Image title

د. علي بانافع

     يوم الأربعاء الماضي الموافق التاسع من جمادي الآخرة 1440هـ حصلت ثانوية ابن النفيس بينبع الصناعية على جائزة التميز في دورتها التاسعة لفئة الإدارة والمدرسة المتميزة، مع أن لي رأياً فيها لكن رأيي لا يُقلل من قِيمتها أو أهميتها أو يُلغيها ..

     وأقول: يجب أن ندقق في اختيار القادة التربويين، وليس كل من يُنافقنا هو عبقري زمانه، وليس كل من ينتقدنا جاهلاً غبياً وخطراً علينا، فالقدرة على الإبداع موجودة لدى كل فرد، ومهمة القائد المُحنك أزالة العوائق التي تحول دون نموها واستثمارها الاستثمار الأمثل، وبذلك نضيف للتعليم مهمة تنمية القدرة الإبداعية، فالتعليم هو جواز السفر إلى المستقبل ..

     الدكتور بدر بن مبروك العتيبي لفت نظر المسؤولين بالهيئة الملكية بينبع، فاُختير قائداً لثانوية ابن النفيس، وهو من اكفأ القادة التربويين على مستوى تعليم محافظة ينبع، ولهذا نُخطىء عندما نختار للوظائف القيادية والهامة الإمعات والأقزام والتافهين والهتافين والمنافقين والانتهازيين، قد يَصلح هؤلاء للزفة والسير في المواكب ولكنهم لا يصلحون أبداً للمناصب القيادية، إذا هبت عاصفة كانوا أول الراكعين، وإذا قامت معركة كانوا أول الهاربين، وإذا حدثت أزمة كانوا في مقدمة المستسلمين، الأصفار لا يصلحون لإقامة كيان، ولا لإنشاء نهضة، ولا لقيادة تعليم، القائد القوي المؤمن هو الذي يبعث الروح والحياة في المؤسسة التي يرأسها، هو الذي يُوقظ النائمين، ويُحرك الساكنين، ويُنهض القاعدين، هو الذي يُوزع النجاح على كل من يعملون معه ويتحمل وحده تَبِعة أخطاء القاعدين، أستاذ عبقري في مدرسة يستطيع أن يُخرج جيلاً من النابغين، ومصنع يُدِيره مهندس كفء قادر على أن يُحول الخسائر إلى أرباح، ومزرعة يُدِيرها زراعي متمرس ممكن أن يتضاعف إنتاجها عدة مرات، احذروا من الاعتماد على الأصفار فإن مجموع ألف صفر هو صفر واحد كبير مكعب.

     أقولها: فعلها الدكتور بدر العتيبي قائد ثانوية ابن النفيس فبالموهبة فازوا بالجوائز، وبالعمل الجماعي حصدوا الإنجازات، ولنا في التاريخ دروس وعبر قد فعلها الملك عبد العزيز رحمه الله مع أمير المجمعة عبد الله بن عسكر رحمه الله؛ وكان ابن عسكر معروفاً بقوة الشخصية ومعارضته للحكومة، ثم إنه ذهب لمقابلة الملك في بريدة بعد دخولها؛ وتوقع الناس أن يبطش به الملك عبد العزيز، ولكنه قال له: وفاؤك لمبدئك مع ابن رشيد زاد من قيمتك عندنا، اذهب فأنت أمير على بلدك، وفعلها الملك فيصل رحمه الله مع الكاتب المرحوم عبد الله عريف، وكان يكتب وينتقد بشدة الخدمات العامة بمكة المكرمة، وجمع الملك فيصل كتاباته واستدعاه وقال له: يا    عبد الله القول شيء والعمل شيء آخر!! هل تستطيع عمل ما تقول؟ قال: نعم، قال: اذهب فاستلم عمل الأمانة من الغد، وفعلاً نجح العريف في عمله وكان مضرب المثل، وكرمه الأمير ماجد رحمه الله عندما كان وزيراً للبلديات وسلمه شهادات تقدير، وفعلها قبل هؤلاء جميعاً صفوة وقدوة خلق الله الرسول القائد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يوم قال لأبي ذر رضي الله عنه: يا أبا ذر لا تأمرن على اثنين فإني أراك ضعيفاً، وقال لشقيق خالد بن الوليد: إن لأخيك عقلاً لا يَدُلُه إلا إلى الخير ولو أسلم لقدَّمناه على غيره، وفعلاً أسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه، وقدَّمه الرسول، وقال عنه: هذا سيف من سيوف الله، وكان أُمة وحده، وفعل الأفاعيل في ميزان الإسلام، ومصيبتنا أن الرجل المناسب لا يُوضع في المكان المناسب، وقد دل تاريخ العباقرة والمبدعين والنابغين على أنهم من أكثر الناس عملاً وسعياً وقوة إرادة نحو التفوق والإبداع والتميُّز، وهنا تظهر مزية عبقريتهم وسبب تفوقهم على غيرهم، فهم أقوياء الإرادة وشديدي العزم متى شاؤوا، ومتراخين عند الحاجة، ولكنهم اعتادوا على أن يستجموا بعد العمل أو تحقيق الإنجاز فيتركوا عقولهم سارحة -كما تشاء- في فضاء ملكوت الله سبحانه وتعالى استعداداً لإنجازات جديدة..