Image title

علي بانافع 

    مع تغييرات الأجواء صار لي يومين -الله يعافيكم- رشح وزكام، والرشح والزكام ما يخلي الواحد يشوف دربه ولا له مزاج لكتابة فكرة، لأنه يُشتت الذهن ويُضعف الفكر، وإذا دخل الجسم فلا يخرج منه حتى يُكمل دورة حياته ويموت، صحيح هو ضعيف وما يُرى إلا بالمجهر لكنه قوي ويَهِدْ الحيل، ويخلي الإنسان تعبان وطرِيح الفراش عدة أيام، وهذا الفايروس الضعيف القوي يذكرني ببعض قادة التربويين لدينا، إذا دخل الواحد منهم جسم المدرسة ما يخرج منها إلا بالتقاعد أو الإقالة أو بانقضاء أجله الذي لا يعلمه إلا الله، عاد المشكلة الفايروس عمره 7 إلى 9 أيام نصبر عليها وتنقضي، أما هؤلاء القادة ففايروسهم يختلف -نستجير بالله منهم- فكل يوم من فايروس الرشح بأربع سنوات من عمرهم في الإدارة على الأقل؛ فأعمارهم طويلة وعصية ومملة ولا بركة فيها، وطول مكثهم في قيادة المدارس يستلزم كثيراً من المظالم؛ كما يتسبب بإحباط العشرات من المعلمين كضريبة لبقائهم المشؤوم، وفوق هذا وذاك يطلبون من المعلمين الدعاء لهم بطول العمر في الصلوات والجُمع، ولا حول ولا قوة إلا بالله على هالمصيبة اللي ما لها حل إلا برحيل القائد الفايروس!!  

  ومصطلح (القائد) من المصطلحات المستخدمة حديثاً في عالم التربية والتعليم، حيث قُصر استخدامه تاريخياً على العلوم العسكرية، وكان يعني في المفهوم القديم (فن إدارة الحرب)، ففي مقال السابق بعنوان: (بين القائد والمدير) كنت أُمهد لهذه الصورة والتي تمثل الصورة العكسية للواقع التربوي المريض والمرير، ففي العمل التربوي أصبح النفاق هو سيد الأحكام، تلك الطريقة التي يلجأ إليها بعض ضعاف النفوس من المعلمين في سبيل الوصول إلى نجاح زائف، ونسي هذا المعلم البائس اليائس أن جميع الشرائع السماوية رسخت قضية إيمانية، وهي أن الرزق للإنسان على وجه البسيطة قد تكفل به المولى سبحانه وتعالى -بل قد تكفل الله للحيوان كذلك- وفي الإسلام وردت الآيات والأحاديث لتقوي إيماننا بذلك أن الرزق مكتوب من عند الله، وأنه ما من نفس منفوسة إلا تكفل الله برزقها، وعلى المرء أن يمشي في مناكب الأرض ويسعى ويأخذ بالأسباب لنيل رزقه، فهؤلاء المعلمين يصيبهم الخوف والهلع من قضية الرزق بشكل واضح، والله سبحانه قد قرر حقيقة مهمة وهي: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} [البقرة: 268].

    وثمة حقيقة مهمة وهي أن كل إنسان مكتوب له رزقه، والله سبحانه قالها: {وَبَارَكَ فِيهَا -أي في الأرض- وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} [فصلت: 10]، وأن الله سبحانه وتعالى وضع في الأرض الرزق مهما زاد عدد البشر -بل وبارك فيها- ومع ذلك فإن ضعف الإيمان وقوته تؤثر في طرائق تفكير هؤلاء المعلمين في هذه القضية، إن التعليل القوي -من وجهة نظري- الباعث على التملق أو النفاق أو الرياء ليس سوى الخوف ولا شيء غيره الذي هو جِماع العلاقة الغير متكافئة بين القائد والمعلم، فالترقي الوظيفي في مدارسنا ناشىء عن هذه المنافسة الحادة، التي تدفع كل معلم على أن يُبرع وأن يتفوق على غيره، ويظن أنه سينال المجد والحظوة بجده واجتهاده وبعقله وتدبيره، بل ويعتبر القادة قد وصلوا إلى منازلهم تلك بسعيهم هذا، أما المعلمين الآخرين فهم في نظره زبد جفاء وحثالات لأنهم عجزوا عن الصعود إلى مراقي النجاح الزائف، ولو كان فيهم خيراً لسعوا واجتهدوا ووصلوا إلى مستوى القادة الفضلاء، وقد طال النفاق أكبر عدد من المعلمين إذ عدلوا عن طلب الحق الذي يصيبهم برذاذ الأذى، فانتشرت الروح السلبية والنوايا السيئة وعدم الشعور بالمسؤولية، مما يؤدي إلى حالات من الاحتقان والحقد والتوتر والإحباط واليأس، وهي صفات لقلوب ميتة الأحاسيس فاقدة المشاعر، بعيدة عن الوفاء خالية من الصفاء نائية عن النقاء دنيئة عن الإرتقاء، إنها ضحلة التفكير والتدبير عديمة لا تفكر إلاّ في نفسها، تأخذ لا تُعطي، تهدم لا تبني، تُفرق لا تَجْمَع، تهذي لا تَسْمَع.

     إن هذا اللون من القادة اللا تربويين عديمُ الأخلاق ذهابُه خيرٌ من بقائه وموتُهُ خيرٌ من حياته لأن مرضَه القلبي سرطاني خبيث، ولأنه لا يعرف معنى للأخلاق، فلا يُعْبأ ولا يُكْتَرَثُ به ولا يُتَنَدَّمُ ولا يُتَحَسَّرُ عليه، إنه عضو فاسد في المجتمع عالة عليه يجب بتْره وقطْعه لنعيش بحبٍ صادقٍ، يُتَبادَلُ فيه العطاء وتتلاقى فيه المشاعر فتنمو وتَسْمُو في ألفة ومحبة ومودة وتفاهم وتناغم، بعيدينِ عن تلك الصورة الكأداء لبعض البشر الذي يرى نفسه أنه هو الأحق هو الأعلم هو الأفهم هو الأتقى هو الأخلص هو المثقف هو الذي يستحق كلَّ شيء.

    إنّ الغُصَّةَ التي يستلهمُها المُعلم المتابع والمتتبع، والألم الذي نستشفُّه مما نعاني منه، هو داء ابتلي به كثير من طيبي القلوب وهو ألمٌ قلَّ مَنْ سلِمَ ونجا منه، لأننا نعيش في مجتمع جُلُّهُ غُثاءٌ وغَثاء هم أشباه الرجال، فليس كلُّ مَن لبِسَ ثوبا رجَُلا، وليس كلُّ من ارتدى عقالاً عالما، فكم من غُتَر على بقر، وكم من عمائم على بهائم وكم من (تَيسٍ) التحى وهو بلا حياء هكذا نعيش وهكذا نواجِه ونُواجَه ونُجابَه ...