تُحلِّقُ أرواحهم في علياء الجِنان كما سَمَت عن براثن الجاهلية. تلك الجاهلية التي تحفُّنا من كل جانِب كما كانت تحيط بهم لكنهم رَكَموا بعضها على بعضٍ فجعلوها أسفل منهم وارتقوا فوقها.

هم قوم بينَنا، يأكلون، ويشربون، ويتمتعون مِثلَنا، لكنَّ المِثلَ هنا غير متجانِس فهو يتجلَّي في الصورة الفوقية فقط أما ما تحتها فيتناثر اللؤلؤ بين جنباتِ أرواحهم فترى قلوبهم جوهرةً تشِّع نورا وجمالا، ذلكَ أنهم تحركوا لله، وسكنوا لله فحلَّاهم رَبُّهم إشراقا يليق بجلال مقصدهم.

لم يُسَمَّوا شهداء اعتباطا، فَحِينَ يقول الناس: لا نقدِرُ ولا طاقةَ لنا على البذل، يكفينا ما أهَمَّنا، تُرهِقُنا حِيازةُ أموالنا وحراسةُ أولادنا؛ ينسابُ دمُهم الشرِيف بين ثنايا هذا التخاذُل ناشِراً عبَقَ جسارتِهم حُجَّةً وشهادةً علينا.

هم الأحياء حين يموتُ الناس ولا غَرو، فقد أحيَوا ببذلِ أرواحِهم أمةً كادت أن تَهلَك، وكان دمُهُم السِماد الذي نُشِرَ في أرضٍ مُقفِرة فأينَعَ حصادا يؤتي ثمرَه كل حين بإذن ربه، ألا ترى أن قلوبهم في حواصل طيرٍ خُضر؟