خلال إحدى لقاءاتي المتعددة بمشرفي أبديت استغرابي من سهولة مناقشة رسالة دكتوراه حضرتها مؤخرًا لأحد الزملاء من جامعة مرموقة مجاورة فكان تعليقه "المهم في مرحلة الدكتوراه هو المسيرة وليس النهاية، فإذا كانت هناك مفاجآت كبيرة وقت المناقشة فهناك خطأ ما في الموضوع".. كان هذا الحوار خلال السنة قبل الأخيرة من مسيرتي في مرحلة الدكتوراه أمر بقلق شديد حيث أني لم أتقدم بمقترح الرسالة بعد .. وكلما حاولت تأطير الموضوع يأتي مشرفي بفكرة أو سؤال كلما أحاول الرد عليه يطلب مني عدم الرد والتفكير بعمق في الموضوع مما كان يزيد من حيرتي ويشعرني بعدم الاقتراب بعد من خط النهاية .. كما أنني أمضيت عدة أشهر في جولات متعددة مع مراجعي أحد أبحاثي التي تقدمت بها للنشر دون بصيص أمل في قبوله، ففي كل مرة يعود البحث محملاً بأرتال من الانتقادات التي لاتكاد تنتهي فأمكث عدة أيام ألعق جروحي قبل أن أعاود كرة المراجعة من جديد بتشجيع من مشرفي مما كان يزيد من استغرابي. لكن كلامه ذلك طمأنني وساعدني على التركيز على عملي والاستمتاع به.
أدركت لاحقًا أن مرحلة الدكتوراه هي إعداد للطالب الباحث ليقوم بإدارة ذاته ومن سيتتلمذون على يديه مستقبلاً وبالتالي فإن إدارة برنامجه تقع على عاتقه وليس على مشرفه كما قد يبدو لأول وهلة. المشرف هو مستشار فقط وليس رئيسًا تجب طاعته بل هو مشرف تجب مناقشته. أحمد الله الذي ألهمني منذ بداية البرنامج بأن آخذ بزمام الأمور بيدي وربما يكون سبب ذلك أنني درست الدكتوراه على كبر بعد أن عملت لسنوات طويلة وتدرجت في المسؤوليات قبل أن أتفرغ لمرحلة الدكتوراه وهذه في نظري إحدى أهم مميزات إكمال الدراسات العليا بعد فترات من التوقف واكتساب خبرات عملية وحياتية أكثر.
حرصت أن أكون حلقة الوصل بين أعضاء اللجنة فكنت أحضر أجندة الاجتماعات وأرسل بعد كل اجتماع خلاصة النقاط التي تم الاتفاق عليها وماسيتم عمله إلى نجتمع من جديد ومن الذي سيقوم بتلك الأعمال ( نعم لست الوحيد الذي كان عليه أن يعمل). كما بدأت في رصد كل لقاء وتاريخه سواءًا كان لقاءًا عامًا مع كل أعضاء اللجنة أو منفردًا مع أحد الأعضاء وأهم ماتم خلاله، كما كنت أدون الأحداث المهمة مثل تسليم بحث أو وصول الملحوظات عليه أو قبوله للنشر. تأثر محتوى ما أكتبه بماتعلمته خلال دراستي لمادة سلوك المنظمات والتي كان يُطلب منا خلالها كتابة مذكرة أسبوعية عما تعلمناه ومشاعرنا حياله والغرض من ذلك كان بأن القائد يجب أن يحسن التواصل مع نفسه كي يستطيع التواصل مع الآخرين . لقد ساعدني التدوين بهذا الأسلوب على ترتيب أفكاري، و التعرف أكثر على مشاعري وانفعالاتي، ومنحني كذلك مساحة للتنفيس عن الضغوط المستمرة والقلق المتنامي جراء المضي في طريق ملئ بالانعطافات والمفاجآت التي لاتكاد تنقطع مما ساعدني بفضل الله على متابعة المسيرة بوعي والاستمتاع بمراحلها وخفف من قلقي تجاه اكتمالها.. وللحديث بقية حول ذلك ..