من دكتاتورية طاغية ممسكة بالحكم بالحديد والنار، ذاق العراقيون خلالها لهيب الظلم وحرارة حبال المشانق وظلمة المقابر الجماعية، الى نظام ديمقراطي تعددي فيدرالي أريد له أن يكون إنموذجا في المنطقة، في تحول سريع جعل هذه الديمقراطية عبارة عن صراع على مقاليد الحكم، من اجل الاستئثار بمغانم السلطة .

    وهكذا تشكلت أحزاب وكتل سياسية كثيرة كان لها نصيب في المشاركة في العملية السياسية، حمل بعضها عنوانا إسلاميا شيعيا أو سنيا، وبعضها كان عنوانه المدنية والطائفية والقومية، كلها شاركت في إدارة السلطة في العراق، حسب تمثيلها الانتخابي والاتفاقات السياسية التي كانت تعقدها، على الرغم من اختلافها في المنهج وفي طريقة إدارة الدولة، مما ولد مشاكل سياسية جمة، انسحبت على حساب القوانين وتجاوزت الدستور .

      فولدت صراعات سياسية محتدمة، أثرت على الشارع وجعلته يحتقن سياسيا وطائفيا، وأصاب الترهل والبيروقراطية مفاصل الدولة، وعاث فيها الفساد والمحسوبية والانتماء السياسي والطائفي، حتى أصبحت وزارات ودوائر الدولة حكرا لجهات معينة سياسية او طائفية دون غيرها، وصارت الأحزاب الحاكمة أشبه بقبائل تتصارع فيما بينها على الملك، متناسية وعودها الانتخابية ومخيبة أمل الجماهير التي اختارتها، مولدة اليأس والإحباط  من كل المكونات السياسية، ومن نظام الحكم الجديد .

     كانت نتيجة هذا الصراع تفشي الفساد المالي والإداري في مفاصل الدولة، وافتعال أزمات سياسية وطائفية ولدت الاحتقان والاحتراب، وظهور الإرهاب  الذي كاد يطيح بالعراق، مما ولد إصطفافات طائفية ودولية قسمت الشارع العراقي، وجعلت محاور الشرق والغرب تؤثر في سياساته الداخلية والخارجية، وصارت معظم الأحزاب السياسية تخوض صراعا سياسيا على الأراضي العراقية، نيابة عن المحور الذي يدعمها  دون التفكير بالواقع العراقي، فغابت مفردة الوطنية من قاموس الجميع .

     حتى صار من يسعى للم الشمل وتحقيق المصالحة بين مكونات الشعب يتهم بالخيانة، ومن يكون حريصا على وحدة الوطن يتهم بالعمالة، وتجيش الجيوش الالكترونية والإعلامية من اجل مهاجمته، والانتقاص منه وإسقاط مشروعه والسعي لإفشاله،   فالديمقراطية الجديدة كل شيء فيها مباح إلا الوطنية، رغم إنها أساس استقرار العراق، بعد ما عاناه من مشاكل وحرب ضروس مع الإرهاب تكللت بالنصر، وإنهاء لأزماته التي يحاول البعض أن يصل من خلالها الى السلطة .

    إن ما غاب سابقا هو المشاريع الوطنية، التي تراعي مصلحة العراق بالدرجة الأساس وفق القانون والدستور،دون تغليب مصلحة طائفة أو فئة على حساب الأخرى، ودون اللجوء لمحاور الدعم من الشرق أو الغرب، فما يحتاجه العراق ان يتخلص الجميع من الخطاب الطائفي والتحريضي، الذي يهدفون منه لتحقيق الأصوات الانتخابية، وان تكون الوطنية هو الشعار الذي ينطلق منه الجميع، لبناء عراق موحد بكل أطيافه ومذاهبه ودياناته .