الشاعر / عماد قطري

وديوانه "عشر نساء يجئن خلف العاصفة"

بقلم / حسن غريب أحمد

_______________________________________________________________

في ديوانه "عشر نساء يجئن خلف العاصفة " يقدم الشاعر عماد علي قطري تجربة شعرية تمتلك ما يبرر النظر إليها بعمق ففي رؤيته تجربة في معزل عن تجارب الآخرين بحيث نتخلص من اثر المقولات العامة التي تكشف سلبا أو إيجابا عن تفاصيل الفن الشعري وجمالياته في ديوان يضم عشرين قصيدة شعرية من الفصحى ... طبعة أولى 2009م عن مركز المحروسة للنشر بالقاهرة.

ومن عبر هذا الديوان يسعى الشاعر عماد قطري إلى تقديم صوت خاص مميز في إطار تجربته الشعرية التي تبتعد عن السطحية وتجتهد أن يكون لها جمالياتها الخاصة, تعبر عنها قصيدة "سلاما أيها الشعب" التي تتعدى أربع صفحات من القطع المتوسط , وهي تمثل مقتاحا من مفاتيح قراءة تجربة صاحبها, فالقصيدة تقدم نفسها عبر صوت واحد يخاطب بشرية بعينها تتكشف طبيعتها عبر النص الذي يبدأ النص بفعل كاشف عن الخطاب:

(سلاما أيها المكدود والمهدود في زمن البوار

وأهديكم تحياتي

.......

سأهدي ألف أنشودة منمقة

وأشعارا مخضبة بلون فريقنا القومي

والوطن والثأر)

هنا قد يشعر المتلقي أنه دخل مسرح الأحداث متأخرا وأن هناك أحداثا سبقت دخوله قد تشي بالكثير من الأمور كطبيعة المخاطب والمخاطبين وما يدور بين التفاصيل التي تمثل خلفية للمشهد المرسوم, ما بين الاعتماد علي لغة تراثية المفردات تتشكل من مفردات:"أرقص التحطيب وسط خيولنا".

والسياق الذي وضعت فيه يتحرك النص راسما مشهدا بسيطا ذا دلالة تتجه للعمق... يتجاوز الشاعر مساحة من الزمن كافية لتمرير وقائع فوز المنتخب المصري بكأس الأمم الأفريقية... بتركيب الفاصلة الزمنية المعبر عنها بالواو وبعدهما الفعل المضارع:

(سأنسى مخفر الأوغاد

يسرق بسمة الأطفال يشدون ابتهاجا

ومخبرهم ... يراقبني ... يناظرني

ويفرس في غباء بزتي

سأنسى كل ما كانا

سأنسى رسم حارتنا

وشارعنا .. وعنوانا)

ما بين فعل الاستهلال "سأنسى" وفعل النهاية "وأعشقها .إذا . زورا وبهتانا" ينجح الشاعر في رسم مشهد دال قادر علي إنتاج دلالته وتوصيل رسالته النصية عبر لغة قوية, يسند خلالها مجموعة من الأفعال إلى فاعل واحد (المتلقين) والنتيجة تتناسب مع هذه الأفعال المتعددة فالهتاف هو الأمر الملائم لقيمته والعشق هو الذي يحقق تحقيق الهدف, وهي بذلك تؤكد قدرة الشاعر عماد قطري علي الاقتراب من نص له سماته الفنية وما يحمله النص من قدرات فنية جادة متجها للصدق الفني كثيرا من الجماليات..

صباح الخير يا غزة

صباح الخير والأمجاد يا غزة

صباح النور والأحلام والعزة

صباحك سوف يبقى

رغم كل القصف أندى

لا تخافي يا بلادي

واساليهم عن لواء المجد من هزه

سأنقش غصن زيتون على شفتي

وأحفر درب عزتنا

مع القسام مقداما إلى حمزة )

(وتاريخي سأحفره وأذكره

ستبقى "خيبر" الذكرى )

ولا أظن هذه القصيدة تحتاج إلي تعليق كبير, فهو واضح شديد الوضوح, بارز الدلالة على الارتفاع, ببلدة ترثي إلى مقام رمزي مهم, هو مقام البطولة التي جمعت في أعطافها الأمجاد والعزة والذكرى والأحفاد والنشوى والألحان".

وتعمل صيغة النفي، مع تقديم الجار والمجرور "عن لواء" على إحداث قدر ملحوظ من التعميم برفع الأبطال فوق البشر, ومن بعد سيكون في المقطع الثاني من القصيدة.

إن تجربة الشاعر عماد قطري قوامها ست دواوين من بينهم مسرحية (المحاكمة) وهي مسرحية شعرية, والشاعر عبر تجربته لا يتوقف عند نموذج فني واحد وإنما يراوح بين صيغ فنية قد تثبت في أكثر من قصيدة أو ديوان وآخر باحثا عن أفق جديد, مستلهما أشكالا أخرى, ولكن تظل هناك سمات فارقة، سمات تتكرر لتكون علامة علي صاحبها, في ديوانه الأخير "عشر نساء يجئن خلف العاصفة " نلمح صيغة أسلوبية واضحة, نعني التكرار شكلا من أشكال الإلحاح علي صيغة أو معني بعينه في سياق النص مما يجعلها صيغة ذات وقع خاص علي المتلقي الساعي إلي محاولة إدراك معطيات النص.

والشاعر يبني صيغة التكرار لديه من خلال تيمات متعددة من أوضحها:

أولا : تكرار صيغة من خارج القصيدة.

ثانيا : تكرار صيغة من داخل القصيدة الواحدة.

ففي الأولي يتجاوز الشاعر محيط القصيدة موجها متلقيه إلى عنصر قريب ونعني به قصيدة أخرى للشاعر نفسه, فهناك على سبيل المثال تماس واضح بين قصيدة (أحاديث يارا "1") وقصيدة (أحاديث يارا "2") وقصيدة (المساعيد) وقصيدة (دماء الشهيد).. كل هذا يكمن في العنوان والعناصر المشكلة له في القصيدتين, والمتتبع لقصائدهما يكتشف بعض العناصر المؤكدة لهذا الطرح, أو يحيل المتلقي إلي صيغة أخرى ابعد مدى وأوسع أفقا, بأن يحال المتلقي إلي التراث الإنساني عامة أو التراث العربي خاصة..

هنا يوجه النص متلقيه إلى مساحة أكبر بكثير من مساحة وعي النصوص الأخرى للشاعر عبر قصائده المتعددة, حيث ينفتح المجال المعرف أمام المتلقي للكشف عن مناطق التشابك بين الصيغ المتفاوتة التي يعتمدها الشاعر من خلال نصه ومنها ما يعد ذا حضور أقوى كما نجد في اشتباك الشاعر مع التراث, وهو ما يوضح أكبر العناصر التي يعتمدها الشاعر في هذا السياق أقصد الثراث.