لم نـوفِّهِ التبجيلا !!
كلما نتحدث عن المعلم نجد فكرنا يهيم ويتغنى بقول الشاعر احمد شوقي في مدح المعلم :
"قُم للمعلم وفِّهِ التبجيلا….كاد المعلم أن يكون رسولا"
لم يكن وفاءنا في الإهتمام بهذه الهامة العلمية الشامخة سوى استذكادر مثل هذه الأبيات الشعرية الغابرة لا أكثر..
ولم يكن ذلك سوى كلامِِ منا نردده يوماً بعد يوم في كل طابورِِ صباحي أو حفلِِ سنوي بيوم المعلم , حتى صار المعلم في بلادنا العربية اليوم وللأسف عرضة للتسفيه والتحقير والتندر .. كيف لا ؟ وقد تركوه صريعاً يكابح العوز والحاجة والفقر يوماً بعد آخر ..
على الرغم من أن المتأمل في التجارب النهضوية للشعوب والأمم يجد المعلم السبب الرئيسي في ذلك ..
ففي ماليزيا البلد الفقير، قاد (مهاتير محمد) تجربة نهضوية فريدة، جعلت دولته في مصاف الإقتصاديات القوية عالمياً، بعد أن حدد أسباب الفشل الإقتصادي من فساد وعدم أمانة وضعف كفاءة، وتوصل إلى أن الشعب المنتج لابد أن يكون أولا شعبًا واعيًا، فاتجه إلى إيلاء التعليم أهمية قصوى، حتى في عام 2000 وصلت ميزانية التعليم إلى ما يوازي 23.8% من الإنفاق الكلي ..
لكننا نحن أصبح معلم الأجيال اليوم فينا ذلك الجندي المجهول رغم الجهود المضنية التي يقدمها لبناء الأوطان في صناعة الأجيال والشعوب ..
لقد أهانوه وتَعَالَوا عليه وأفقدوه حقوقه التي هي بمنأى عن كل صراعات الكراسي والعروش واستكثروا عليه أن يطالب بهذه الحقوق واعتبروها منه خروجاً عن الوطنية
والعرف ..
إن المعلم في بلدي هو الشهيد المجهول الذي يعيش ويموت ولا يدري به أحد، ولا يذكره الناس إلا ليضحكوا على نوادره وحماقاته ..
وحين نلاحظ الواقع اليوم نجده يضج بالحماقات المتكررة ضد المعلم على مر الأيام لينعكس بذلك سلباً على شعوب أمتنا العربية بشكلِِ غير مباشر فيصبح نتاج المعلم ليس إلا جيلاً لا يرقى إلى مستوى المسؤولية والإخلاص في بناء الأوطان ..
كل ذلك تصنعه الممارسة والمعاملة السلبية ضد المعلم باستمرار لا سيما وقد جعلت تلك الممارسات من المعلم كائناً معرضاً لكل أصناف السخرية والإحتقار بل إلى حد أنه يتعرض في بعض الأحيان للسباب والشتم والضرب بعد أن كان في الماضي شخصاً مهاباً عند الجميع ..
وأما عن معاملات زعماء وقادة الشعوب لهذه الشخصية فحدث ولا حرج ..
حيث أصبح المعلم للأسف هو الشهيد المجهول الذي يُصلى على جنازته صباح وغروب كل يوم وفي كل ليلة يبيت فيها جائعا إلى جوار أسرته يكابد الفقر وشظف العيش ..
مازلت أشاهد حالته المبكية وهو يعاني إرتفاع نسبة إيجارات بيته وغلاء صرفية اسرته وغياب قيمة دواء أطفاله منتظراً مجيئ راتبه نهاية كل شهرِِ لكن دون جدوى
حتى اصبح المعلم في بلدي هو المطحون الذي يحصل على الفتات، ويضطر إلى عملٍ إضافي ليوفر لأسرته ضروريات الحياة، فيستيقظ صباحا لأداء عمله في مهنة التدريس، وعينه على ساعة يده استشرافا لنهاية الحصة الدراسية وموعد الرحيل ..
أو هو في بعض البلاد ذلك المعلم الذي يصطاد الطلاب لإعطائهم درسًا خاصا، يعوض به ذلك الراتب المُهين، ليصبح في مصافّ التجار.
قال بعض النجباء: «إنما مثل المعلم مثل الطبيب يحتاج إلى إكرام ليتقن عمله، فالمعلم كالزارع الذي يبذر زرعاً ويتعهده بالماء لينمو ويحيا، إكرامه آية تدل على الفطنة والذكاء». قال الشاعر:
إن المعلم والطبيب كلاهما … لا ينصحان إذا هما لم يُكرما
فاصبر لدائك إن أهنتَ طبيبه … واصبر لجهلك إن جفوتَ معلما..
عارٌ على قيادة شعبِِ جعلت من المعلم متسولاً في الطرقات ومن التعليم مهنةً لمن لا مهنةَ له ..
وكيف ترقى أمةٌ ومعلم أجيالها ينام على الفقر ويصبح عليه ؟؟
_____________________________
محمد الحمامي