دخلَ ذَوُو الجاه يبتغون قربةً عند أعظم ملوكِ الأرض يومئذٍ وكل يوم، بعد أن كاد يُسلَبُ سلطانهم من بين أيديهم، ففطِنوا لذلك لكنهم على الحقيقة لم يفطنوا. وحدثوا أنفسَهم: نُغِيرُ عليه ونبتغي حظوةً فإن سُحِبَ البساط يوما من تحت أرجلِنا فلا أقلَّ من أن نحتفظ بقليل من ماء وجه في ظلّ هذا المُلكِ الجديد.

مَكَروا، وفي خبايا مكرهم أرادوا إقصاء كل من سواهم، عِرقا، ولغة، وسِحنة وكل ما يمتُّ للإنسانية بصفة لا دخلَ لهم ولا غيرهم في تحرير معاييرها أو تشكيل كينونتها.

كسائر كلِّ عُتوّ جبار مستكبِر رَأوا الحق في طريقهم، وعزَّ عليهم أن يُشاركهم فيه أحد من غبراء الناس. فمن الناس إن لم يكونوا هم؟ وما الدينُ إن لم يكن دينهم؟ وما الحرب إذا دق ناقوسها إن لم تكن أزِمَّةُ الشجاعة في أيديهم. إنهم لحريٌّ إن نَكحوا أن يُنكَحوا، وإن سألوا ألا يُرَدُّوا!

الغنى، والجاه، والمنصب، والسؤدد، والمنعة، والبنون، والبنات، كلها ملكُ أيمانهم. وما الدنيا سوى ذاك حتى يتهافت عليها الملوك والسلاطين؟!

ما الضير إذاً أن ننتمي لهذا الدين بضماناتٍ تحفظُ لنا ما نحن فيه وتزيدُنا عليه؟ احجُب عنا أتباعكَ الصعاليك حين نأتيك، فإذا خرجنا وَلَجُوا، وإذا قمنا قَعَدوا.

فجاء الرد الإلهي حازما حاسما بسبيلٍ لا قِبَلَ لهم به، ردٌ رَدَّ على الأتباع المُخلِصين روحهم، وحفظ عليهم دينهم، ورفع شأنهم فوق الأكابِر! بل جعل الواحِدَ منهم خير من ملءُ الأرضِ من مثلِ أعدائهم والحاقدين عليهم. جاء بماذا؟ بميزانٍ لا تستطيع الإنسانيةُ صياغتَه ولا حتى تقييمه فضلا عن القدرة على المجازاة عليه؛ ميزانُ التقوى ذلك خير.

" واصبر نفسكَ مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه، ولا تعدُ عيناك عنهم تريدُ زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه، وكان أمرُهُ فُرطا. "

هذا هو ميزانُ ربِّك، فهل هو ميزانُك؟