تجلس على حافة النهر تستعد للقاء حتفها بعد أن ارهقتها هموم الحياة ومشاكلها ابان الحرب العالمية الثانية ... حالة اكتئاب شديدة تسيطر على ذهنها وتشوش أفكارها وهي غير قادرة على التركيز وليس لديها أدنى ميول للحياة. هي لا تستطيع أن تستمر وتريد أن تهرب بعيدا عن ألمها ومعاناتها. فقدت غريزة ايروس (حب الحياة) لديها ولم تعد تستمتع بكل ما هو جميل حولها وسيطرت عليها غريزة ثاناتوس (غريزة الموت).

تملأ معطفها بالحجارة الكبيرة وتقف على حافة النهر ناظرة الى زرقته وتستعد للغوص في اعماقه التي ستكون موطنها الاخير... تستنشق الهواء بصعوبة بالغة ..تشعر بالوجد والحزن ..نغمض عينيها وتلقي بنفسها فاتحة ذراعيها في قلب هذا النهر ... يتجاذبها قاع النهر بلهفة وصمت بعد أن استسلمت لقواه ..وتستقر فيه مخلفة وراءها قصة جديدة تتصدر عناوين الصحف والمجلات .. قصة انسانة كتبت للجميع ومن أجل الجميع ونسيت أن تكتب لنفسها.. أنهت حياتها وأصبحت صفحة مزجاة على رفوف النسيان.. انها الكاتبة الروائية فرجينيا وولف التي اشتهرت بقصصها وكتاباتها قبيل الحرب العالمية الثانية.

هذا المشهد المؤسف انتقلت عدواه الى بلد يبعد عن بلد فرجينيا وولف الاف الاميال ... بلد اسلامي رائع وجميل .. انه وطني الاردن... ففي كل يوم اصبحت اخبار الانتحار او القدوم على الانتحار تتصدر عناوين الصحف والمواقع الالكترونية.. حتى باتت ظاهرة تؤرق المجتمع وتشير الى حالة خطيرة يعيشها الشباب في مقتبل عمرهم... هذه ظاهرة غير صحية اطلاقا ولها انعكاسات سلبية على الفرد والمجتمع.

اصبحت كلمة انتحار كلمة عادية لا تثير الفضول لدى الناس لكثرة سماعها يوميا، بعد أن كانت كلمة غريبة وغير معروفة لدى مجتمع محافظ سادت فيه الاخلاق الحميدة و تعاليم الدين الاسلامي.. والجدير بالذكر أن معظم الأسباب الغير معلنة لحالات الانتحار اسبابا معيبة وتدل على انحطاط قيمي لدى الشخص الذي يفكر او أقدم على هذه الجريمة.

الانتحار جريمة شنيعة محرمة شرعا وعرفا .. لأنك لست مالك هذه الروح وهي أمانة استودعها الله فيك وحرم عليك ايذاءها او انهاءها.

وهنالك العديد من الأدلة الشرعية التي تحرم وتجرم الانتحار منها قوله عز وجل في محكم التنزيل : ( ولا تقتلوا أنفسكم) والكثير من الادلة من القران الكريم والسنة النبوية تشهد بذلك.

لا ريب أن مسوغات هذه الجريمة البشعة باهتة ، وتدل على نقص وضعف في شخصية المقدم عليها وعدم ايمانه بالقضاء والقدر وبعده عن الدين. فمنهم من يقول أن ظروف الحياة صعبة، ومنهم من ينتحر لعدم زواجه بحبيبته، ومنهم لعدم حصوله على وظيفة.

هذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم تحمل الجيل الجديد للمسؤولية وعدم قدرته على الاحتكاك بالعالم الواقعي وتذليل العقبات أمام نفسه. يريد أن يكون كل شيء جاهزا بالنسبة له، لا يريد أن يتعب ويكد ويجتهد لأنه جيل تعود على الكسل والخدر وعدم تحمل أدنى مسؤولية.

وأخيرا وليس آخرا، أتمنى أن نعيد النظر بطريقة تربية ابناءنا وأن نعودهم على تحمل المسؤولية وأن نقوي الوازع الديني ونربيهم التربية الإسلامية الصحيحة. يجب أن نكون صارمين معهم من أجلهم ولاجلهم وأن لا نعودهم على كلمة (نعم) دائما ، فكلمة نعم بالرغم من معناها الإيجابي، ستكون في يوم من الأيام عثرة في وجه ابنك او ابنتك التي اعتادا عليها دوما.

حمى الله شبابنا وابناءنا وادامهم ذخرا وسندا لنا ولوطننا ولديننا انه سميع مجيب.

ابراهيم عزام

[email protected]