قراءة نقدية 

سوسيوثقافية تستجلي أهم الملامح الفنية والجمالية في ديوان (بدون تصريح ) للشاعرة إيمان معاذ

بقلم 

حسن غريب أحمد

كاتب وناقد 

عضو اتحاد كتاب مصر 

______________________________________________

يعتبر ديوان شعر العامية ( بدون تصريح ) للشاعرة إيمان معاذ هو الديوان الرابع والذي سبقه ثلاث دواوين وهي 

*شهرازاد

*حالة م الجنون

*سندريلا والفقير

والشاعرة إيمان معاذ قبل أن أدلف بين طيات صفحات ديوانها الرابع والجديد (بدون تصريح ) الصادر عن مركز الراجا الثقافي 2016م هي الحاصلة على درع القوات المسلحة من سيادة المشير عبدالفتاح السيسي عام 2012م حين كان قائدا عاما للقوات المسلحة , وحاصلة على درع القوات المسلحة مرتين من الفريق أول صدقي صبحي القائد العام للقوات المسلحة , وحاصلة على درع قوات الدفاع الجوي مرتين من الفريق عبدالمنعم التراس قائد قوات الدفاع الجوي , حاصلة على درع جامعة قناة السويس ثلاث مرات , وهي عضوة بالمجلس القومي للمرأة من عام 2000وحتى عام 2013م , إلى جانب مشاركتها في العديد من ندوات ومؤتمرات وأمسيات شعرية في شتى أنحاء الجمهورية .

كل هذا وغيره يثبت حقيقة كون الشاعرة إيمان معاذ، شاعرة وجدانيا لا تكتب الشعر إلا لدوافع وجدانية ملحة، ولا تصدر قصائدها إلا عن تجربة ذاتية أنضجتها الأيام ، ومن يتأمل صورها وتأملاتها ، يجد في عالمها الشعري تجنبا لتماهي مع ما تفرضه المناسبة خارج الوجدان، فاشعارها تعبير عن حبها وعشقها لبلدها ووطنها مصر , وعن ذاتها وعناوين قصائدها دالة على ذلك في هذا الديوان (بدون تصريح ) وعلى سبيل المثال:

كاسك يا وطن ، المصري والميدان، البداية، عذرا، جاي ليه ؟، خريطة العالم ، بدون تصريح ، دمي ودمك، ساعات تشتاق،رسالة لملحد، لك..لوحدك، حلاوة روح، قفص، من على وهم التواصل، آنا كارنينا، حاسس بإيه؟، صوت الضلال، يابختك يا أمي، أم الدنيا، كلمة تانية, إلى جانب أضمومة من صور التكريم في ملحق خاص بنهاية الديوان .

ثم يأتي الديوان ويبرز إهداء الشاعرة الديوان لكل من أوقد لها شمعة وأضاء لها قلبها وطريقها وهو اعتراف من الشاعرة وعدم نكران ولا جحود منها , ثم تاتي دائرة الضوء وشفرته المبهرة في عشقها لوطنها الذي يسكن قلمها وضميرها وتقصد بوطنها بالطبع وطنها الكبير مصر , ثم تصف سيناء بوطنها الصغير الحبيب بكل حب ووفاء , وهذا يعد منتهى الوفاء النادر من الشاعرة .

إن تجربة الشاعرة إيمان معاذ لتتصف على عناصر متعددة يجسدها، العشق والتوحد، والبوح، والثمن وثنائيات التضاد بهجة وسواد، وما بين والثار والموت والهروب والالحان الشجية والاتهام والانتقام , فتطرز إيمان معاذ قصائدها على إيقاع الفرح والحنين والتمسك بالحرية في الميدان، تسير في طريق نحو انعتاق من قيود القدر، الى شمس الحرية وثمنها موت استشهاد أبطال في الصيام ، إنها ترق السمع لحفيف الحروف، وهي تحكي قصة كاس الوطن واستشهاد الابطال في شهر رمضان قبل افطارهم بقليل ودفع الثمن غال كي نعيش نحن ، لتبحر الى الضفة الأخرى من الروح المعنوية في الميدان (المصري والميدان ص 22)متمردة ترقص على ايقاعات الألم، خريف يواجهها، بسقط الكلام ويشحب الألوان، وتبقى عارية إلا من عبير الذكرى المحفورة على أجنحة الروح من نار الغدر وضحايا تفحمت في قطار الصعيد ، فالشاعرة تبوح بأسرار الميدان الذي ليس هو قاصرا علي ميدان التحرير بل وجع كل بقعة من بقاع مصرنا الغالية وكل مكان لهو ميدان موجع ضد الغدر والخيانة ، ولا تبوح بأسرار إلا بادلة دامغة وواقعة , ولا تكشف عن صور الميدان وتفاصيله إلا بكل ما كان يدور به ،فتكفيه بالايماء والتلميح والاشارة به

من قصيدة (المصري والميدان) ص21

كان مغمض بس شايف 

كان برغم القهر عارف

إن طلقة الشفايف ..

نارها اقوي م الحصار 

وإن مفتاح النهار

يوم هيبقى في قبضته

وإن ميت مليون جريح 

متسندين على خطوته

وإن بطش الظلم زايف 

كان مغمض بس شايف 

شايف العلم اللي باهت 

شايف السكة اللي تاهت

لما نار الغدر قادت في الحديد

والضحايا اتفحموا ف قطر الصعيد

شاف شباب يائس ومستقبل بعيد 

شاف ميزان العدل متمرد ..عنيد 

(من قصيدة المصري والميدان ) ص 22

إلا أنها في النهاية تعلن الموعد في الميدان للخلاص من الخوف والظلم والقهر (قال خلاص آن الآوان ،

حط عمره في كفه واتلقى الأدان

قال معادنا ..في الميدان (ص24)

لان كل الطرق المعبدة لا تؤدي إليك، كانت قصيدة (البداية ص28) انه حب احتراق قلب،واحتراق عمر،ومثل هذا الحب بات نادرا في زمنا كزمننا، حالة من الشجن وما يترسب في المشاعر من من عواصف مشبوبة، وحنين جارف

البداية 

البداية ..نظرة كانت من بعيد 

دوبتنا ..

حسستنا إننا عايشين في جنة ..

وكل شئ ..في الكون ..

سعيد 

نظرة الاعجاب خدتنا ..

لدنيا ..ولعالم جديد 

كنت فيها السندباد 

اللي عاد ..

رسم الخريطة فوق ..جبيني 

اللي غامر ..

واكتشف سحر الغابات ..

جوه عيني 

اللي نقب ..عن كنوز ..

كانت ما بين ..قلبي وبيني 

(البداية ص 28)

في هذه المقاطع تقترب الشاعرة إيمان معاذ من نظام الموشح، تتحدث الشاعرة عن النظرة والحنين والخيال والشراع والمحال والمرايا، كمناجاة للحنين تسامرها وتساهرها على بعد وبإمكان القارئ المتتابع لقصائد الشاعرة أن يدرك أبعاد ذلك التداخل بين مناجاة البداية للحبيب من نظرة عين وظلال البعد وما المرايا وباقي عناصر الطبيعة إلا مصادر للتذكر والحنين ومقاومة النسيان فما يلفت الانتباه في شعر شاعرتنا هذه الغنائية المفجعة، وهذا الإصرار على الإيقاع الموسيقي، وتثويرالعبارة الشعرية بعمق التجربة التي تمنحها وهج النشوة والمتعة من أعماق روحها التي تتلاقى مع الأحياء ومع الحياة أكثر مما تتلاقى مع الحبيب, هنا أسجل انطباعي ورؤيتي لما تكتبه الشاعرة إيمان معاذ من تمرد يدغدغ مفاصل اللغة لتقول ما تريد بعيدا عما تصالح عليه الشعراء الذين لم يصلوا إلى قاع همومهم والذين يتحاشون سبر أغوار المعنى والاقتراب من أسراره العادية والخالية من ادعاء البراءة والقداسة منذ قراءتي لهذا الديوان \ القصيدة واهتمامي بهذه الشاعرة، وكلما اقتربت من قصائدها أكثر بدا لي شعرها أكثر إثارة للدهشة، وزاد يقيني بأنها تترك للشعر يكتب نفسه والقصائد تكتب نفس الشاعرة وترسمها وتلونها وتزركشها كألوان فنانة تشكيلية ، فقصائد إيمان تشبهها دوما، وتأخذ شكلها وروحها الشعرية لقد نجحت إيمان معاذ حقا في استنطاق المكونات الطائرة في نفس الشاعر، وهي توقظه من وعيه لتدخل به ساحة الشعر، وتبدو كأنها تتعامل معه تارة برقة، وتارة أخرى بقسوة، وفي أحيان تكون اللحظة الشعرية واضحة سافرة في المعنى، فأشعارها تركز على التكثيف والاختزال العميق، أنها شاعرة حقيقية تشتعل بالأسئلة الحارة وكفى

قصيدة (جاي ليه ؟ ) ص 33

جاي تتمناني ليه ؟ بعد إيه؟

بعد مافات الأوان ؟

كنت فين ..من زمان ؟

كنت فين ..لما كان القلب ..

راسم لك ..طريق

لما كان ..حر وطليق 

كنت ليه 

كنت أجمل حاجه فيه

انهارده جاي ليه ؟

ذنبه إيه ؟

لما تبقى بين إيديه 

والعيون تحكم عليه ..

فالشاعر الحقيقي مشروع قائم بذاته، هذه إيمان معاذ الشاعرة المسكونة بين الصمت والمعنى بجوهر الأشياء لا بإعراضها، فالجملة الشعرية عند الشاعرة تأتي من معاني كبرى وعطاء غير مألوف، ولا مكرر، والملفوفة بموازنة شعرية دقيقة، بين الفكرة عمقا، وأصالة، وتجديدا، وبين عرضها بأسلوب الحداثة الشعرية وتقنياتها وموسيقاها وأنينها التي تكرست عبر منجزات شعرائها وإضافاتهم وفي مقدمتهم شاعرتنا المصقلة الإبداع صاحبة هذا العمل الشعري

فالنصوص الشعرية التي تحشد بها ديوانها، والتي تأتي في بنائها المكثف على شكل ومضات سريعة، تتحدث فيها الشاعرة بعفوية متألقة وتقنية بالغة التألق والجمال، وتمسك بدلالات موضوعة على نحو تلعب في حقل اللغة بمهارة اللاعب الذي يجيد كل ادوار اللعب في ساحة الملعب وتلعب المفارقة والمفاجئة دور الأهمية

من قصيدة (خريطة العالم ) ص 41

الخريطة ..

مش خطوط ..ممدودة ع الحيطة ...

بألوانها البسيطة 

اللي أزرق .. واللي أصفر ..واللي أخضر 

الخريطة ..هي عالم م الخلايق ..

خالقه خالق ..

بالمحبة ..لجل يتعمر ويكبر 

بس الجور ..أفسدوه 

دخلوه ..صالة قمار

لعبة ..لكن..للكبار 

غطوا بيه كل الحيطان 

والرهان ..كان من نصيبنا 

يلعبوا على منطقتنا 

يرسمونا ..يقسمونا ..يشكلونا من جديد 

يسرقونا ..يهبشونا ..يكلبشونا بالحديد

واحنا عالم ..موجوعين 

غرقونا في الهموم من سنين

ولعل ما اقتبسناه من هذه الومضات الشعرية،يتيح للقارىء التعرف الى شعرية هذه القصائد وعمل الشاعرة الذي حرصت على التكثيف والإيجاز والجسارة في استخدام الإيحاء والرمز في اللغة، وتملك قوة وجدانية وعرفانية خارقة تنطوي على مزيد من الإحساس بالمفارقة، ويسجل لها بعض ملامح تفردها وخصوصيتها كواحدة من شعراء هذا الذوق الفني المصري والعربي المصلوب بين آلم الكارثة، وبين الرؤيا الجميلة والرؤية الدميمة، ولها القدرة على التقاط صور المكان بشفافية واختزال، – (يرسمونا ..يقسمونا ..يشكلونا) –، وعلى تحويل واقع الخيبة والألم إلى واقع شعري صاف وجميل، تتآزر موسيقاه وصوره ودلالاته في نقل أحاسيسها إلى قارئها والتأثير فيه، فمفرداتها شديدة الإيماء كالشوكة والسم والعذاب والذل والأكابر والمقابر والكفاءة وما يحدث عند تلاقيها من تصادم وانشطار وتشظي في الآلم، ويجعل من هذه الأمكنة وأشياء الطبيعة من خلق شعور بالألفة والانسجام الذي يخدم إيقاع الوجع، وما تتركه مجتمعة من فضاءات روحية، وإيحاءات محفزة للمخيلة الشعرية، بلغة رشيقة وصور رامزة،وإيحاءات كامنة في دلالات لا تخلو من فيض من الأحاسيس والرؤى المقلقة التي تشير ولا تفصح، والمدرك والمدقق فيها يكفيه فهم أبعاد الرؤيا وتحسس ما هجست به الشاعرة من رغبة في معادلة بالغة العمق وجوهرية الدلالة من خريطة الغرب المقيت من تقسيم عالمنا العربي وانشطاره لعدة أجزاء متقطعة الوصال .

فلغة إيمان معاذ لغة طازجة، وصورها مبتكرة، وهي تشكل حضورا متفوقا ومترعا بالعميق والجميل في حركة تصاعدية يزيدها توهجا في انتقاء لعبتها الشعرية بعناية فائقة، وان هواجس الشاعرة أوسع من ان تستوعبها قصيدة او ديوان شعري .

فالقصائد لا تقاس بالطول والعرض وإنما تقاس بالعمق والارتفاع أفقيا وعموديا، فإيمان معاذ عميقة ماهرة بارعة في اصطياد المعنى وارتفاع في منسوب صياغته التركيبية والدلالية، فبعض الجمل الشعرية عندها لا تزيد عن كلمة أو كلمتين تأتي على شكل ومضة خاطفة ما لا تقوله المطولات الشعرية، بل أن هذه الومضات الخاطفة تنداح وتتناسل صورا عديدة قبل أن تبهر وتعبر العقول وتسكن في القلب ثم لا تبرحه.

تلك تجليات الشعر في أضيق المساحات المكانية والزمانية، انطلاقا من الشعر كالذهب، قليل ونادر، ولكنه غال الثمن والمعنى، وتستوفي الشاعرة إيمان معاذ بهذه المقاطع الشعرية شحناتها وتوترها، وتضع بصمتها على جرح التجربة _ أن جاز التعبير _ تجربتها مع الشعر ومع سيرتها الذاتية التي تحترق نصوص المجموعة، وتطل منها شامخة بخرسها وتعاليها الراقي 

قصيدة (بدون تصريح ) ص51

بدون تصريح 

بنظرة ياما سحرتني 

وخلتني 

أكون ريشة ف مهب الريح

تقول إنتي ؟

حقيقي صحيح ؟

أقول : هي بأوصافها 

أنا هي 

ومش هي اللي تعرفها 

ومقتولة بحنينها إليك 

وخوفها عليك 

سنين وسنين

تستجدي الدفا في عينيك 

تغمضها 

تفوتني أتوه

أقول ..أكيد معتوه 

تقول عاشق ..تقول مقتول 

تقول ..وتقول 

وكأن صوتك بيرويني 

يفتح في شراييني 

زهور الشعر والأساطير

الريح هنا في هذه القصيدة تأتي مولدة لحزمة من الإشعاع، تتناثر في ثنايا القصيدة لتعميق دلالاتها التي تقع هناك، في ملكوت الصمت، فالشاعرة هنا باستخدامها تقنية الحوار الديالوجي والمونولوجي السينمائي ترتقي في أسلوبها وتكنيكها وتقنياتها تيار الوعي السينمائي وبتعبيرها هنا عن الريشة في مهب الريح وعواصف تلج إحساسك تدمرها بإحالات خارج النص وان بطل القصيدة هنا الشاعرة الراوية والمخاطبة الأخرى التي تجري معها الحوار لتعري آليات التصريح والنظرة الساحرة وتفضح صاحبها خارج النص وتدينها وتدين كل القتل بالحنين والخوف سنين وسنين ، وعبر هذا التماهي الجميل تتحدث الشاعرة يصونها وبصوت العاشقة التي اقترف فيها تساؤل حقيقي صحيح في ليلة لا نهار فيها، حبل بينها وبين حريتها منذ غابر الزمان، حيث تركت وحيدة في مواجهة الانتظار فترة طويلة والدليل الخوف طوال السنين والتساؤل عن القلب المعتوه ، محاطة كأميرة أسطورية، بضوئها وكبريائها، وصوتها الطري المهيب

فذاكرةالشاعرة إيمان معاذ مشيكة أحيانا، وأحيانا أخرى مفتوحة لاحتضان كل شيء التصريح والريح والوصف والحنين والخوف وزهور الشعر والأساطير وقد وفقت شاعرتنا باستخدام تقنية الأصوات المتعددة في السرد، وباستخدام الإشارة والتلميح allusion استخداما يؤكد متانة الآصرة التي يشدها إلى إبداعها الروحي وبهذا الاستخدام نجد أن الشاعرة قادرة على إثارة وجدان القارئ واستدعاء ذكرياته وما لها من ارتباطات بالماضي، وظلاله الضاربة ويقدم لها عونا كبير لتركيز ما تريد قوله وتكثيف بناءها التعبيري أيضا، إذ أن قدر كبيرا من التداعيات يمكن إثارتها، كما يقول تليار،، بأقل قدر ممكن من الكلمات وتلك إحدى مزايا استخدام الإشارة في الشعرالعامي ، لقد وظفت شاعرتنا هذه الطريقة في التلميح أكثر من مرة للتعبير عن ذات الحلم،،

عواصف تلج إحساسك 

تدمرها 

تمزع كل أزهارها 

وتخرس لحن أوتارها

ولا يهمك 

ما انا فيها ...

بدفيها وعمرها 

وتبقى لك 

عشان تاني تعود ليها ...

تمارس نفس أفعالك 

………………….

كما في المقاطع الشعرية التي استحضرتها أعلاه …. يلاحظ القارئ كيف أن الشاعرة إيمان معاذ قد أجادت في استخدام الثنائيات والتضادات لابراز ما يكثف الموقف الوجداني أو الشعري والشعوري الواحد من مفارقات وثنائيات يتداخل فيها التلج بالإحساس بالتمزع والحرف والمعنى والزهرة ووترها، وأخرى تقوم بوظيفتين في آن واحد فالعواصف التي تخرس لحن الأوتار للزهرة في تلج الأحاسيس …. هي نفسها التي تدفء العمر وتبقي لها وهي التي ستتحمل لهيب البعاد ، فهذه المساحة من المكابدة تجعل من الوصول إلى اليقين تجربة غنية بالأسئلة والحوارات والاستنتاجات والصور والاستعارات والمجازات مع الذات من أجل أن تكون لغتها ساطعة، ولقد كان لاستعمال الشاعرة لغة الثنائيات والتضادات والتداخلات بينهما والمفارقات أحيانا أثرا واضحا في إبراز الظلال المحيطة بالتجربة الواحدة والكشف عما يعتمل تحت سطحها الظاهري في حركة صاخبة، وتموج روحي، وهكذا يصبح الشاعر الحديث يوما بعد آخر، جزءا من هدير خارجي واسع يتناغم مع هواجسه ونداءاته الداخلية وبهذا نختتم قراءتنا بقولنا إن إيمان معاذ شاعرة نحاته، إنها تشكل حيوية نهر الشعرالعامي في مصرنا الحبيبة ، صاحبة دهشة في توزع أبياتها في شكل إيقاعي مترابط يتوارى وراء نسق تعبيري لا يخلو من توتر ومقاطع يربط بين أبياتها التدوير في معظم الأحيان فالعبارة المدورة في قصائدها تشغل حيزا كبيرا في معظم قصائدها، وتفتح فضاءها الشعري لمسموح عذب في اللغة والمعالجة، كما أن نبرة القلق الشخصي المرتاب تتسرب إلى ثنايا النص، وهي قوام كل أفق شعري يسعى إلى أن يكون مزحوما بالدلالات والرؤى، وهي مسكونة بالثقة ومكرسة للحلم العام، لا في انكساراته بل في انتصاره النهائي، ويشكل شعرها في الغالب صورة مثيرة لليقين الراسخ عبر الذكرى أو المناجاة أو المحاكاة أو الحوار أو كل هذه المكونات مجتمعة، وقصائدها لا تنشغل بالسطح الهادئ أو اليومي للأشياء بل تتجاوزه إلى دلالته الخفية، إن وراء هذا السطح اليومي للقصيدة مغزى أو بعد في تفاصيله المألوفة، أنها تتصرف في عجينة اللغة العامية كما تشاء واللغة تنبسط بين يديها كعاشقة مستسلمة لمداعبات الحبيب، تفرغ كل خزينتها وشحناتها وانفعالاتها لتعيد تشكيلها على شكل وحي من الشعر، وأبنية واشتقاقات ولوحات ورسومات وصور وإيقاعات بحرية رحبة فإيمان معاذ في ديوانها الرابع (بدون تصريح ) وليدة تجربة سبرت الأغوار وتعمقت وأصقلت بمفرداتها ونكهتها التي تميزها عن غيرها بكل قوة ووضوح، تجعلها في مراحلها المتفردة في الشعر العامي ، فقد استطاعت أن تفتح عالما جديدا لدلالات جديدة في عالم الشعرالعامي المصري الأصيل .

بقلم : حسن غريب

شاعر روائي ناقد

______________________________________________الجرح الخفي

بقلم : حسن غريب 

كاتب روائي ناقد _

-1 –

و ليكن للقتلة رماحهم و تحديهم و للخائنين خوفهم و ندمهم ..و للراحلين ذكرياتهم ..و للعائدين تحديهم و بطولاتهم ..و للعاشقين خمرهم و سهرهم الطويل ولى و لك أنت فقط زمن الحرب و الثأر بالكلمات 

- 2 –

أهل الملمات بعينيك تمر فى دمى ..توقظ بضيائها الوهاج روحى المعتمة ..فاتحة شبابيك العزيمة و أبواب البطولة ..و باينة تماثيل مهيبة لذاتينا العظيمين ..

- 3 –

ما يكون هذا الألم الذى يسكن خاطرى ؟!!

ما تكون هذه الحرية التى تبعثر كلماتها فى فضاء سجنى ؟ ومن يكون هذا القاتل الذى عاد و بحقد قديم قتل كل من يملأون زانزانتى 

- 4 –

تسقط السماء صبيحة يوم لقائك مثقلة بورود الكون و نائمة من شدة سكرها ..و تحيى من سلم الحرية لأصحابها ..و وهب التحدى لشعبه 

- 5 –

أنت الكلمة فى فم السؤال ..و انت حروف الله ظاهرة يوم القيامة ..و أنت أحلى لدغة بعقرب روحى المرح و لأفعى بطولتى الهائمة . 

- 6 –

من القاتل ومن المقتول يا سمراء حريتى و سلاسلها و يا ثمن يجيئنى و شفاه قرمزية و يصفح عنى و انا الذى ملكت القلوب بأعظم الذنوب و أنا الذى اخترقت جدار معصيتى و رسمت كل الطقوس .

7 –

أقيمينى فأنا متداع .. مرمختنى الثورات بدمعها ..أقيمينى لأحج إليك و ادع عنك الذل و ناهماً كالعصيان و شريداً كالكفر 

- 8 –

هى ذى ساعتنا الأخيرة فتنكرى لكل جروحك ..و أعبرى زيفاً كان بين أتونات روحى المجنونة .. يذى أحلى حكاياتى و كلماتى ..تستحيل ربيعاً من الدم و ربيعاً من الحيرة فيا أغلى عاشقة كانت مزقينى الآن أو ألقينى ببحارك الصاخب .

____"_______""''''_____________

ثورة على الورق 

بقلم / حسن غريب 

-----------------------------------------------------------------------------

ترتج الصور فى الذاكرة العجولة بالنسيان ..ترتطم بهالات الفراغ .. فتصره و تنهى بقشور الصدأ على بابى الموصد ؛ و حافة سريرى المجهد ، و الساعة التى تحمل الأيام الهرمة ..تسند قبرى بعقاربها منتبهاً كل ليلة , و أنا تحتها أقع فوق سريرى ؛ أتعرق حمى و أترقرق دمعاً و ذكرى .

و الصدى يجتاح مدينتى الآثمة ..هذه المدينة التى نفتنى إليها . أصابعها السوداء .. أنفاسها العجوز ..تواريخها الممسوحة على الأرصفة المطروقة بخطى التائهين التائقين للموت ، و نخيلك الشامخ الذى يعرى الوشاة من ضحكات و تلويحات ؛أخرجوها من جيوبهم بعيداً عنها .. تمتد أصابعها ؛تلوى أعناقاً خملت وجوهاً مأمولة بغد أفضل ؛ و تحتوينى بقايا المطلة على البحر ..البحر الذى تجمع بداخلى صاخباً بصمت .قد ينتظر المد القادم لكى يثور ؛ و لكن على الورق  .