Image title
الحياة (الاثنين ١٤٣٨/١٢/٧ الموافق ٢٠١٧/٨/٢٨)

علي بانافع

     المنشور أعلاه جزء من مقال معالي وزير التعليم الذي نُشر في جريدة الحياة يوم الاثنين الماضي، والذي أثار ضجة كبيرة وسخطاً واسعاً في وسائل التواصل الاجتماعي، والحقيقة أني لم أكن أعرفه بهذا المستوى من الفهم والإدراك، وصدق من قال: (الْمَرْء مخبوءٌ تحت لسانه فإن هو تكلم ظهر) ويحتاج الْمَرْء مِنَّا إلى صبر عظيم كي يكظم غيضه ولسانه ويحافظ على خُلقه، خاصة في أيامنا هذه التي كثر فيها القيل والقال، إننا نعيش في الزمن الصعب حتى حار الْمَرْء متى يسكت؟! ومتى يتكلم؟! فماذا عساني أن أقول لمعالي الوزير المتسم بإطلاق اللسان على عواهنه، وعدم ضبط المصطلحات والتدقيق فيها والتكلس العقلي، وحين تجتمع في الوزير تقع الكارثة ..

     الوزير الناجح والإداري الذكي ينظر بعيداً جداً، ولديه قدرة على التكيف مع إكراهات الواقع والإنحناء أمام العواصف، ولو لم يكن له من ذلك فضل سوى ذلك لكفاه فخراً وتيهاً، لقد كان العرب يتفننون في الأدب وينشؤون أبناءهم عليه، ومن فنون الأدب اختيار اللفظ المناسب حتى قالوا: (لكل مقام مقال) فيقال: للمريض معافى، وللأعمى بصير، وللأعور كريم العين ...الخ،  وقد رأى الخليفة هارون الرشيد  في بيته -ذات مرة- حزمة من الخيزران فسأل وزيره الفضل بن الربيع: ما هذه؟ فأجابه الوزير: عروق الرماح يا أمير المؤمنين، ولم يقل له إنها الخيزران؟! لأن أُمْ هارون الرشيد كان اسمها: (الخيزران) فالوزير يعرف من يُخاطِبْ فلذلك تحلى بالأدب في الإجابة، وأحد الخلفاء سأل وزيره -من باب الاختبار- ما جمع مسواك؟ فأجابه وزيره بالأدب الرفيع: ضد محاسنك يا أمير المؤمنين فلم يقل الوزير (مساويك) لأن الأدب قَوَّم لسانه وحَلَّى طباعه ..

     فإذا كان الوزير وهو من الطبقات العُليا في الدولة والمجتمع يُخاطب منسوبي وزارته من رجالات التربية والتعليم، وفيهم جمهرة من الحُفاظ والقُراءْ والمُحدثين والفقهاء والأُدباء والأكاديميين بهذا الأسلوب السخيف، فهذا يعني أنهم في نظره زبدٌّ جُفاء لأنهم عجزوا عن الصعود إلى مراقي النجاح الزائف، ولو كان فيهم خيراً لسعوا واجتهدوا ووصلوا إلى مستواه ..

     والحقيقة أن الجهل إذا اجتمع مع الكِبَرْ أنتجا فساداً في الفكر وضلالاً في العمل وأذية للخلق، فاستر جهلك، واستر تخلفك، واستر طفولتك المتوارية خلف اللحية المشعرة ظاهراً بالرشد، فكثيراً من أقوالك وأفعالك تحسب على التعليم، أَصَمُتْ كيلا تنسب إلى التعليم تخلفاً أو تكلساً فصمتكم إنجاز عظيم وخدمة للتعليم ..