يستسلمُ الظلام لوجودي ويخسر هيبتهُ ، وتتناثر نجومي حولي وتتسابق الشمسُ مع ظلي وتجفُ أقلام الكُتاب لوصفي ..

وينتظر الجميع سطوعي !

لأنتشل غمام السواد في منتصف الليّل ..

لأُسعد كُل من احترق جوفهُ بالنار الذي تُسببه متاعب الحياة ..

ولكنني أمتنع أنّ أخرج ، وأذْعرَ من أنّ تنظرَ لي أعين البشر ، لأنّ أعينهم لا تنفعني بقدر ما تضرني ولأنني يجب أنّ ابقى مُعلقة على أرجوحتي، يجب أنّ أُلقي نظراتي ببعد أكثر ، أُريد أنّ أُشفق على المساكين وأضحكُ للأطفال وأتنفس طهر الهواء وحدي ..

أُريد أنّ امدَ يد العون دون أنّ يعلموا من أكون ..

ولكنني لا أُريد النزول على أرضهم فلقد رأيت فيها العجب !

رأيت الدماء تملؤ المكان والجُثث مُستلقية لا تُدفن ورأيتُ الظالم يُنزه والمظلوم يُقهر ، سمعت صُراخ الجوع والحرب

ولامس روحي أنني بشر ولا أستطيع مد يدي لمساعدتهم صغارًا كانوا أم كبار قتل قلبّي طفلٌ بريء يُدافع عن وطنه ولا يُنصر ، ورأيتُ أبًا يُلثم شرفهُ أمام عينه ورأيت أمًا تفقد أولادها جميعًا في يومٍ واحد وساعةٍ واحدة ولم تستطع حتى البكاء عليهم أو وداعِهم لأخر مرة !

فقد أصبحت جُثةً هي الأُخرى لكن جُثة لم تمت برصاص أو قنابل بل قتلتها الفاجعة قبل وصول بنادقهم لها ..

ورأيت عاجزًا لا يستطيع أنّ يرفع البطش عن أهلِ بيته فبكى كطفلٍ لم يتبقى له سِوى نفسه ، ورأيتُ أخًا ينزف دم قلبه على شقيق لم يتم السابعةَ من عُمره ..

وبعد هذا كُله تُريدون أنّ أتخلى عن أُرجوحتي وأهبط على هذه الأرض المؤذية القاسية ؟

لن أهبطَ حتى تقف الدماء إستنزافها وحتى يغتني الفقير ويتساوا مع الغني حتى يقوم العدل ويُسمع صوت الحق حتى يَحكم الأكثر حكمة والأقرب إلى الله ، حتى تختفي ضغائن كُل قلبٍ مُسلم حتى ينتهي البشرُ أخيرًا لأن هذا لن يحدث ، لأنّ الله وعدنا بهِ في الجنة أقربُ وأبقى .

"ابنةٌ القمر على أُرجوحةٍ بين السماءِ والأرض"

-غادة آل سليمان