تجليات النص السردي وإشكالية اللغة في القصة القصيرة بشمال سيناء
رؤية نقدية
بقلم
حسن غريب أحمد
مقدمة
اعتنى النقد الأدبي بدراسة النصوص الأدبية والنقدية ويتأسس ذلك على معايير محددة تمكن الناقد من تحليل النص وتفسيره وتقويمه بمعنى أنه يتجاوز الذوق إلى عملية ذهنية واعية ويكشف النقد عن القيمة الفنية والمعرفية للنصوص ليلتقي بألوان المعرفة الأخرى وبهذا يسهم النقد الأدبي في تشكيل نوع من الوعي الفني والمعرفي للمبدع والناقد والمجتمع ككل وهذه الرؤية النقدية لقراءة بعض نتاج كتاب القصة القصيرة بشمال سيناء التي تبرز وتعمق النشاط الإبداعي في شمال سيناء خاصة ما أثارته القصة القصيرة من تصورات وتحليلات نقدية وذلك لتخصيص دراسة تهدف إلى مزيد من الدقة في المعالجة والتحليل من يفكر أن يتجه لكتابة القصة القصيرة مراعيا البيئة والمكان والزمان الذي يكتب حول نمطه ومشربه ورؤيته الفنية والإبداعية إذ أن هناك مجموعة من الرؤى تعاقبت على الساحة النقدية في شمال سيناء في الفترة الأخيرة خلطت في كتابتها وتشابكت بين عدم الوضوح ما بين ما يكتب قصة قصيرة وقصة قصيرة جدا , ويقسمها لعدة أجزاء مدعيا أنها رواية وهي في الأصل لا تتعدى القصص القصيرة غير المتلاحمة والمتضمنة سوى قصص قصيرة فحسب , لذا فهناك رؤية تغلب الموضوع على الذات وهناك رؤية تغلب الذات على الموضوع كما أنه هناك مجموعة من الرؤى حاولت الانفلات من الرومانسية من ناحية وسعت إلى التوفيق بين الذات والموضوع وهذه الرؤية النقدية لقراءة بعض مجموعات قصصية لبعض كتاب القصة القصيرة من شمال سيناء تبحث في الرؤى الثلاثة مجتمعة معًا
والنقد عملية وصفية تبدأ بعد عملية الإبداع مباشرة، وتستهدف قراءة الأثر الأدبي ومقاربته قصد تبيان مواطن الجودة و الرداءة. ويسمى الذي يمارس وظيفة مدارسة الإبداع ومحاكمته الناقد ؛ لأنه يكشف ما هو صحيح وأصيل في النص الأدبي ويميزه عما هو زائف ومصطنع. لكن في مرحلة ما بعد البنيوية ومع التصور السيميوطيقي وجمالية التقبل، استبعد مصطلح الناقد وصار مجرد قارئ يقارب الحقيقة النصية ويعيد إنتاج النص وبناءه من جديد. وتسمى مهمة الناقد بالنقد وغالبا ما يرتبط هذا الأخير بالوصف والتفسير والتأويل والكشف والتحليل والتقويم. أما النص الذي يتم تقويمه من قبل الناقد يسمى بالنص المنقود.
هذا، ويخضع النقد لمجموعة من الخطوات والإجراءات الضرورية التي تتجسد في: قراءة النص وملاحظته وتحليله مضمونا وشكلا ثم تقويمه إيجابا وسلبا. وفي الأخير، ترد عملية التوجيه وهي عملية أساسية في العملية النقدية لأنها تسعى إلى تأطير المبدع وتدريبه وتكوينه وتوجيهه الوجهة الصحيحة والسليمة من أجل الوصول إلى المبتغى المنشود.
وإذا كانت بعض المناهج النقدية تكتفي بعملية الوصف الظاهري الداخلي للنص كما هو شأن المنهج البنيوي اللساني والمنهج السيميوطيقي، فإن هناك مناهج تتعدى الوصف إلى التفسير والتأويل كما هو شان المنهج النفسي والبنيوية التكوينية والمنهج التأويلي (الهرمونيتيقي)
وللنقد أهمية كبيرة لأنه يوجه دفة الإبداع ويساعده على النمو والازدهار والتقدم، ويضيء السبيل للمبدعين المبتدئين والكتاب الكبار. كما يقوم النقد بوظيفة التقويم والتقييم ويميز مواطن الجمال ومواطن القبح، ويفرز الجودة من الرداءة، والطبع من التكلف والتصنيع والتصنع. ويعرف النقد أيضا الكتاب والمبدعين بآخر نظريات الإبداع والنقد ومدارسه وتصوراته الفلسفية والفنية والجمالية، ويجلي لهم طرائق التجديد و يبعدهم عن التقليد.
.-----------------------------
رؤية نقدية
حرارة الكتابة بين الشكل و المضمون
فى مجموعة ” الوجه الحسن “
للأديب القاص / محمود محمد طبل
بقلم : حسن غريب أحمد
كاتب وناقد
هذه هى باكورة الإبداع للقاص السيناوى محمود محمد طبل و هى بلا شك تستحق الوقوف عندها 00 لأن البداية تشير لما بعدها
** البيئة و المخيلة فى القصة
و مجموعة ” الوجه الحسن ” كما سنرى تنتمى للبيئة المحلية السيناوية 0 و هو نوع من الأدب تحرص عليه الأمم لأنه يسجل بطولاتها و تضحية أبنائها من اجل الأرض و المبدأ و يترك للأجيال التالية القدوة و المثل فى الكفاح من أجل القيم النبيلة 0
تضم المجموعة التى بين أيدينا – الآن خمس و عشرون قصة هــــــى : –
( الوجه الحسن – الاغتيال سرا – غادة – البداية – فتى الفتيان – الجذع الخرب – شئ من الأرض – أسياد 00 أحياء و أموات – النظرة الاخيرة – الحصاد مرتان – دفء – وصية- غفوة – نظرة واحدة تكفى – كوب شاى – الحلم الضائع – أم الغيث – دائما النتيجة تختلف – إنذار – التل الأحمر – نور فى فنجان – حروف ترتجف – الطوق – التحدى – انتصار ) 0
و فى حرص الكاتب على عدم تدوين تاريخ كتابة كل قصة 00 دليل على أنه اختار نماذج من كتاباته الأخيرة فى الثمانيات و التسعينات 00 و فيه إشارة إلى المناخ الذى كتبت فيه كل قصة 0 و الظروف التى احاطت بها 0 و هى أمور يدركها الناقد دون إفصاح الكاتب عنها 0
– و لعل الكاتب لم يختلف مع مضمون قصص هذه المجموعة 0 و لا مع قضايا بيئته التى تحيط من حوله 0 و لا مع القضايا التى أثارتها 0 و لا مع الموضوعات التى تناولتها 0
فالكاتب جاد فى أن يكون ” واقعياً ” معايشاً لقضايا الناس ، متلمساً أسباب مشكلاتهم و أحلامهم وتاريخهم و عبق ذكرياتهم ، مجسداً التناقضات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية الصارخة مبرراً تلك القوى التى تنخر فى عظام المجتمع كالسوس ، منحازاً إلى تلك القوى المطحونة التى تئن تحت وطأة ضغوط الاحتلال الإسرائيلي لسيناء رافضاً كل صور الاستغلال و القهر و السلب الذى يستند إلى أسس غير إنسانية و غيروطنية وغير أخلاقية 0
لسنا – إذن – أمام كاتب رومانسى حالم يتناول مسائل الحب ، و الموضوعات الخاصة بالقلب و المحبين العاشقين 0 كما إننا لسنا إزاء كاتب يكتب للتسلية و الترفيه و دغدغة المشاعر و تملق الغرائز 0 ومن ثم فإننا لن نظفر لديه بشخصيات تنتمى إلى الطبقة الأرستقراطية أو البورجوازية الجديدة أو ما لف لفهمها و لكنا سوف نعيش مع الأب الذى أحتضن وديعته يقبلها و يودعها و هو يئن و يتألم ( الوجه الحسن ) و الرجل الهرم الذى يريد أن ينتصر على هرمه و طفولته فى مبارزة واحدة ( الاغتيال سراً ) و الفتاة التى لمحتها العيون الصابحة فتعثرت على الطريق و هى تغازل الدنيا بأسرها ( غادة ) ، و الأستاذ الذى يضع نفسه على كرسى معدنى مبطن بالإسفنج و الجلد الأسود ليفتح الأحرف الهجائية باللغة الإنجليزية التى يتذكرها ليقرأ الدرس الأخير و ينطلق ( البداية ) ،أو الفتوة الذى جاوز عمره الآن ستين و تخرج فى الكلية الحربية ، و أصبح جندياً يشار إليه بالبنان الذى عانى الانكسار ( فتى الفتيان ) أو الذى يربت على ظهرها ، يذكرها بحديث جدته له صغيراً عن قصة قديمة لأم و أبناء و أب فاجر كـ ( الجذع الخرب ) 0
** اللقطة المفردة
إن الشخصيات التى انتقاها الكاتب و المواقف التى اختارها تؤكد – جميعاً أنه كان كاتب يعيش واقعه الاجتماعى و الإنساني ، و يعرف دوره جيداً و ليس على مستوى البيئة السيناوية فحسب ، و لكن على مستوى المجتمع المصرى كله 0
ذلك أنه واحد من أبناء شمال سيناء الذين يجتهدون فى أن يكون لهم دور فى حركة الأدب و الفن فى مجتمعنا 0
ومن ثم فإنا نلاحظ أن ظل شمال سيناء و عبقها متواجد فى هذه المجموعة القصصية و بكثرة اللهم إلا ذكر أسماء بعض الأماكن غير المحددة فى قصة أو قصتين 0
كما أن قصة ( أسياد – أحياء و أموات ) تدور فى مدينة العريش و تبرز مقاومة أبناء البلدة ضد الصهاينة المحتلين فهى ظواهر لا تنفى أنه يكتب عن قضايا سياسية و إنسانية و اجتماعية تهم الإنسان السيناوى و المصرى المأزوم ، المطحون ، فى مختلف المواقع و الأقاليم و فى المستوى الاجتماعى الذى طال حرمانه ، و ما يزال يطحن فى كل لحظة و فى كل حين 0
و فى معظم القصص التى تضمها هذه المجموعة نجد الكاتب حريصاً على تجسيد مواجهة من نوع ما ، بين من ينتمون إلى الفئات الدنيا ، و أولئك الذين تسببوا مصرع حلمهم أو حرمانهم أو فى ظلمهم ، و لإبراز نوع العلاقة بين الطبقات الاجتماعية ، و القيم الأخلاقية التى أصبحت سائدة و السر الكامن وراء انتشار التفسخ الاجتماعى و الانهيار الأخلاقي و عدم التماسك بين عناصر البنية الاجتماعية 0
و أحيانا تكون هذه المواجهة بين من ينتمون إلى فئة واحدة مستغلة ( النظرة الأخيرة ) عندئذ يكون الصراع متكافئاً ، و تكون النتيجة مدمرة للجميع 0
و لعل هذا هو الذى يقصده الكاتب فى حين أن الصراع فى ( الحصاد مرتان ) و ( دفء ) و ( وصية ) بين قوتين غير متكافئتين ، لذا فإن النتيجة النهائية تأتى فى صالح الأقوى مادياً ووظيفياً و اجتماعياً ففى ( الحصاد مرتان ) يدور الصراع بين الذين ينتظرون حلم المولود و السباطة التى تهوى من على النخلة بدءا من حامد ، انتهاء بامينة و بين ( الشمس ) بالهيشة التى تحجبها و السماء التى تحملق تارة فيها و تارة أخرى فى زوجها المعلق فوق النخلة ما بين السماء و الأرض 0
الشخصية الواحدة للقصة
أنهما يعيشان واقعاً قاسياً و يسكنان فى كوخ من الصاج يضم الزوجة و الأولاد و حلمهما لا يشى بتطلعات أكثر من حلمهما بأن تستمر الشمس مشرقة حتى يأتيها المخاض و تهوى السباطة من أعلى النخلة و حتى يجلسان أمام الكوخ حيث يكون الدفء و الحنان ، و القصة قمة فى السخرية المرة من التناقضات الصارخة فى المجتمع 0
البسطاء يحلمون أحلاماً متواضعة لا إسراف و لا مغالاة فيها 00 لا شئ إلا لأنهم أخذوا على عاتقهم إنها لن تتحقق ، أو ما قد يجعلوا تحقيق الحلم – فى الحصاد – منه سندا لحيطان أكواخهم المتهدمة – فى حين أن حلم حامد هو قطع سباط النخيل أما أمينة فى لحظة المخاض و الولادة من عناء و تعب شديد 0
من يستطيع أن يعرف صبابة الكائنات تحت ضجيج هذا الزمان 00 زمان الوثوقية و الطمس و الاستعارة ؟ تلك مغامرة أباحت ( محمود محمد طبل ) لأنامله الورعة إدمان محاولة الوصول إليها بأدوات الحلم و المخيلة ، فسار وحيداً يلعب فى أوتار أعصابه الطنين ، تقدم حمل خطوة الريح و جذوة الاشتعال ، و طأ يابس مشحوذ بأصداف الغرابة ، وجهته السؤال و جمرة الشك 0 هو الحلم أداته و طريقة ، يمشى و لا يتوقف ، فلربما تخايل نصاً قادرا على لذة الانكشاف و رجفة العناصر نص يشف عن الهمهمات البدائية الساكنة فى قلب الضجيج 0
و لكن ، كيف يجرؤ أن يشهق فى بهاء الكون و عكارته 0 أن يحدق فى كلمات لا تشبه الكلمات له المحور النسيان و النقصان 0
إن ” الوجه الحسن ” هو مقتل هذا الكون هو مولده و سر ضعفه ” الماء غطى الوتد الموثوق 00 من إليه قاربها الحبل البرتقالى اللون “
أهمية البداية و النهاية فى القصة
و هكذا تستهويه مساءلة الواقع ، و إغواء المستتر ، و الخروج من بصمة الترادف إلى احتراب الأضاد 0
كأن الكتابة عنده سكة سفر ، ينتقل فيها من المعلوم إلى المجهول و يخترق عبرها البرانى ليطالع الغامض ثم يقبض على تلابيب الغامض ليكتشف اللغز 0
إنه مشروع تحرر ضد الخطاب العام ضد كافة أقمطة التعبير عن ضجيج زمانه و أوجه كائناته و بيئته ، فعلى أى نحو أمكنه أن يترجم هذا الهديل الجسدى المتناقض ؟
الأبواب متعددة و الفضاء واحد ، ذلك أن صاحب هذه المجموعة قد أعتمد نصاً واحدا مفتوحا تتشعب فيه الحالات و تتوحد عبره المواجيد ، فالقصص تتتابع متمايزة و متعاشقة فى الآن 0
نهاية الواحدة منها هو بداية التى تتلوها ، يساعفه استخدامه للجمل الموصولة فى مطالع بعض قصصه مما يجعل من النص امتدادا و مواصلة لقص لا تدرى متى بدأ 0 و لا نعرف أيان ينتهى ” مفردة جديدة و قلوب حائرة ، ترنيمة سادت منذ القدم ، جاوزت حد المألوف “
” انتهت سميرة من عمل المنزل ، يمثل لها الشغل الشاغل و الإتاوة اليومية لحياتها اليومية بحرارتها و بردها “
” جابت بناظريها عمرها البعيد و القريب 00 ووقفت على أعتاب حاضرها تنظر مستقبلها القريب تحاصر بعض مشاهد من طفولتها الناعمة “
” ضحكة عارمة من جوف عميق ، تسربت بكاملها خارج حدود الغرفة ، تلتقى بالأبواب فتخترقها “
الملاحظة بين الإيجاب و السلب
على أن التماس بين القصص و الاتساق المطرد فيما بينها ، يتجليان بالأوضح فى تجاوز التخوم على مستوى الوقائع و الشخوص ، و فى وحدة السيماء النفسية للراوى و فى المسار المشترك لبنية القصصية ووسائط التعبير كذلك 0 فأطواء المجموعة تستوطنها دلالة محددة تختلج عبر سطورها ، و تتبدى فى استجواب الواقع و النبش فى دماغه ، و الشك الدائم فى الأجوبة التى لم تعد تشبع سوى الرغبة بالاحتماء و التحصن خلف أسئلة جديدة 0
لقد شب جيل هذا القاص على صقيع انكسار أسهم فى تعميق إحساسه بالوحدة و الخيبة و دفعه أن يوصد صدره الموغور دون قيم الآباء و مسلمات الخلائق و إيقاعاته القديمة ، فانغرس فى آفاق و تجارب تفطر بيتم الفتاه التى عرفت فى البحر و إغوائها من قبل أبيها ، و رسم له جغرافيته الإبداعية 0
ربما لهذا راح ” محمود طبل ” فى قصصه يسائل جدران المدينة ووديانها و أشجارها و الشوارع و الحلم ذاته تتخاطر مع نفسه يستميح العذر من لحظات الوجه الحسن الأخيرة يسلمها الغرابة للجذع الخرب فيستحضر الحصاد مرتان ، و جرس المدرسة الذى لا يعنيه تكراره و دوى تصادم السيارة و الشعيرات البيضاء للحية الخفيفة الناعمة 0
و رياض سيناء و روحها و الخوف بلا وجل و الشهيد الذى جاب ثراها و تراب و عرق جهده 0
اقتصاد الكلمات و بطولة القصة
أو هنالك من يحمل شجوه أو يكمل قصته المونولوج كان تكاته بين هذه الشواهد 0 هو المناجاة ، و الوتر الأثير مما جعل الذاكرة تشكل فى هذه المجموعة مجالاً متسعاً و سيناريو حيويا ليحرك سياقه ، و امتلاك الرواية لنفوذه 0
إن السرد ، و الوصف ، و الحوار و جملة الوسائط الأخرى تندغم كلها عبر المونولوج ، متحرراً من سميتريته و خيطيته ، فى عبارات قصيرة متسارعة يقف فى نصفين متوحدين بين بوح النثر و كتمان البيان ، فيكثف من خلالها علامات التنقيط مشمولة بالاستفهام عن المجرى الذى ظهر فيه ” قبضت عليه قبضا يسيرا ، استشعرت دفنا غريباً يسرى فى ذاتها ، ينفث مداده يبعثر ذكرياته لتدب فى كل أوصالها “
” طفل صغير تبارك الخالق فيما أبدع عينان سوداوان و بشرة بيضاء مشربه بحمرة ، كفان رقيقان يتضرعان ، و ثغر يبتسم الآن “
” أمسكت بتلابيب جدى أهرول و هو يخطو خطواته الوئيدة 00 متحدياً لشمس الظهيرة و رمضاء الطريق “
” دقة – واحد لكنها قوية 00 دقة عنيفة واحدة أعرف دقات ساعة الحائط و أعرف جيدا دقات جرس المدرسة و أعرف دقات ضبط الوقت “
” آه 00 و ألف آه كل هذه الخواطر مرت أمام ناظريها بمجرد أن وقفت أمام المرآة 000 دق جرس الباب “
هذا النص تكونه الكلمة المكتوبة و الكلمة المحذوفة ، و رغم ذلك يمكن للقراءة أن تصل ما بين تبعثراته ، أو ما يخيل أنه تبعثرات ، حتى مع ما يسم فقراته من نقاط مفعمة بالكتمان و البوح و هنا كذلك تشكل الذاكرة مجالاً حيوياً ليحرك الشخوص 00 فيحاول أن يخلع عنهم أثواب الطمس و غراء الترادف و التقارب 0
الانعكاس و دقة الملاحظة
إن القاص ( محمود طبل ) يقف بإزاء شخوصه ، يراهم فى صخبهم المستعلق ، مجبول بذاكرة الرغبة و شهوة الاقتحام 00 يمد خياشيمة ليتأملهم ، بعضهم من سكان المدينة ، ومن المثقفين 00 يسكن المواجع حناجرة و يتطاوس على رءوسه كائنات الخواء و الطموح الخصى و المصالح البائرة 0
” فرغم كل العذابات ، و رغم المسافة بين مدينة العريش فى الشرق البعيد و بين القاهرة فى الغرب القريب ، الذى كان منذ زمن من حلم أو أمل أتطلع إليه و أنا أعبث بدفاترى أو أقلب صفحات كتابى “
و آخرون تتوجعهم شوكة القلب تتعدد الشخوص بأسمائها ، لكن المنفى واحد و الطريق متفاوت ، إنهم يجهدون الخروج منه ، ينتظرون من يدلهم على ذخائر القدرة و التمكين ، منهم من فعلها فى سيناء و خط بارليف ومنهم من تعافه القرى و توسوسه الحلم على ورق و دفاتر المدرسة فى القاهرة البعيدة 0
هناك فى وادى العريش 00 فى المدرسة فى رفح 00 فى حدود سيناء 00 فى الطريق إلى القاهرة 00 لأنهم الأمكنة 00 فالأمكنة كالأحزان لا اسم لها و لا أمارة 0
هذا كاتب يجيد مخاطبة الطفل الكامن فى اللغة يعشق بلدته و يكرمها 00 يستبيحها تضاريس الجسد الأنسى : الخياشيم ، الأنوف ، الشفاه ، مقلة العين ، خصلة الشعر ، الرأس ، الوجه الحسن الضفائر ، يعرف الثمن الفادح الذى يقتضيه هذا العشق 0
يعرفه و يخافه الآن :
” أنامل صغيرة لا تتجاوز الخامسة ربما لا تقوى على كشف سرها و البوح بمكنون ذاتها “
” زائرين حتى انبلج الصبح و انفض العرس و الجسد رابض “
” طائرات قاتمة اللون اخترقت مسامعى ، احتلت جوانب فكرى عبرت بدمى و دمعى ، عضضت على لسانى ، اكتم صرختى و حزنى “
الأغرب هنا أنه يعقد صفقة شيطانه الإبداعى مع جوانب فكره و عضة لسانه يقتحم بها مفردات لحن الهارب و ثرثرة الذات مع الذات و قتامة اللون للطائرات و هدير الانفجار و كتم الصراخ و الحزن و البوح و مكنون الذات فوعيه ، ذاكرته قادرة أن تمتزج بمنطق الأشياء و غواية الحس 0
النقد و الفارق فى القصة
أسر اللذة أذن و اكتناره الشعرى ، هو الحلم الذى يسطع ضد هذا النص الأول لــ ” محمود طبل ” أنه الهامس المتأجج فى هذه التجربة الطالعة المرشحة للتجدد و التحول بعيداً عن الاستغراب فى ركام التصويرات التزينييه و إغراء الانزلاق إلى التداعى بدرجة ينوه فيها الخيط القصصى و سحر الطاقات الإيحائية الكامنة فى مباشرة الألفاظ 0
مجموعة هذا القاص فضاء للتيه و للتأمل ، للتخيل و للذكرى ، إنه يصك تشابهنا يسافح كبرياءنا يوقف صخب زماننا على قدميه ومؤخرته تتلقف مسراته و رغبائه و إحباطه القادم من جراحات الميلاد و قطع حبال السرة إلى العظام فالاغتراب 0
إن صاحبها لا يتقصد الشماته و لا السخرية عندما يتألب علينا بضدية مسنونة أمام معاينة الوجه الحسن و الأسياد فى حياتهم و موتهم الباهظ 0
نحن نعرفه و نتساءل : أليس الانتظار كالمدى ؟ أليس وجود القوة كوجود الفعل ؟
هذا سؤال الضد لا فكاك منه و لا إجابة عليه ، إنه قلقنا و قلقه ، قلق الطفل يلمح وميضاً فى السماء فيفجر أسئلة صعبة فى وجه من يحيطون به 0
اتساع الحلم القصصى
إنه يعرف ذلك ، هو على أكثر من يقين منه لكنه يلح بأسئلته و يدل ، و لا يصرح به خوف أن يعلق بشراكه ومع ذلك ، و رغمه فها هو فى هذه المجموعة يقحم نفسه و يخرج على وشم قبيلته ها هو يوشك على التورط فى مس المحظور و اتساع الحلم ليشمل الآخرين ، أنه لا يكتفى أن يشرئب برأسه منفرجاً و الجرح لم يندمل 0
لقد ضبطه العسس و هو يبوح فى إحدى قصصه بالحلم و يفك بعضا من رموزه الحرونة حين قال و بالحرف : –
” و انشد يغنى أغنيتة الوحيدة ” يا مفرقين الشموع قلبى نصيبه فين “
كأن المسألة لعب أطفال 000 عاودته أغنيته و عادوه الحنين ، ما عادت أمطار الخريف تبلل الزهر و تدب فيها الروح و ما عادت رياح الخماسين ترهب القبطان على ظهر السفينة “
استبصار الواقع فى التعبير القصصى
إن القارئ لمجموعة :” الوجه الحسن ” للأديب ” محمود طبل ” سيجد أنه يثير العديد من وجهات النظر ، و يفجر العديد من القضايا فهو يمتلك قدراً وافراً على استبصار الواقع و التعبير عن عوالم له تركيبه الخاص و عذاباته و بهجاته و بهاءاته و طموحه الإمساك بذلك العالم الغائب الحاضر 0
فاستطاع أن يأخذنا فى مساربه الخفية إلى معنى كلى ، و فلسفة شاملة ، و شعور مطلق و حلم كبير إننا نرى أن هذا الكاتب نجح فى إضافة شئ لهذا الفن الأدبى المراوغ سواء فى البناء المتميز أو فى الجانب اللغوى 0
فهو لا يتبع سياقاً زمنياً منتظماً ، و أسلوبه لا يعمد إلى السرد المباشر بل إلى ازدواجية السرد 0 لهذا استطاع و فى مجموعته القصصية ( الوجه الحسن ) الأولى 0 أن يفرض علينا لغتين مختلفتين ، و هاتان اللغتان تدلان على حقيقيتن و تصلان المرء بعالمين مختلفين هما : –
1- عالم الواقع 2- عالم الخيال
و ربما يجد القارئ نفسه فى نفس القارب الذى يطفو على سطح البحر سواء بسواء مع شخوص القصص و كأنه واحد منهم و رد فعله بالضرورة سيحدد وصول القارب إلى الشاطئ ، و لا يسعنا إلا أن نحى الكاتب ” محمود طبل “
على هذه المجموعة القصصية المتميزة
((( تمت )))
الهوامش
1- قراءة النص – بين محدودية الاستعمال و لا نهائية التأويل ( التحليل السيمائياتى للبياتى ) الدكتور / عبد الله وتاض – نوفمبر 1997 م كتاب الرياض 0
2- التيارات الأدبية فى الأدب اليابانى الحديث و المعاصر – تأليف الدكتور/ كرم خليل أغسطس 1999 م الهيئة العامة للكتاب
3- القصة و دلالتها الفكرية – تأليف حنا مينه – ديسمبر 1998 م – مؤسسة اليمامة بالسعودية 0
4- الكتابة من موقع العدم – الدكتور عبد الملك وتاض يناير 1999 م – دار الرياض للطبع و النشر 0
5- وجوه و تأملات و دراسات و نماذج تأليف : محمد الدسوقى – الهيئة العامة لقصور الثقافة 1999 م
الدلالية وانعكاسات السياق القصصي.
في مجموعة (لم يعد متاحا) للقاص زين العابدين الشريف
بقلم / حسن غريب أحمد
______________________________
امتزجت نصوص ( زين العابدين الشريف ) بهواجس السنوات الأخيرة من القرن العشرين , وتتابعت بين سطورها ضربات تتكسر شظايا فتملأ المدي آلاما وعذابا , لكنها لم تستطع أن تحجب شفاها تشق جدار الصمت بنداء الحرية والحب وآلام الرجل والمرأة بشتي دروبها.
وقد توزعت في هذه النصوص ما بين تجربة المرأة وتجاهل الحلاق والبحث عن نعيمه في الشارع القديم مع ألوان الطريق ووجوه الناس في رحلة الي التذويت الذاتي .
زين العابدين الشريف .... غدا علامة واضحة في نشاطه الصحفي وكتبه الإبداعية وبالذات في ولوجه عالم القصة القصيرة .. فإننا نجد أعماله الذي بعثر منها كثيرا من الأوراق علي الصحف والمجلات فلابد من وقفه تستحق النقد المتأمل والذي يمكن لها أن تقدم خطوطا مفيدة في مسار النوع الأدبي المتنامي وهو مجموعة ( لم يعد متاحا) القصصية التي لم يحدد لها مكان للطبع أو حتي للنشر وهذا ما أفزعني ..لم ؟
لأن زين الشريف صدر له من قبل مجموعتان قصصيتان وهي (حدث في العريش ) والصادرة عن الأهرام ومجموعة ( نباح وهمسات ) الصادرة عن فرع إقليم ثقافة شمال سيناء .
أما هذه المجموعة رغم جودة غلافها وأوراقها من الداخل إلا أنني وجدتها مجهولة مكان النشر والطبع ولا أدري لماذا أيضا لا يوجد فهرست في نهاية المجموعة ؟
المهم نعود ونلج إلي ( ما لم يعد متاحا ) فنجد مسار النوع الأدبي المتنامي وهوو كثافة اللغة التي تقابل شكلانية النص .. فثمة جوهر مشترك وتجليات أسلوبية متفاوتة كما يكون الشأن في القص المكتنز وذاك النثري وتلك الأعمال السردية النثرية حملت مجموعته ( لم يعد متاحا ) حصاد تطلعات احتشدت فيها الرؤى والأفكار متأثرة باللغة الواقعية في بنية النص ومقاطعه والميل التصويري وامتداد السطور وكلماتها , لكن هناك قصص أسست مسارا يجمع بين تراث ومثاقفة إنسانية بغية بلوغ معرفته بالنفس وطريق موصول بمستقبل آهل له (( تجربة - إمرأة مهمة - صفقة أبو عرب - الوليمة )) وسوف تتناثر في النص أصداء كثيرة وتلميحات وتنويعات علي بؤر القصص .
وتمثلت المرحلة الثانية من المجموعة في (( الحلاق - في الشارع القديم - النجار - لم يعد متاحا - المتسول )) إنها قصص تضيء وتؤكد وصول دلالات متانة اللغة والتطور الكبير بدءأ من تبلور بنية النص القصيرة والمقتصدة في كلمات سطورها وجملها , إلي بروز معالم أسلوبية سواء في المنظومية الدلالية أو الصورة أو التشكيلات الجمالية للتركيب اللغوي بما يجعلها جامعة للسمات الفنية .
وكان زين الشريف في (( الأوزة - عناق القطرات - نشوة - لقاء مع شاعر - نزوة - قبل التقاطع بكثير - البرتقال - أنت السبب يا أمي - عواطف - النسخة الوحيدة - غصة - الأرملة والحبل - أرق )) ا
في مرحلة ثالثة من مجموعته القصصية ( لم يعد متاحا ) قد مال فيها زين الشريف إلي النص الطويل في عدد مقاطعه والمركز في الدوال والجمل والموغل في دروب علا بين جوانبها ضجيج العولمة وبدا الإنسان ضائعا في التيه رغم الصور والأضواء من حوله .
من قصة (( الأوزة )) ص 31
(( تتهيأ شمس الجمعة لتغادر ظهيرتها .. تلملم شعاعها المتسلل الي قيعان الأشجار الكثيرة المتناثرة في تلك القرية الراقدة علي أطراف همومها ...))1
وفي قصته (( لقاء مع شاعر )) ص 57
(( انطلق بصري يتلمس فضاءات الشارع الذي خلا من المارة في تلك القرية الناعسة قبيل الغروب ))
لقد آثرت أن أقف مع مجموعة (( لم يعد متاحا )) القصصية ونصوصه لأنه يمثل المرحلة الثالثة من تجربة القاص زين العابدين الشريف وهو الأقرب اكتمال الأدوات مع خطاب عميق وهادئ بعيد عن الشعارات التي رافقت حماسة كتابات أدباء القصة .
ونحن نحس بتفاؤل لا يغفل عن حطام يتراكم أو تحديات لها مخالب جارحه .
ويبدو لي أن هذه الحالة المتطورة من الأداء الإبداعي للنص القصصي لا تقع في ساحة حداثه متقطعة وإنما هي تجليات تتطلب نمطا من القراءة والنقد متضافرين , وعلي الرغم من إمكانية معايشة النص المفرد في المجموعة إلا أن قراءة النص الشامل وأعني به قراءة النصوص وتفكيكها ضرورية حتي نري ونتابع رسالة المبدع سواء في هذه النظرة المتأملة والمتعمقة لوجوه التجربة متعمقة ومجتمعة , أو في إعادة اكتشاف النص المفرد عبر إضاءات دلالات النصوص التي تضمها المجموعة القصصية (( لم يعد متاحا )) وأؤكد أنني ههنا لا أقدم نصا آخر عبر النقد وإنما أسهم في القراءة الآنية أو ما أراه رؤي ثانية أبعد غورا مع متلقي من أيامنا يبذل جهدا مع متعة جمالية تمر عبر النصوص .
لعل غني عملية التلقي في (( لم يعد متاحا )) تتمثل في فجوات أو إضاءات متفرقة نلم أطرافها , وواضح ان الرغبة المشتركة بين المبدع والمتقي علي مواصلة البحث هي أساس التواصل , ونلحظ أن " زين العابدين الشريف " قدم نفسه واحدا من أبناء هذا الزمن موصولا مع ثقافته القادرة علي عبور التاريخ الي واقع لنا وكذلك هو بعض من حركة تفيد من الثقافة الإنسانية وتعي وقائع فصول القوة والتحدي , فلا رومانسية هائمة ولا أوهام الانقطاع , وقد تتابعت دوال تتموج بها النصوص , ويدرك المتلقي قربه منها ومن ثم يلمس العلاقات من حولها أو ما تستتبعه (( أصوات أبواق السيارات - القطار يسرع بهديره - أبواب الحافلات - ترجلت من سيارتي - ترك جسده المكبل - في مقعد الطائرة )) وتعبر الأسماء عن شبكة تشكل أطرافها جوانب نعايشها أو هي تواجهنا وتستنفر مواقفنا (( الهاتف - محلات الكاسيت - أبواق المساجد المجاورة - المشط - المقص - العصير )) ولا نجد تحديدا للمواقع في النصوص وإن كنا نلحظ انها من عالمنا المصري ومن ذاك الذي كان العالم الثالث بكل ما فيه من تقاطعات وإرهاصات وأحلام ترسم في فضاء قادم .
في مقطع من منص (( تجربة )) علي عدد من الدوائر الدلالية في تجاور أو صراع عبر مجموعة من الدوال - المفاتيح التي تتعدد انعكاساتها في الجمل والسياقات التي تداخلت معه في النصوص , وهذا كله يقدم وعي الكاتب وقضاياه التي شارك أصحابها مواقفهم أو قام محاورا لهم أو ناصبهم النقاش وهو في كل هذه الحالات الصوت المخترق لقراءتنا كيما تتحول الي فعل أو مشاركة وأول شفرة نففكها في محاور النص الدال (( عناق القطرات )) الذي ورد مفردا عنوانا لنص (( عناق قطرة ))
وكان جزءا من لحمة خمسة مفردات اخري " المطر - المحل - الورد - الفتاة - تعانق " سواء في مباشرة الدال أو في حضور المدلول أي لقاء مع فتاة الزهور و إعجابه بها ويظهر لنا ملغزا إذ هو مشدود لها ومبهور بمفاتنها ناسيا زوجته التي أتي خصيصا لإحضار باقة ورد لها بمناسبة عيد ميلادها وبهذا يتحول الي سخرية سوداء تتكأ الجرح وتفتش عن ذاك الذي ينبغي أن يكون مع تلك الفتاة صاحبة الزهور .
نكتشف في تجوالنا بين دوال النصوص أننا أمام مجموعة من الأقانيم التي يقوم بها جدل الحياة وتتباين مصائر البشر ومطامحهم , ومن هذه البينية التحتية تنهض لمحات من تقابلها والصراع فيها وإشراقات تزاحم العتمة وتتلون بساحاتها الوجدة .
أولا : تردد كلمة (( نوم عميق )) ست مرات
ثانيا : تردد كلمة (( متعبة )) أربع مرت
ثالثا : تردد كلمة (( سترتي )) خمس مرات
رابعا : تردد كلمة (( تساءلت - قلت - حدقت )) سبع مرات
أول انطباع يتمثل لدينا عند تأمل هذه الدوائر ومفاتيحها هو أننا نواجه كائنات مشعة لا كلمات أو حروفا مرصوفة , إن عددا من تكرار الكلمات يتولد مع حضور الدال الواحد في السياقات فيفرش مساحات واسعة تتشعب جنباتها وتغدو مهيأة لتلاحم ثري بالدوائر التي أشرنا إليها في منظومة وعي صاحب النصوص فالأض هي الوطن وهي جزء من كينونة الإنسان ولذلك تقترن بالقرية التي هي أقدم مختبر لكيمياء البقاء وتتابع الأجيال البشرية , وهي بؤرة لا معة في تقاطع خطوط البعد والسفر , وهي القرين في خصوبة مع المرأة والقرية لأنها أرض الرجال و أرض المعابد وتبزغ الشجرة علامة عالية لا يمكن ؟أن تخطئها العين وإن ابتعدت المسافت إنها منارة الأرض .
من قصة (( في الشارع القديم )) ص 19
" لم يعلم بعلاقتنا سوي تلك الشجرة النائية بالقرب من محطة الحافلة التي قضينا تحت ظلالها أجمل أوقاتنا..."
وهنا ندرك الصلة الوشيجة بالشجرة إنما لإقامة البناء الأول لصرح الحضارة
إننا ندرك أن تجربة القاص زين العابدين الشريف في مجموعته القصصية (( لم يعد متاحا )) بلغت به هذا المستوي من تشكيل نسق جمالي لغوي في الجمل واللعب بفاعلية علي تنويعاته وهو يحتاج الي دراسة نقدية تفصيلية في سياقات النصوص وطبيعة الحركة الأساسية لدي المبدع وردود الأفعال الجمالية عند المتلقي عند التواصل مع التجربة وقد جاء استخدام الأساليب السمترية علي نحو متواتر في النصوص ليضيف بعدا آخر في النسق الأسلوبي للتركيب اللغوي فقد نشطث جماليات السؤال والخطاب والنداء لتعبر عن حيوية في المواقف والزوايا التي تقف عندها النصوص , فهي قطعة من الحياة سواء كانت سيرة الماضي والتاريخ الموصول بنا أو حلما لمستقبل تصر الإرادة علي تحقيقه في فجر قادم ومن ناحية أخري تبرز الجمالية هنا في اضفاء طابع المرأة المقهورة والتي أرادت أن تعيش بعيدا عن الخطايا بعدما كانت غارقة فيها فإذا بها تجد من اتجهت إليه الا انه اراد ان يقول لها بما فعل انه لم يعد متاحا ما ترمين اليه .
ارادت النصوص ان تكسر حاجز الحيادية وتخرج الي المتلقي وتخاطبه من جهة وتشعره بالحركه مع هؤلاء الذين يراهم في جنبات الحياة .
النصوص التي تناولها الكاتب زين الشريف كلها كانت علي محك بالبيئة رغم تواجد مسميات لا تمت ببيئتنا السيناوية مثل (( القرية - الريف - بائعة الزهور )) فمثلا لا يوجد في االبيئة السيناوية المطوعة لخدمة النص الزمكانية مثل البحر والنخيل والصحراء و الجبال و المكان ذاته .
لا غرو أن في سيناء خصوصيات متباينه تماما عن أي ملتقي ومكان آخر في العالم بأثره ومازلنا ننادي استغلال بيئة سيناء وروعة صحرائها وخلابة نخيلها وصفاء بحرها ورماله الناعمة .
أما عن النسق التصويري فقد اشتمل علي صور سريعه وقصيرة للتشبيه والاستعارة أساسا مع حضور الصورة الحرة وهي التي تشكل مشهدا في زاوية تحمل دلالة متبلورة وان لم تستخدم القوالب البلاغية وارتفع هذا الاستخدام للصور الي مصاف النسق عندما تواتر في كل القصص في مجموعة (( لم يعد متاحا )) أي لم يكن ورود هذه الصورة أو تلك مصادفة أو اعتباطا فثمة قصد فني داخلي أنتج أجزاء حية ألغت السكون أو السردية وجعلت الدلالة تغادر السياق وتحدث شروخا تنفذ من خلالها انفعالات وتطورات مع هذا الوجه وتلك المرأة , وتبرهن علي أن برنامجا جماليا كان ينشط في الذات المبدعة من خلال الترابط بين الصور والحالات في الدوائر الدلالية عبر قصص مختلفة في مجموعة (( لم يعد متاحا ))
ونصوصه للقاص الجميل زين العابدين الشريف
فضاءات السخرية ومدارات الفنتازيا
فى مجموعة ( حصاد الأرغول ) القصصية
للقاص/ مصطفى إبراهيم آدم
______________________________
حسن غريب أحمد
______________________________
يعتبر الأديب مصطفى إبراهيم آدم واحداً من الأسماء الأدبية اللامعة فى سماء المشهد الثقافى السيناوى خاصة والمصرى عامة, وتجئ أهميته الثقافية والأدبية من مسائل عديدة أهمها اشتغاله بكل صنوف الكتابة الإبداعية
كالقصة والشعر والدراسة الأدبية واللغوية والمقالة والتراث الشعبى, وأخيراً وليس آخراً فن الزجل, وهو أيضاً على وشيجة بالناس وقريب من همومهم, لكونه يعمل محامياً, فعند حسن ظنى انه يتعاطى ذلك الإبداع الجميل بمزاجية عالية من حينٍ إلى آخر, ولعله يؤثر أن يترك نفسه وروحه وليس أدل على ذلك من مجموعته القصصية " المطبوعة" "حصاد الارغول" والتى سنتناولها فى هذه الدراسة.
وما يلفت الانتباه أنه على عكس ما درج عليه الكُتَّاب فى تصدير كتبهم, فإن مصطفى آدم يقدم لمجموعته بتوطئة بعنوان "الأوضة الفاضية", وهوالعنوان السابق لمجموعة"حصاد الأرغول", وهكذا يجمع مصطفى آدم بين الأمل والغد ليرسم عالماً جديداً تسوده كل القيم الإنسانية النبيلة من بساطةٍ وحب وعطاء, يتصدى لكل أشكال الزيف والتشوه الأخلاقى والاستغلال والخيانة, وما أصدق تعبيره " وما أشبه الأقفاص الصدرية بالغرف الجرداء الفارغة المحتوى", ولعل ما يزيد الطين بلة أن الفقر والمرض والجهل فى عصر تعدت فيه الحضارة العالمية حدود الاستحالة يولد الكثير من صنوف الصدمات والنوبات العصبية, وتبقى البيئة الشرقية هى المستودع الأول لهذه الشخصيات الغريبة رغم اختلاف مشاربهم وثقافاتهم" المقدمة "
السخرية
محاور كثيرة جداً وغنية يطرحها القاص مصطفى آدم فى هذه المجموعة القصصية أهمها السخرية من الواقع المعاش, والمرأة والحلم والأغنية, والشعر والشعرية والواقع البيئى, وتناغم القصصى بالشعرى, وتحتل الفنتازيا والسخرية مرتبة الصدارة فى مجموعة "حصاد الأرغول" القصصية, التى يخصصها الكاتب للقصة القصيرة, ونؤكد أنه من النادر أن يقدم قاص على تخصيص مجموعة لهذا الشكل الفنى وهى نقطة إبداعية جريئة تسجل لصالح القاص, وذلك فى تقديمه أطر فنية جديدة بشكل عام.
وفى هذه المجموعة القصصية"حصاد الأرغول" تأتى السخرية من داخل العمل وليس من خارجه...... إنها تنبع من الحدث والموقف, تجئ بسيطة كالماء..... واضحة كطلقة مسدس, لذلك فإنها تدهشنا, وتسعى لإعادة الكثير من التوازنات المفقودة داخلنا كما أنها تذكرنا بشكل أو بآخر بسخرية الكبار فى ميدان القصة القصيرة أمثال عزيز نسين ويوسف ادريس ومحمد مستجاب ومحمد الراوى وغيرهم.
تتصدر قصة"الغرفة الفارغة" قائمة السخرية بلا منازع ........ تحفر عميقاً فى الوجدان والقلب, وتفجر كثيراً من الطاقات والآلام المخبوءة فينا, بفعل مغالطات صارت سائدة, وتنذر بسحب بساط الحياة الجميل من تحت أقدامنا ولنتابع مشهد من قصة"الغرفة الفارغة":-
" ما زال خاطره مفعماً بالأسئلة , ترك لسيارته العنان, راح فى سباته المعتاد, ألصق المقعد بجسده المفعم بالوشم الجهنمى على كتفه اليسرى, هكذا أطلق كبيرهم بالحجز عليه لقب "الشخِّير" حال سماعه أولى دفقات النغم الرجَّاج الذى يتميز به فى سيمفونية المنام, طلب منه نفسين أقوى كمان وكمان, يصطدم بإشارة مرور قاتلة تبعده عن رفيقه المسجل خطر أمن عام, المسافات الضوئية تبتلع الذكريات".
وفى قصة "صراع" سخرية مريرة من الاتكالية والإهمال واللامبالاة والتخلف الفنى والثقافى....... إنها لوحة سريالية لفن من فنون الرسم المتعارف عليه عالمياً, ورغم ذلك يرى الشيخ أن لوحة الفتى هى مجرد لوحة مستهلكة وسيئة وشخابيط ابتلعتها كل المساحيق والألوان ولا يأبه إلا برائحة الكفتة والكباب.
ولكن عند كاتبنا وعالمه الساخر جداً نرى أن الكاميرا "الخفية" للقاص سوف ترصد سلوكاً آخر متغايراً جداً فى قوله" رصيف الإبداعات المتنوعة داخل إتيليه الفتى الشغوف بفنون الصراعات الجنونية لمختلف التيارات التشكيلية المتدفقة فى الفضاء, يسبح كلاهما فى دخان الكثافة السكانية المترامية الأطراف", ليثبت بقوله على لسان الفتى" لم تلد السريالية مثلى, تعال يا شيخ أرنى بضاعتك كى تشهد لى بوسام المقارنة".
وهكذا يسخر القاص من انقلاب مفاهيم الجمال فى الحياة المعاصرة, وحفاوة الناس بالأكل والشرب وملئ البطون, وينسون غذاء العقل والروح ... حتى فى عالم الرسم والفن يعنى الناس بالقبح بدلاً من لمسات الجمال.
الفنتازيا والإدهاش
تأتى أهمية مجموعة "حصاد الأرغول " من ذلك الكم الهائل من الفانتازيا التى تحفل بها قصص مصطفى إبراهيم آدم, وهذه الفانتازية ليست كمية فحسب بل هى نوعية أيضاً, ولا تأتى من خلال معطيات تجريبية غريبة, وإنما تنبع من رؤية إبداعية أصيلة عند الكاتب الذى يستفيد بوضوح من خلال خبراته المعرفية والثقافية, ومن خلال فهمه لطبيعة النص القصصى القائم على الإدهاش والمباغتة, ولا سيما فى نهاية قصصه التى تأتى على غير العادة وعكس ما هو منتظر و متوقع.
إن القفلة القصصية بقدر ما تحمله من تفجير فى اللغة والحدث, فإنها فى الوقت التي تغلق فيه القصة بقدر ما تفتح أمام القارئ والمتلقى عوالم مدهشة من التساؤلات والاحتمالات, وهنا ينتهى دور الكاتب ليبدأ دور المتلقى فى البحث والمعرفة فيما وراء السطور والكلمات, وبهذا الشكل يساهم الكاتب مصطفى آدم والمتلقى معاً فى صياغة المعرفى والجمالى فى فن القصص من جديد, وتتجلى الفانتازيا فى أبهر صورها فى قصة "الدوران" وهو رمز شفاف وموظف خير توظيف, يلقى علينا بظلاله الدلالية, ليفتح أمام القارئ عالماً آخر من الأسئلة والتداعيات المعرفية " هدأ السائق سرعته قائلاً :- دقيقة حداد , استهل مع الركاب قراءة الفاتحة على ضحايا دوران الكوارث, عندما عاد الأتوبيس فى الانطلاق بسرعته المعتادة, طلبت السيدة وعيناها على الدوران المشئوم أن تنزل, أو أن يهدأ من السرعة, للمرة الثانية استجاب لها وهو يلقى على عينيها نظرة تحقيق جلية, وودع مقلتيه واسترسل فى الصمت"( من قصة الدوران).
إن لقاء شفرتى السائق بالسيدة هنا يغتال حلم الحياة الجميل, ينهيه بلحظة واحدة, وتجئ النهاية الفاجعة كابوساً ثقيلاً عصياً على الفهم والاستيعاب من خلال وداعه الصامت من مقلتيه للسيدة.
وقريباً من هذه الأجواء الانتقادية التى تمزج بين سخرية الواقع المعايش وفانتازيا الحقيقة, تجئ قصة "الفارس والضحية" لتدين نمطاً من العلاقات الشاذة القائمة على الانتهازية والنفعية وإشباع النزوات.
" أوجس فى نفسه خيفة, يحسبها فى سريرته فخاً منصوب له بإحكام, شاركت القتيلة فى حياكته, مع تقلب الفصول الأربعة صرخ بأعلى الأصوات, لم يعد عندى شيئاً أخفيه من الأسرار, لا أريدك, لا أريدك, سأنتقم منك لا محالة"( من قصة الفارس والضحية).
وفى قصة "العدوانى" تلعب الفانتازيا لعبتها فى القفلة القصصية التى تأتى على عكس ما هو متوقع, وتفتح أمام القارئ عوالم من الدهشة والتساؤل حول واقع السرقات الأدبية والثقافية, وأسباب تفشيها حولنا, ومصيرها فى عالم باتت تحكمه المصالح المادية, ويهدد ذلك بتدمير كل ما هو جمالى وأساسى فى حياتنا ........ من سرقة للفكر والعقل والقلم.
" يقفز مع المذيع فى القراءة, يعكف جاهداً على تحضير رسالة الماجستير المقتبسة من التراث الشعبى عن مدى تأثير الأحلام فى نفوس الناس البسطاء, تتغلغل الرؤى فى نخاع سلوكياتهم, لدرجة الخوف حتى الموت من تفسير مشاهد الضحك والرقص وأعراس الفرح مع المرأة المجهولة, فى أحلام المنام, عدد الأشياء الخطرة على سبيل المثال لا الحصر:- النحل - الديك – الإبريق – البحر- السجن – القبر ....... اختتم المذيع, سعدنا أعزائى المستمعين مع قصة أديبنا الراحل ...... انسحب منصعقاً إلى الباب يجر فلول الاضطهاد المتراكم, سرقونى أولاد ال ......., قتلوا ما تبقى فى كيانى من طموحات العبير, أمطرت عيناه وابلاً أسوداً من صخور الجرانيت المشتعل" (من قصة العدوانى).
والمتميز هنا أن الفانتازيا لا تأتى من خارج العمل, ولا من خارج الواقع المعيشى, بل هى تنبع أصلاً من مفارقات جادة باتت تحكمنا, وتسلط سيوفها القاطعة على رقابنا, والقاص هنا لا يتدخل, ولكنه يكتفى بالتلميح والإشارات, وجل همه أن يضعنا أمام مفارقات على غاية من الحدة, ويترك لأخيلتنا العنان لنفكر ونتساءل, نحاور النص ونتفاعل, وبعيداً عن الشعارات والاستعراضات اللغوية المزيفة, وكل التقنيات الممجوجة والمستوردة من الغرب فى أغلب الأحيان, تجئ قصص مصطفى إبراهيم آدم بلحمها ودمها النازف والمبعثر فى كل الاتجاهات, لتضعنا فى بؤرة الحدث المتأزم حياتياً ومعرفياً, إنه السهل الممتنع, تلك المعادلة التى لا يقدر على إنجازها إلا من امتلك ناصية الموهبة الحقة, وأخلص لها كل الإخلاص.
حديث القاص مصطفى إبراهيم آدم فى هذه المجموعة القصصية عن الذكريات والطفولة, معادل موضوعى للفرار من أزمة المدينة الحديثة, بكل عقوقها وإنكارها للجميل والأصيل فى الإنسان وعبر سلسلة من الذكريات والتداعيات, ينقلنا القاص إلى عالم غنى بقيم الحب والجمال والعشق, عالم نحن فى أمس الحاجة لنتعلم منه كيفية التصدى لكل التحديات التى تعصف بنا ....... وتسعى جاهدة لتنقلنا إلى عالم التشيؤ والتقزم والاضمحلال ونسيان المكان والتاريخ.
وقصة" عصفور الريسة" بكسر الراء وفتح السين مدهشة إلى أبعد الحدود فى بساطتها, موجعة أيضاً فى تفاصيلها, وهى تتأرجح بين الأبيض والأسود, تحكى ماضٍ زاهٍ جميل, وحاضر مفعم بالإثم والفجيعة!.
" اغرورقت عيناه بالدمع الهصور, جفف جفونه بالسباحة إلى منبع البحر الكبير, ناشده متوسلاً أن يخلى بينه وبين نخيل الريسة المتناثر الجذوع, أين منك أيها الشاطئ الأسطورى؟, لم يتحد الأعداء غيرك, ما بال أشجارك وأطيارك متهالكة, متأكلة, محروقة, مفتتة؟, ماذا حل بك؟ ينعى ما تبقى منها بنخر السوس"( من قصة عصفور الريسة).
تستهوى القاص مصطفى إبراهيم آدم التفاصيل القصصية الدقيقة, فنراه يكتب ويطيل, حتى تظن أنه قد نسى نفسه وروحه والقصص القصيرة التى عقد العزم على الاشتغال بها, ولكن الحقيقة غير ذلك, فعلى الرغم من إطالته بعض الأحيان, إلا أننا فى النهاية نرى أنفسنا أمام قصة قصيرة جيدة, ورغم الإطالة فى بعض النماذج مثل:- ( الشك القاتل, العدوانى,انحراف, كل شئ على ما يرام, طائر الدوح), فإن هذه الإطالة التسجيلية لا تعيب السرد فى شئ, لأنها تعتبر من قبيل توثيق الحدث, وتأكيداً لصدق المعاناة بوضع أكبر كمٍ من الأملاح على الجرح المشتعل.
وعلى عكسها تأتى بعض القصص مضغوطة فى قالب فلاشات سريعة يكون الهدف من ورائها بث حكمة هنا أو موقف وجدانى هناك, ومن مثل ذلك القصص التالية:- (سواء السبيل, المئزر المنعش, لعم, المقبور, الغريق, شعور, طعم الحياة, الفارس والضحية, المدخنة), وقد يدهش المتلقى من الطابع الفلسفى الذى يستشفه من بين السطور.
إن مجموعة "حصاد الأرغول" القصصية للكاتب مصطفى إبراهيم آدم بعدد واحد وعشرين قصة قصيرة, تصور دون أدنى مبالغة - وبلغة متجانسة بسيطة وغير مبتذلة- البُعْد الفلسفى الراقى والامكانات الإبداعية اللامتناهية, والمخزون الثقافى الذى لا ينضب عند الكاتب, أما عن توظيف بعض من التقنيات السردية فقد جاءت متوافقة ومتسقة مع خط السرد العام, ورصد الكثير من التفاصيل التى آثرت النص, وعملت على تكثيف اللحظات المرصودة برمتها, وجعلها مشبعة شكلاً ومضموناً, كما أن الضمائر المستخدمة جاءت تارة فى كثير من قصص النص بضمير المتكلم, وأخرى بضمير الغائب, والضمير الأخير قد جاء مناسباً لطبيعة السرد, فكان الكاتب موفقاً لحد بعيد فى اختياره .... أما قصة" الغرفة الفارغة" على وجه التحديد فلم يكن سوى ضمير الغائب صالحاً لطبيعة ومستوى النص.
فى النهاية نقول أن الكاتب مصطفى إبراهيم آدم أفلح واستطاع أن يقدم لنا فى هذه المجموعة القصصية"انحراف" نصاً ثرياً من خلال تراكيب لغوية هادفة إلى إبراز مستوى التداخل بين الذات والآخر, ومن خلال توظيفه لمستويات الشعور واللاشعور فى آن واحد, وتبقى بلاغة اللغة وجزالة اللفظ عند الكاتب وسيلة أخرى فعالة لاستشفاف طبقات الوعى الفردى والجمعى معاً.