عدت لأكون إنسانا ..

عدت لأكون إنسانا.. ليس لأني جلست تحت شجرة فارعة وسط غابة بعد أن مللت الناس وأتاني الإلهام.

عدت لأكون إنسانا.. ليس لأني حلمت بكيفية الخلاص والنجاة ورؤية الطريق وماذا أصنع وأنا في غيبوبة المنام.

عدت لأكون إنسانا.. لأنني صاحبت قوما رأوا الحياة كما ينبغى فتمثلوها في واقعهم ولم يبخلوا على الناس بأن يخبروهم بالخير الذي وجدوه، وظلوا فيه منافحين طيلة ما استطاعوا أن يتنفسوا.

عدت لأكون إنسانا .. بالقرب منك أيها الأديب جبران خليل جبران، وبصحبة سطورك وأنت تبحث عن الحرية يا بيجوفيتش، وعلى متن سفينة عبدالكريم بكار  نحو الذات، وفي عزلة واستقلالية تامة وتهكم عالي يُغرد به أوشو، وبتنظيم سلسل فلسفي بحضور فيلسوفي الذاتية محمد إقبال و كيركجورد.

عدت لأكون إنسانا ..هؤلاء وجدتهم بقربي، لم تفارقني كتبهم وإن فَعَلتُ فأفكارهم وإن فَعَلتُ فهناك نبض قلب يحن إليهم.

عدت لأكون إنسانا .. وأنا مع أمثال هؤلاء يعلمونني وكأني بهم في حديث جبران حين يقول: النفس كالزهرة تضم أوراقها أمام الظلمة، ولا تعطي أنفاسها لخيالات الليل.

عدت لأكون إنسانا .. منذ أن وقع بين يدي كتاب (تجديد الوعي) الذي أقرؤه كل عام كأول مرة وهو يصف بين سطوره الوعي بأنه نوع من الإشراق الدائم وعمله يشبه سلسلة من الومضات التي تتفاوت شدة وقوة، فهو أشبه بمرجل يغلي لا يكاد يعرف الاستقرار؛ لذلك فإن من المهم جدا المحافظة على توتره وتيقظه حتى لا يتم تغييبه أو تزييفه.

عدت لأكون إنسانا .. صدى كلمات علي عزت بيجوفيتش تتردد وكأني أعيش تلك اللحظة وأنا حامل كتابه بين يدي في الطائرة لأقرأ : كل إنسان عاقل يلتزم بالقانون ليس من الضروري أن يكون إنسانا أخلاقيا. الإستقامة الشكلية للسلوك يمكن أن تكون من خلال العادات أو الخوف، العادة ليست أخلاقية، والخوف بشكل أقل. الممارسة الواعية هي حقا أخلاقية؛ كما يجب علي أن اتخذ قرارا واعيا بأن أصلي فعلي أيضا أن اتخذ قرارا واعيا بأن أتصرف بشكل جيد وشريف.

عدت لأكون إنسانا .. فما سمعت باسم أوشو إلا وتتبعت أثره وتأثيره، وهو كالريح تستقبله الأشجار فإما أن يقتلعها من مكانها أو أن يحمل إليها اللقاح. ذات مرة أتى ليقول: عليك ألا تفعل شيئا لأنه واجب عليك، فإما أن تفعله بحب وبكل طيبة خاطر أو من الأفضل ألا تفعل. انتبه .. اجعل الحب أساسا لكل خطوات حياتك. وهكذا .. فالمسؤولية هي وليدة فعل حب فما من قوة في العالم تجبرك على فعل شيء لا ترغب القيام به.

عدت لأكون إنسانا ..حينما فهمت أنني من الداخل كون مستقل، أكد لي ذلك كيركجورد : إن وعي الذات هو المحك. وكلما ازداد الوعي ازدادت الذات، وكلما ازدادت الذات ازدادت الإرادة، وكلما ازدادت الإرادة ازداد وعي الذات بذاتها. إن الإنسان الذي لا إرادة له على الإطلاق لا ذات له أيضا.

عدت لأكون إنسانا .. حينما سطر إقبال يتحدث عن النفس:

لست آجرة لقصر غريب .... لست في وقعة الحياة غبارا

عدت لأكون إنسانا .. حينما زاحم العلم كريات دمي الحمراء والبيضاء وأزاح الأوكسجين لينبض قلبي خفقانا.

عدت لأكون إنسانا .. متأملا هذه الأسئلة لجبران خليل جبران:

هل يجيء يوم يجمع فيه الحكماء بين أحلام الشبيبة ولذة المعرفة كما يجمع العتاب القلوب المتنافرة؟ هل يأتي يوم تصبح الطبيعة معلمة ابن آدم، والإنسانية كتابه، والحياة مدرسته؟ هل يجيء ذلك اليوم؟ لا ندري، ولكننا بسيرنا الحثيث نحو الإرتقاء الروحي، وذلك الإرتقاء هو إدراك جمال الكائنات بواسطة عواطف نفوسنا واسترار السعادة بمحبتنا ذلك الجمال.