بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه، وأصلي على خاتم النبيين، وآله وصحبه أجمعين،                                     أما بعد:

هذه كلمة جادت بها النفس جراء ما حصل بالأمس من "مهزلة" جراء موت عالم ملحد، ويعجب المسلم كيف صار الدِّين مثالاً للترحم على الكافر بدعوى "الدين رحمة"؟!

وليتبين المراد اضرب للجاهل مثال:

أبو طالب خير من دافع عن النبي -صلَّ الله عليه وسلم -، وخير من حاطه وناطه، وهو -بعد فضل الله- كان أهم سبب في نشر الدعوة عند بدايتها، رجل تحمَّل الأذى والتعنُت من قومه، حوصر مع ابن أخيه في الشِّعْب، وأصبح في نظر الناس رجلاً يدافع عن مجنون -حاشا رسول الله أن يكون به ضرٌّ من جنون وغيره-، فلما حضرته الوفاة قال له النبي -صلَّ الله عليه وسلم-: يا عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاجُّ لك بها عند الله، فمات على ملة أبيه -الشرك- خوفا من سبِّ العربِ له أنَّه ما قالها إلا جزعاً، فأراد النبي -صلَّ الله عليه وسلم- أن يستغفر له عند الله، فمنعه الله؛ لأنه مات مشركاً. (والقصة أتت في كتب الصحاح وغيرها من كتب الحديث وهذه خلاصتها) 

عن الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ. قَالَ : " هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ".(البخاري ر.٣٨٨٣)

تأمل هذه القصة التي يعرفها ويحفظها كل مسلم، هذا رجل دافع عن النبيِّ بروحه، وماله، وأبنائه، فلم يغن عنه ذلك شيئاً؛ لأنه مات مشركا؛ قصد بشركه أنه يقربه إلى الله وأنَّ الأصنام واسطة له، قال تعالى:{{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}}،[سورة الزمر 3]  .

فكيف بربك تترحم على رجل ملحد، حادَّ الله وقال للناس: لا ربَّ لهذا الكون، حياتنا همل، كلوا واشربوا وامرحوا فلا حياة غيرها، ولا غاية لنا إلا أن نكون كالأنعام.

قُل لي برب رجل مات مشركا أقر بالله ربا، ولكن اتخذ من دون الله معبوداً ليكون له واسطةً عند الله فما أغنى عنه شيئاً، بل أُمِرنا أن نَبْرَأ منه.

كيف يترَحَّم مسلم على رجل ألحد بدعوى "أنه عالم عبقري خدم البشرية بعلمه"؟

وآخر بدعوى التعاطف معه بقوله: "رحم الله الحجر والشجر والبشر..."، فنقول: نعم لكن الحجر والشجر يسبحان الله، والبشر خُيِّرَ فإن اتبع رحمه الله، وإن أبى فقد استحق العقاب.

الرجل من منظور دنيوي قدم للعلم الشيء الكثير، لكن المسلم ينظر لعقيدته قبل كل شيء، كُنَّا في حياته نقول: اللهم اهده للإسلام، فلما مات على إلحاده نحن الآن نقول: اللهم إننا نبرأ منه ومن ملته، اتباعاً لأمرك.

الولاء والبراء من صميم هذه العقيدة، بل هو من أجلِّ الفروق بين المؤمن والمنافق.

وأمَّا من يريد الظهور بهذا الإسلام الذي لا يعرف سوى "نصوص الرحمة والترغيب" فنقول له: أولم يُنَزِّلِ الله في كتابه نصوص العذاب الشديد؟ والتخويف من لقائه على ملة غير ما فرض؟"

إذا كنت تقول الإسلام دين الرحمة، فنقول: أكمل دين، وأيسر دين، ولا دين يرضاه الله غيره، وهو كذلك دين ذو بأس شديد على من تعنت أو أراده على هواه.

الدين ليس أمورا عاطفية نسوقها كما نشاء.

وإليك مثالين من القرآن الكريم حول صورتين متغايرتين تماما عن حال الناس في الآخرة وهما النهاية، لا صورة ثالثة، قال الله في وصف شيء من حال أهل مرضاته، ووصف شيء من حال من اتبع هواه فعصاه: {{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}}،[سورة محمد 15].
تأمل هذا الفرق الشاسع بين الفريقين وقد أتى في آية واحدة، وآيات العذاب كثيرة، وآيات الوعد والجزاء كثيرة، فلا تتبع ما تهواه، وتتناسى مالا تحبه.
وأعلم أن هذا الدين قائم على أركان من أجلها وأهمها الولاء والبراء، فلا دين بدونهما.

هذه خَلجات من صدر محب سارت في الفؤاد فسطرها في كلمات عسى أن تكون له شافعة، ولغيره نافعة، اللهم ألهمنا سبل الرشاد، واصرف عنا كل غيٍّ وضلال، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تنبيه: المقالة قصد منها البيان، ولم يقصد أنَّ يتطرق فيها للتفصيل العقدي، فالولاء والبراء باب من العقيدة ليس لمثلي التصدر لشرحه، أو بسطه في نقاط، لكن قُصِدَ بالمقالة بيان أن الدين لا ينظر للعواطف إن كانت في غير مرضاة الله.