يمارس الانسان في وقت فراغه الرياضة التي تناسبه، العقلية منها او البدنية واذكر ذات مرة، كنا نلعب الورق ولكن العدد الرسمي لم يكتمل فطلبنا من احد الزملاء الذي لا يجيد اللعبة ان يكمل العدد، وعندما كان يطلب منه رئيسه ورقة ما يسارع الى رمي تلك الورقة فيفوز الفريق الذي ينتمي اليه وكان فال خيرعليهم وصرنا نشركه في اللعب، فقال قولته المشهورة .
جرت العادة ان اصحاب رؤوس الاموال يسعون الى تولي مناصب في الدولة للوجاهة، فيبذلون الاموال لشراء الذمم (الاصوات)، ومن ثم عدم ترك الكراسي التي صارت ملكا لهم او التجوال بين الكراسي (الوزارات) ويتمسكون بالسلطة، بأيديهم وأرجلهم الى ان يأخذ الرب امانته.
في السابق كنا نستغرب كيف يتشبث اصحاب الكراسي بها ويظلون في السلطة قدر المستطاع، اليوم نجد ان المتسلطين الجدد يبذلون قصارى جهودهم في سبيل البقاء في السلطة، فما الذي يجعل هؤلاء يصرون على التمسك بالسلطة؟ الغالبية يحلفون لك بأغلظ الايمان انهم يريدون خدمة الشعب، لم يحققوا للشعب ايا من مطالبه، وعندما تنتهي ولايتهم ويطلب منهم الشعب الذي اوصلهم الى السلطة الاستقالة، يسعون الى التمديد بحجة استكمال المشاريع التي بدأوا بتنفيذها، وفي الحقيقة انهم يسعون الى تحقيق المزيد من المكاسب الشخصية وهدر اموال المجتمع فيزدادون ثراء، فتقول في نفسك كيف استطاع هؤلاء جمع كل هذه الاموال، اي عمل قاموا به حتى اصبحوا اصحاب ملايين؟ في حين ان المواطن العادي الذي انتخبهم يفتقر الى ابسط سبل العيش ورداءة الخدمات ان لم نقل انعدامها.
في ليبيا، النواب لم يتركوا اماكنهم رغم ان المدة القانونية لبقائهم قد انتهت وأصبحوا عبئا على الشعب، فعمدوا قسرا الى التمديد لأنفسهم، اعتمدوا كلية على الميليشيات التي انشأوها، وأوهموا الشعب بأنها قوة وطنية، وهي ليست كذلك، يدفعون لها من الخزانة العامة لتكون ذراعهم الطولى عند الحاجة وللضرب بيد من حديد اولئك الذين انتخبوهم، اداروا ظهرهم للجمهور وسمحوا له بالتظاهر السلمي ويتشدق هؤلاء بأنهم حريصون على الدولة ومؤسساتها، وبأنهم لن يسمحوا لأي كان بأن يسرق الثورة ومكتسباتها، انهم دمروا المؤسسات القائمة اما عن المكتسبات فلم تبرح جيوبهم، او حساباتهم بالخارج.
رئيس الحكومة المؤقتة السابق والذي اطيح به بعد محاولات الكر والفر بين الافرقاء غادر البلاد بعيد لحظات من قرار اقالته، الى البلاد التي اختار بنفسه وبارادته ان يكون احد رعاياها، تحدث بعدها عن الانفلات الامني وعدم استقلالية القضاء وبأنه لا يأمن محاكمة عادلة وسيطرة الميليشيات على مقاليد الامور بالبلد، وقد كان يقول عكس ذلك عندما كان بالسلطة، ويوهم سامعيه بأن ليبيا الحديثة جنة الله على الارض، وان اركان النظام السابق ستوفر لهم محاكمة عادلة ونزيهة، ناهيك عن سجون الميليشيات التي تعج بآلاف المواطنين وقد اثبت المنظمات الحقوقية مدى التعذيب الذي يتعرض له هؤلاء. فلماذا لم تطالب السلطات الليبية بجلبه للمثول امام القضاء، كما سعى هو جاهدا لجلب اركان النظام السابق؟
اما عن رئيس المؤتمر، وكيفية الاتيان به ليكون رئيسا للمؤتمر فهي مجرد عملية تغطية لأولئك المجرمين من النواب، الذين يريدون التسلط ومصادرة اراء (زملائهم بالبرلمان) ليكونوا خارج الصورة، ويفعلوا ما يشاءون، صدّق رئيس المؤتمر نفسه بأنه زعيم ليبيا، خاصة وانه انيطت به مهام السلطات التشريعية وسلطة حماية الدستور ‘الذي لم ينجز بعد’ والقائد العام للقوات المسلحة (مجرد تسمية ليس إلا)، انه مجرد اداة طيّعة في ايادي الميليشيات التي تحكم السيطرة على البلد، ولعل حادثة الشريط الاخلاقي (وبغض النظر عما اذا كانت طريقة اللغة، استجوابا ام دردشة) التي تداولتها وسائل الاعلام المختلفة خير دليل على ان هذا الشخص لا كينونة له، بل يؤمر فيطيع، لماذا كل هذا الجبن والتوسل من قبل شخص يفترض فيه ان يتمتع بكافة الصلاحيات؟ أليس حب السلطة هو الذي جعله يفعل ذلك، المثل هذا تناط المهام الجسام. كان عليه ان يستقيل فور انتهاء صلاحية المؤتمر، ولكنه كزميله رئيس الوزراء المخلوع الفار من العدالة والمتهم بالفساد، قال بأنه لن يستقيل، هل يعقل التشبث بالسلطة ان يجعل الانسان ينحط الى هذه الدرجة؟
عودة على بدء، اعتقد رئيس الوزراء المطاح به والسيد (رئيس المؤتمر رئيس الدولة القائد الاعلى للقوات المسلحة)، انهما من صنف الابطال، او هكذا خيّل اليهما، وفي الحقيقة انهما في الدرك الاسفل من التصنيف البشري، وستظل تلاحقهم لعنة الليبيين الى ابد الآبدين، ان البطولة ان تموت من الظمأ ليس البطولة ان تعب الماء.
فالكراسي والفلوس تذلّ النفوس، ويقول المثل: عز نفسك يعزها الله، ولكن هؤلاء كل همهم الشهرة حتى وان كانت سيئة.
بقلم / ميلاد عمر المزوغي