جذوري العربية ونشأتي الاسلامية وثقافتي الانسانية وايماني بقيم التحرر ومقاومة المحتلين والظالمين ؛ تحتم علي التعاطف مع الفلسطينيين ونصرة قضيتهم , والوقوف بوجه الصهاينة المعتدين , وبغض النظر عن الاشكاليات والاحداث والمواقف العرضية التي قد تشوب علاقتي وعلاقة العراقيين الاصلاء بها وبهم .

انتابني شعور بالحزن والضيق والاسى عندما تناهى الى سمعي خبر استشهاد اسماعيل هنية  ؛ لا لأنه اسماعيل هنية فحسب بل لانه قضية وطن محتل  ومصير شعب مظلوم , ورجعت بي الذاكرة الى عام 2008 عندما التقيت بالمترجم الفلسطيني ابراهيم عودة الحلو , في مستشفى ماكس في العاصمة الهندية نيودلهي , وكان شابا وسيما مثقفا ويتحدث اللغة الانكليزية والاوردية بطلاقة , وقد هاجر من العراق الى الهند بعد سقوط النظام عام 2003 , وقد قدم طلبا للسفارة الكندية من أجل اللجوء , و كان ينتظر الموافقة على احر من الجمر , وفي احدى الليالي وبينما كنا نحتسي القهوة في احدى المقاهي العامة ؛ واثناء الحديث العام فيما بيننا , واذ بالدموع تنهمر من عيونه وتخنقه العبرة , وحاولت التخفيف عنه بشتى الطرق , والاستفسار منه عن سبب بكاءه المفاجئ , وبعد ان هدأت من روعه , وشرب كوبا من عصير الليمون , سألني قائلا : عندما تنجز عملك في الهند , لمن تعود ؟

فقلت له : ارجع الى وطني واهلي واحبابي وعملي ... الخ ؛ فرد علي قائلا : كل هذه الامور التي ذكرتها انا محروم منها , وها نحن كما ترى كالطيور المهاجرة , ننتقل من مكان الى اخر , والكل يرفضنا وينظر لنا بعين الاحتقار و الاستصغار  وفي افضل الحالات يعاملوننا من باب الرحمة والشفقة والانسانية ... ؛ فنحن مسافرون بلا وطن ولا انتماء , تتقاذفنا امواج السياسة واهواء الحكام وتقلبات الاحداث  ... الخ ؛ عندها هو سكت وانا بكيت .

مائة عام – او اقل بقليل -  من العذاب والضياع والتشرد واللجوء والمنافي والموانئ والمطارات والطرق البعيدة والمهجورة والهجرات المجهولة والتهجير القسري والقتل والاغتيالات والمطاردات , فقد ذاق الفلسطينيون الامرين , وقتلوا تحت كل حجر ومدر , ولم ينصرهم  الاشقاء الاقربون وخذلهم الاجانب البعيدون , وباعهم الحكام العرب بثمن بخس , فهانت دماءهم وحرماتهم , و دمرت قراهم واستوطن الغرباء في ديارهم  وطردوا من مدنهم , حتى الاطفال لم يسلموا من ماكنة القتل والعذاب الصهيوني , وبعد كل هذه العقود الدموية والسنوات العجاف والايام الطويلة , لا زالت فلسطين تمثل أكبر أزمة انسانية , ولا زال الفلسطينيون يتصدرون القائمة فيما يخص اللاجئين والمشردين والمهجرين  والمعذبين , وطوال هذه العقود والى هذه اللحظة , يجبر الفلسطينيون  على الفرار من منازلهم بحثًا عن الأمان والحياة في دول أخرى ؛ لتبدأ معاناة ثانية يتحولوا فيها إلى نازحين بلا وطن و مأوى ولا انتماء ولا حقوق  , بينما ينعم الصهاينة بخيرات واجواء فلسطين , وليتهم سلموا على انفسهم عندما تركوا بلادهم مجبرين , اذ طالتهم ايدي الغدر الاسرائيلية في كل مكان , حيث اغتيل غسان كنفاني في بيروت بتفجير سيارته بواسطة عبوة ناسفة من قبل جهاز الموساد الأسرائيلي في 8 يوليو 1972  ؛ وفي 16 أكتوبر 1972 - اغتيل وائل عادل زعيتر وهو موظف في السفارة الليبية وممثل منظمة التحرير الفلسطينية من قبل مسلحين عند مدخل شقته في روما ؛ وفي 8 ديسمبر 1972 - اغتيل الدكتور محمود همشري وهو ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا حيث تم قتله من خلال إخفاء قنبلة في جهاز الهاتف في باريس ؛ وفي 24 يناير 1973 - اغتيل حسين أبو الخير وهو ممثل لمنظمة فتح في قبرص من خلال زرع قنبلة في غرفته في فندق في نيقوسيا ؛ وفي 6 أبريل 1973 - اغتيل الدكتور باسل الكبيسي وهو برفسور في القانون في الجامعة الأمريكية في بيروت من قبل مسلحين في باريس ؛ وفي 11 أبريل 1973 - اغتيل زيد مقصي وهو ممثل لفتح في قبرص في غرفة في فندق في أثينا ؛ وفي 28 يونيو 1973 - اغتيل محمد بودية وهو ضابط عمليات في منظمة أيلول الأسود حيث تم قتله عن طريق لغم تحت مقعد سيارته في باريس ؛ وفي 21 يوليو 1973 - قتل أحمد بوشيقي وهو نادل بريء تم بالاشتباه به على أنه علي حسن سلامة، على يد قبل مسلح في النرويج (قضية ليلهامر) ؛ وفي 22 يناير 1979 - اغتيل علي حسن سلامة، وهو قيادي بارز في منظمة التحرير الفلسطينية ومنظمة أيلول الأسود حيث تم قتله عن طريق تفجير سيارة في بيروت ؛ وفي 23 يوليو 1982 - اغتيل فضل الضاني وهو نائب مدير مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في باريس , وفي 9 يونيو 1986 - اغتيل خالد نزال وهو الشخص الأول في الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، في أثينا في اليونان , وفي 14 شباط 1988 اغتيال قادة القطاع الغربي “محمد حسن بحيص” و“باسم سلطان” (حمدي) ومروان كيالي في قبرص , وفي 9 من تشرين الأول/أكتوبر 1981 ماجد أبو شرار مسئول الاعلام الفلسطيني الموحد وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة الحرير الفلسطينية، اغتيل في روما بعد تفجيرِ غرفته في أحد فنادق المدينة على يدِ عملاء الموساد ؛ وفي 16 أبريل 1988 - اغتيل خليل الوزير (أبو جهاد) وهو الشخص الثاني بعد ياسر عرفات بهجوم فرقة قوات خاصة إسرائيلية في تونس ؛ وفي 14 يناير 1991 – اغتيل  صلاح خلف وهايل عبد الحميد وابو محمد العمري في تونس , وفي 26 أكتوبر 1995 - اغتيل فتحي الشقاقي رئيس منظمة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين حيث تم إطلاق النار عليه وقتله أمام فندق في مالطا ؛ وفي 6 يناير 1996 - اغتيل يحيى عياش الملقب بالمهندس وهو عضو في منظمة حماس حيث تم اغتياله في قطاع غزة عن طريق تفجير جهازه الخلوي ؛ وفي 25 سبتمبر 1997 - محاولة اغتيال خالد مشعل في الأردن عبر تسميمه ؛ وفي 22 مايو2002 - محمود الطيطي زعيم كتائب شهداء الأقصى ومؤسسها في نابلس، اغتيل في نابلس , وفي 30 يوليو 2002 - مهند الطاهر قائد كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس في منطقة نابلس , وفي 26 سبتمبر 2004 - عز الدين الشيخ خليل، اغتيل في دمشق عاصمة سوريا , وفي 13 ديسمبر 2004- اغتيال إحسان شواهنة وهو قائد عسكري في منظمة حماس برصاص قوة خاصة إلى مدينة نابلس ؛ وفي 2 أغسطس 2008 اغتيل محمد سليمان وكان  مستشارًا أمنيًا للرئيس السوري بشار الأسد وأصبحَ في وقتٍ ما ضابطًا مهندسًا وقياديًا في الحرس الجمهوري السوري في الكتيبة التي كان يرأسها باسل الأسد الذي كان قريبًا منه ؛ و اغتيلَ محمّد على يدِ المخابرات الإسرائيليّة في مدينةِ طرطوس بالساحل السوري ... ؛ وفي 19 يناير 2010 اغتيلَ محمود  المبحوح في مدينة دبي بدولة الإمارات العربيّة المتحدة بعد صعقه كهربائيًا داخل غرفته ومن ثم جرى خنقه حتى لفظَ أنفاسه على يدِ «مرتزقة» يتبعون الاستخبارات الإسرائيليّة , وفي 19 مارس 2015 اغتيلَ سمير القنطار في العاصِمة السوريّة دمشق على يدِ طائرات حربيّة إسرائيليّة قصفت المبنى السكّني الذي كان يُقيم فيه القنطار حينها وآخرون ؛ وفي يوم 21 أبريل 2018 قالت الشرطة الماليزية إن مجهولَين يستقلان دراجةً نارية قد أطلقا عشر رصاصات على الأستاذ الجامعي فادي البطش في أثناء توجهه لصلاة الفجر في مسجد يقع قرب مقر سكنه في العاصمة كوالالمبور، مما أدى إلى مقتله على الفور. وقد قال قائد الشرطة الماليزية أن فادي كان مستهدفا ؛ واتهمت عائلة البطش في غزة جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) بالوقوف وراء الحادث، ونقلت وكالة رويترز عن نائب رئيس الوزراء الماليزي أن منفذَي اغتيال البطش على صلة باستخبارات أجنبية ... ؛ وهذه الاغتيالات من باب المثال وليس الحصر , وتخص الفلسطينيين الذين قتلوا في الدول الخارجية على يد الصهاينة , واما لو ذكرنا كل الشهداء وضحايا جهاز الموساد لطال بنا الامر , واحتجنا الى صفحات طويلة , واخير الشهداء المغدورين وليس اخرهم اسماعيل هنية الذي تم اغتياله في طهران 31 /7 / 2024 , فإسماعيل هنية  رحل كما رحل اجداده واسلافه واباءه في مذبحة بلدة الشيخ 1947 ؛ و مذبحة دير ياسين 1948 , ومذبحة قرية أبو شوشة 1948 , ومذبحة الطنطورة 1948 , ومذبحة قبية 1953 , ومذبحة قلقيلية 1956 , ومذبحة كفر قاسم 1956 , ومذبحة خان يونس 1956... الخ , والتحق بهذه الكوكبة من الشهداء والاحرار الذين طالتهم يد الغدر الاسرائيلية  وعمليات الاغتيال الصهيونية , فقد كتب عليهم ان يموتوا في المنافي والانفاق , وان تمطر السماء عليهم قنابل وصواريخ كالحميم الذي يشوي الجلود , وان يتخطفهم الاعداء من كل حدب وصوب .

وقد اتهم البعض ايران بالإهمال او الضعف او حتى التواطئ في عملية اغتيال اسماعيل هنية ؛ وقد مر عليكم انفا ان يد جهاز الموساد طويلة , وقد نفذ الإسرائيليون العديد من عمليات الاغتيال وفي مختلف عواصم العالم , ولم تسلم ايران من تلك العمليات الاجرامية اولا , وثانيا ما هي مصلحة ايران الداخلية او الخارجية في استشهاد ضيفها اسماعيل هنية ؟! ؛ بل العكس من ذلك ادى استشهاده الى انخفاض قيمة التومان مقابل الدولار , وتحركت بعض القوى الداخلية المعادية لبث الاشاعات والاستفادة من تداعيات الحدث , بالإضافة الى ظهور النظام الاسلامي واجهزته الامنية امام شعبه بمظهر الضعف الامني والعجز في اتخاذ التدابير الناجعة لحماية ضيوف ايران وعدم اختراق الامن الداخلي , واما على الصعيد الخارجي فلا توجد اية مصلحة لإيران و في هذا الوقت في استشهاد هنية , لان اغتياله يحمل دلالات لا تصب في صالح سمعة محور المقاومة وترسل رسالة الى الرأي العام سلبية عن ايران ؛ علما ان اسرائيل تستطيع وبكل سهولة اغتيال اسماعيل هنية في قطر او تركيا او غيرهما من الدول وخلال كل تلك السنوات , ولعل سائل يسأل : لماذا اختارت اسرائيل هذا التوقيت والمكان بالذات ؟ وللإجابة عن ذلك , نقول : ارادت اسرائيل ان تضرب اكثر من عصفور بحجر , اذ انها بعثت برسالة الى محور المقاومة وايران بالخصوص بأننا قتلنا ضيفكم وحليفكم في قعر داركم وفي وقت تنصيب الرئيس الايراني , ولكي تشوه سمعة ايران في العالم الاسلامي والعربي , اذ اتهمت وسائل الاعلام المأجورة والمرتبطة بالغرب ايران والنظام الاسلامي , وانتشرت ( بوستات ) في مواقع التواصل الاجتماعي كافة تحرض على الطائفية والفرقة من قبيل ( غدروا بالحسين سابقا والان غدروا بإسماعيل هنية ) وذلك لإضعاف جبهة المقاومة الداخلية وتشويه صورتها امام الجماهير العربية والاسلامية , وهنالك الكثير من الاسباب التي دفعت اسرائيل الى اغتيال اسماعيل هنية في طهران .