أقرر دائما ألا أكتب حين يكون الألم متمكنا منّي، لئلا أبدو مبالغة أو متطرفة في تعبيري. أقرر هكذا وأكتفي بعاداتي المبتذلة في الحزن كما يقول لي رفيقي؛ البكاء الذي صار حقًّا لا يُرى فوق ملامحي لشدة الألفة والامتزاج، أو قد أكتفي بسماع مقطوعات موسيقية متتالية لنايٍ شرقي مقطوع من غصن كسرته يد الأيام التي تأتي ولا يأتِ معها شيء. أو إلى معزوفة عود لوتر يزيد شحوب وجهي وروحي ويعرّف لي الأسى العربي من جديد كلما سمعته. أقول أقرر ألا أكتب وأفعل كل هذا تجنبا لها لأنها المشرط الذي أفتح به روحي وأحاول عبر محاولة "الحكي" أن أطيّب مكانا بالروح موجوعا. وآه.
آه وألف آه حين لا أستطيع ذلك، حين أَجِد الدمع والكتابة والرغبة في أن أطيب هاجمة عليّ كجيش وأنا أعجز عنها كمصاب في عصب قدرته، آه من محاولة تصنّعها وادّعائها على الذات أولا قبل كل أحد. يلوح لي وجه أمي حينها وأرجو أن أغيب عن الدنيا وتكون معي لتنقذني مما أشعر به وأعجز عن تطبيبه بأدواتي التي تعلمتها مع الأيام. يلوح لي وجهك يا أمي فأغصّ بوجودي كله، أقول مُحِبة ومعاتبة: لماذا أتيتِ بي طالما كنت سترحلين؟ لماذا تركتني في مواجهة صعبة مستمرة مع كل هذا الذي يدعونه "حياة".
أو أخاطبك يا رفيق، لأستجلب القوة والقدرة على القول، أُحضرك -من بلادك البعيدة- روحا وأُقعدك أمامي جبرا ومحبة، لأشكو إليك، بكتابة كتلك التي كنت تحبها وتستيقظ كل صباح من منامك تبحث عنها في بريدك، أتذكر -وأنا أحاول- بتفصيل ممل كل تعبير كنت ترسله بعد كل بريد، أحاول أن أجعل ذلك يُنطقني فلا أستطيع!
لا وجه أمي ولا ابتسامة ذلك الحبيب يجعلاني أكتب، لا تعبي يخف ولا حاجة التعبير تقلّ، لا حزن يرحل ولا القلب الثقيل كحجرة يفرغ ما به، لا الغناء ولا الموسيقى، لا القراءة ولا المسلسلات والأفلام قادرة أحيانا على تفتيت ذرة من هذا الحزن. ليس من أحد إلا الأحد. إلى الله الذي كتبها أن تكون هكذا؛ أكتب أني أقرر ألا كتابة لأنك تريد ذلك، ولا تخفيف لأنك كتبت أنت ذلك، ولا ملجأ ولا منجا إلا بك وإليك.
٢٢/أوغست/٢٠١٧. الثلاثاء. ٧:٣٥ ص.