نعيب على بعض حكامنا ظلمهم و نهبهم لثروات البلاد بغير حق و تشبثهم بكرسي السلطة و مكافئة أقاربهم و من يدور في فلكهم بمزايا فوق العادة. من أين أبتلينا بهذا؟ هل تصرفات الراعي تعكس تصرفات الرعية إذ هو قبسة منهم؟ و لو أنني أوؤمن يقيناً أنه رغم أي تشابه محتمل أو علاقة مستنبطة فإن الضرر من أي حاكم سيئ أكبر بكثير من تبعيات تصرف رعيته وذلك بديهي لكبر الفرق في نسبية السلطة و المسؤلية.

الأسهل و الأشهر أن ننتقد الراعي و نظامه و قد كثُر القول في هذا و أسهب غيري في تشريحه. ولكن من أجل البحث عن حلول لهذا الحال تعالوا لندرس معاً تصرفات المواطن (من النوع الذي نريده أن ينقرض أو يصبح في الأقلية). هل رأيتم أنه يظلم الضعيف و يحقر كل من هو دونه؟ هل رأيتم مواطناً يضم قطعة أرضٍ ملك للعامة إلى داره في غفلة من الحاكم او بتواطئ من مُمثله؟ هل ترون أرباب أحزاب المعارضة يتداولون على رئاسة أحزابهم و يخوضون إنتخابات نزيهة و شفافة لاختيار الأمثل؟ أو رأيتم مديراً محلياً يترك منصبه لمن هو أفضل منه؟ هل رأيت أن كل من أوتي الفرصة يعين معارفه و أقاربه ليتلقوا خدمات بدون إحترام الطابور أو الإجراءات المعمول بها؟ و قد يقبض على ذلك مقابل!

من الصعب جداً في مجتمع مثل هذا أن تحاول أن تكون مثال الرعية و تنبذ كل هذه المظاهر الكابحة لركوب قطار الحضارة لأن الأخرين سيقضون مصالحهم و أنت تنتظر دورك ،ولأن أقرب الناس إليك سيظن أنك أبله لعدم حلبك لبقرة "البايلك" و لو حتى بأخذ قلم ملك للإدارة التي تعمل فيها أو إبرة من المستشفى الذي تحرسه. إذا كان هذا حال الرعية و هذا عموم سلوكها و قد إتفق القوم على أن إتخاذ الراعي الفاسد قدوةً هو من ضروريات الوقت المعاصر ومن "الفهلوة و القفازة" فمن أين سيخرج الحاكم العادل؟ 

نلاحظ عموماً أن أبناء جلدتنا يتصرفون بغير ماهم عليه داخل الديار عندما يكونوا ضيوفاً عند العجم من احترامٍ للقوانين و التصرف برقيٍّ لأن التبعية أسهل عندما تعم هذه التصرفات و لكن أن تكون أنت "البداية" و المجدد في بلدك فهذا صعبٌ جداً. و لكن إن أردنا أن نتشبه بهم في محامد أخلاق التحضر المدني فلا بد أن تكون منا فئة رائدة تغير نفسها و من حولها رويداً رويداً و لو عاملهم الآخرون على أنهم ظاهرة شاذة لا تمتثل أو تستفيد من حالة و ثقافة فساد الراعي و الرعية. 

تغير حال القوم من سيئٍ إلى أحسن يأتي نتيجة لتغيير كل فرد فيه لما بنفسه إلى أحسن و بالتالي سيتولى عليهم من هو عينة وسطية منهم. 

لو طلب منكم أن تعطوا مثالاً عن عدل حكام الغرب و تواضعهم لشعوبهم لأسهبتم في القول و ما كذبتم و هم قد أعطوا بذلك القدوة لحكامهم المحليين و ممثليهم في دواليب السلطة و هم قد إنتُخِبوا من بين عامة قومهم و تحلوا بأخلاقهم و تشبعوا بقيمهم الحضارية. و في المقابل عجبت لقوم يشكون ليل نهار كفاءة و نزاهة ممثليهم المحليين في السلطة ثم يعيدون إنتخابهم! ثم يواسون أنفسهم بأن في الإنتخابات تزوير!   

قال رئيس أمريكا السابق جون كينيدي "لا تسألني عن ماذا يجب أن يعطيك وطنك بل عن ماذا ستقدم أنت لبلدك" حس المواطنة الراقي يرتكز على العطاء للأمة أولاً ثم الإستفادة ثانياً. و لكن عندما ترى الرعية أن الفساد و النهب عّم يصير المرء يفكر فقط في أخذ نصيبه قبل يوم الحساب! و بعدها يتبارى هو و أصحابه في لعن الوطن و حكامه مستشهداً بمظاهر حضارة جيراننا شمال البحر و تخلّف كل من حوله باستثنائه هو و من جلس إليه يومها.