أثارت التصريحات التي أدلى بها وفد المملكة العربية السعودية إلى الدورة الأخيرة من لقاءات معاهدة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأةالمعروفة باتفاقية (سيداو)، التي أقيمت في يوم ٢٧ فبراير ٢٠١٨م، اهتمام المتابعين على جميع المستويات. ولكن ذلك لا يهمّ. الأرقام هي المهمّة والتاريخ هو الفصل. انضمت المملكة إلى المعاهدة الدولية قبل سقوط برجي التجارة العالمية بسنة (متفوقة على جارتها الصغيرة قطر بواقع ٩ سنوات). وبلغ عدد النساء من أعضاء وفدها الأخير ١٨ سيدة من أصل ٣٣ عضوا مشاركا، أي ما يساوي نسبة ٥٥٪ من مجموع أعضاء الوفد. والحق أن الوفد أبلى بلاء حسنا. في تمثيل الدولة بالطبع. وهي مهمة دبلوماسية ليست سهلة بحال من الأحوال ولا يجب أن نغفل عنها. 

وبهذه المناسبة أقدم مقترحا متواضعا لقياس تمكين المرأة. الهدف الرئيس من وضع هذا المقترح هدفٌ مشروعٌ وسامٍ: أن تتفوق المملكة العربية السعودية -وبقوة الأرقام- على باقي دول العالم قاطبةً في مجال حيوي ومهم يستأثر اليوم بكثير من النقاش في مجالات الحقوق المدنية على مستوى العالم. ليس خليقا بالمملكة، وهي تقود العالم الإسلامي والعربي، إلا أن تقود العالم بأسره. ولذا فإنني أقترح أن تعتمد المملكة من اليوم فصاعدا نسبة سكانها من النساء باعتبارها معيار تمكين المرأة. إنه معيار صارم وداحض لكل تشكيك، وفوق هذا كله معيار سهل التحقيق. 

بحسب الإحصاءات الأخيرة تتفوق دول صغيرة مثل لاتفيا وليتوانيا وكواراساو وبيلاروسيا وإستونيا وجزيرة أروبا في زيادة عدد سكانها من النساء على الرجال. ففي لاتفيا مثلا تصل نسبة السكان من النساء إلى ٥٤.١٠٪ من واقع عدد إجمالي السكان، مما يعني أن الفارق بينها وبين المملكة ١٠ في المئة تقريبا، وهو رقم يمكن تحقيقه في بضع سنوات، خصوصا وأن تلك الدول بدأت تذوب فيها حدود الجندر التي شرعها الله، مما يعني أن نسبة النساء "الخالصة" فيها ستنحدر لا محالة. فبينما تقل أرقام السكان متفرقة بين فئات الجندر المخترعة (السحاقيات والبويات والمتحولات والكوير وهلمّ جرا) تحافظ الفئات الجندرية في المملكة على رسوخها. ولنكن واقعيين، الدول أعلاه كلها دول هامشية ولا تقف على أراضيها مقدسات دينية بقيمة الحرمين الشريفين، وبالإمكان التغلب عليها سريعا وتسنم الهرم العالمي في مجال تمكين المرأة حسب المعيار الجديد الذي يتسم بالصدق ويعتمد على الأرقام التي هي أوثق مقياس.

كما أن من حسنات هذا المعيار المقترح أنه يعزز الخصوصية السعودية ويؤكد أسبقيتها إلى معيار مهمّ في عالم رقميّ يقدر قيمة الإحصائيات ويعلي من شأن الأرقام. ولتحمد النساء الله على أن تم تمكينهن، أولا بالسماح لهن بالبقاء على قيد الحياة وثانيا بالتغاضي عن زيادة أعدادهن وربما الدفع بها، حتى يرتفعن بالمملكة إلى درجة عليا تتباهى بها أمام الخلق حينما يتعلق الأمر بالحقوق المدنية عموما وبتمكين المرأة تحديدا.