علي بانافع
هناك حقيقة لا يختلف عليها اثنان وهي أن عُقولنا قاصرة تتشكّل بطريقة لا خيار لنا فيها، يملؤها الآخرون بما يرونه هم ضرورياً وصحيحاً وعند التفكير تجده لا هو ضروري ولا هو صحيح ولا هم يحزنون، نعم عُقولنا قد تتشكل من ثقافة اجتماعية أو اقتصادية بل حتى ادارية فيها أشياء صحيحة وفيها -ايضا- كثير من الخلل والخطأ والضلال، خذ مثالاً -وهو حديث الناس- ساعة النشاط ومن وجهة نظر المجتمع بعد تطبيقه قرار غير موفق تحمس له وزير التعليم وصفق له واتهم معلمي الناس الخير بالبكائين والشكائين والمعترضين؛ وكأن التعليم عندنا ناجح ومستقر كاليابان وألمانيا وفنلندا وكوريا، وليس عندنا من مشكلة في التعليم إلا النشاط وكيف نُفَعِّلُهْ؟! وهذا كذب ودجل وتغطية على الفشل؛ والذي جعل التعليم عندنا يتحدر ويتدحرج؟! الوضع العام في مستوى التعليم هو الذي يستحق النشاط؟! نحن نطالب بالنشاط على الوضع الشاذ في التعليم -على كل المستويات- الأمية بين الأجيال الجديدة وانحطاط الأخلاق والميوعة وانتشار السلبيات، وضعف المستوى وقلة المعلومات وعجز اللغة، فإنك تحس فعلاً بهبوط شديد في قدرتهم على الفهم أو التعبير، فكيف يمكن تفسير ظاهرة (العَيِّ) وهي العجز عن الفهم والعجز عن التعبير، مع أنه جيل لا ينقصه الذكاء بل لعله أذكى منا بحكم الظروف والتقدم التقني في وسائل المعرفة وأدوات التواصل الاجتماعي وأسباب أخرى عديدة، إلا أن واقع التعليم اليوم لا يستطيع أي كاتب سيناريست أن يكتبه أو يتخيله، فإذا أُضيف إلى المشهد ما يحصل في ساعة النشاط فقد تمت المأساة كما تخيلها كاتبوها أو أرعب ..
إن كل انحراف بالتعليم عن مساره الذي وُضع له ووجد لخدمته فهو فساد وضلال وجريمة وخيانة، فساعة النشاط أضرت بالأولويات في التعليم وبددت موارده وبعثرت ثرواته البشرية والمادية، بل أدت إلى تدني مستوى التعليم وضعف الانتاجية وهدر المصالح، وإلى التغاضي عن المخاطر التي تلحق بالطلاب في مآكلهم ومشاربهم وفي مرافقهم السكنية والصحية والتعليمية، وإلى زعزعة القيم الأخلاقية ونشر السلبية وعدم الشعور بالمسؤولية والنوايا السيئة والشعور بالظلم، مما يؤدي إلى حالات من الاحتقان والحقد والتوتر والإحباط واليأس، بل إنه يُقوِّضُ التعليم وينخر فيه، ويتناسب طرداً مع الانحرافات والمنكرات والأمراض المجتمعية، فسلامة القصد لا تضمن سلامة الفهم وهو أن يُنزَّلْ القرار تنزيل الواقع، إذن نحن بحاجة إلى إعادة تشكيل عقولنا وقراراتنا من جديد لنرى العالم كما خلقه الله لا كما تراه عقولنا التي لم نصنعها نحن إنما صنعها لنا غيرنا ..
والسؤال لمعالي وزير التعليم: هل تستطيع أن ترى صورتك في الماء وهو يغلي؟! حتماً الاجابة: (لا) كذلك لن ترى الحقيقة كما هي وأنت منفعل وغضبان فاهدأ قليلا واستعذ بالله، وتوضأ ثم استخر ثم استشر، ثم اتخذ القرار بإلغاء ساعة النشاط ..