالي السخي والخبرة في عالم الأعمال وركز كاتمل على بناء أجهزة قوية وبرامج رسم ومعالجة فائقة الجودة وانكب جون لاستر وفريق على كتابة القصص ورسمها وتحريكها حتى تم إنجاز فيلمهم التاريخي” حكاية لعبة” ، الذي أسس لصناعة سينمائية جديدة ونال جائزة أكاديمية السينما (الأوسكار) ، ثم ما تلاه من أعمال مثل “حياة حشرة” وغيره ، استمر جوبز في دعمه لبيكسار بتصميم مقر بيكسار في إيمريڤيل في ضواحي مدينة التقنية سان فرانسيسكو.
لم يهنأ لجوبز بالاً حتى اطمأن على مستقبل الشركة ببيعها لاستديوهات ديزني لتستفيد بيكسار من قنوات توزيع ديزني الهائلة لضمان انتشار أفلامها. الملفت أن بيكسار رغم استحواذ ديزني عليها إلا أن بيكسار بقيادة إد كاتمل وجون لاستر أصبحت تدير استديوهات ديزني للرسوم المتحركة بعد أن كانت الأخيرة تترنح من فشل أفلام رسومها المتحركة المتتالي. فماذا لدى بيكسار من أسرار كي تحتل تلك المكانة؟
تتميز ثقافة بيكسار المؤسسية بالصراحة الشديدة والشجاعة الأدبية في إبداء الآراء فيما يتعلق بأسلوب صياغتها لقصص أفلامها وتنفيذها حيث يقضي فريق العمل وقتاً قد يصل إلى أكثر من نصف فترة تنفيذ الفيلم في تجويد حبكة القصة وأسلوب حكايتها ثم تبدأ مراحل التنفيذ التقنية التي تليها. يتم عرض التقدم في مراحل الفيلم في اجتماع أسبوعي يدوم ساعات يعرف بال Brain Trust يتم خلاله مشاهدة العمل ونقده نقدًا بناءً قويًا يساعد المخرج على صياغة رؤية الفيلم وتجويد تفاصيله مع تحميله مسؤولية الاختيار والقرار مما يقلل من النزعة الدفاعية ضد النقد.
يعد كتاب إد كاتمل " شركة الإبداع" “Creativity Inc” من أفضل كتب إدارة المنظمات الابتكارية في السنوات العشر الأخيرة .. يحفل الكتاب بفوائد عديدة تدور حول الممارسات الإدارية في بيكسار والتي يمكن الاستفادة منها في المنظمات الابتكارية نسرد بعضها على شكل نقاط فيما يلي:
- عندما يتحلى القائد بالشجاعة ويعترف بأخطائه فإنه يتيح مجالاً لغيره بالاعتراف وبالتالي تتعلم المنظمة من أخطائها.
الأسرار في المنظمة هي رسالة ضمنية بعدم الثقة في الموظفين وتعيق تبادل الثقة وفي النهاية لاتؤدي للمحافظة على السرية التي تعد جوهرية في صناعة الأفلام.
عندما يجد القائد من يجرؤ على مواجهته بالحقيقة ولايخشاه فعليه أن يقربه منه للاستفادة من رأيه.
يتراكم الخوف في المنظمة سريعًا ويتلاشى ببطء بينما تبنى الثقة ببطء وتتلاشى سريعًا.
ابتعد عن المنظمة التي تكون الصراحة في ممراتها وليس في قاعاتها التي تُناقش فيها المواضيع المهمة والحساسة.
توزيع مكافأة تميز الأداء عندماتضاف للراتب الشهري يعد أكثر كفاءة وسرعة..لكن غرضها يتحقق عندما يصاحبها خطاب يوضح سبب استحقاقها مع مصافحة الموظف وشكره على ماقدم من مجهود متميز.
تبنى الثقة مع الوقت بوجود رصيد مشترك من التجارب بين أفراد المنظمة وقيادتها التي يجب أن تتسم بالصبر والمصداقية والثبات على المبادئ ومواصلة بناء الثقة.
خلال ربع قرن بلغ إنتاج بيكسارحوالي ٢١ فيلمًا طويلاً ونالت ١٩ جائزة أوسكار وأصبح أسلوبها في السرد القصصي وإدارة العملية الإبداعية منهجًا يدرس. لم تنجح بيكسار في تحقيق أحلام مؤسسيها فحسب، بل شكلت حول مقرها على ضفاف خليج سان بابلو بالقرب من جامعة بيركلي، بيئة خصبة للمنظمات الناشئة الداعمة لها ولبعضها البعض.. ومنها من انتقل خصيصًا إلى المنطقة ليقدم خدمات مساندة لها وينمو معها.. فأصبحت بيكسار معملاً للابتكار ..فترى كيف ستواصل بيكسار المسار؟
