حرية التعبير

لا شيء من أفعال الإنسان أو أوصافه يتمتع بالإطلاق، ذلك أنه لا يوجد لإنسان مطلق، وإلا استحق أن ينزل رتبة الألوهية؛ مما ينتج عنه أن حرية التعبير لا يمكن أبدا أن تكون مطلقة، حتى يجوز للإنسان أن يسترسل في ممارستها كيفما شاء وأنّى شاء. فحرية التعبير مقيّدة لا سيّما في عالم أضحى أحرص على الحقوق منه على الواجبات، وأعلَق بالحريات منه بالمسؤوليات.

فهل هناك قيود تَحُدّ من حرية التعبير كالقيود القانونية أو السياسية؟!

الحوار أفقا للفكر ص١٧٣-١٧٦

الديمقراطية

التصور الديمقراطي يأخذ بمبدأ سيادة الشعب الموافق، متجهة بالديمقراطية إلى إقامة استبداد الأغلبية، بيد أنه لو تأملنا قليلا هذا الاستبداد، لتبيّن لنا أنه متفرّع على استبداد آخر، وهو استبداد الرأي العام، والتي لا تلبث أن تولّد في أوساط المجتمع (واحدية فكرية). ثم إن الديمقراطية قد تعرّضت للبتر الأخلاقي، ويتجلى ذلك في قيامها على مبدأ التعاقد الاجتماعي؛ فنظريات العقد الاجتماعي، وإن اختلفت في مبادئها ونتائجها، فإنها، على الجملة، اتفقت على فكرة أساسية، وهي أن الإنسان لم يكن مفطورا، في الأصل، على الحياة الاجتماعية.

سؤال العمل ص١٧٧-١٧٨

الكرامة

يمكن أن نصغ التعريف الغربي بـ الكرامة على المعنى الكانطي، فنقول:

"الكرامة هي القيمة التي تورّث الشخص الإنساني الحق في التمتع بمعاملة تجعل منه غاية في ذاته، لا مجرد وسيلة لغيره"

أما بالمفهوم الإسلامي فهي:

"القيمة التي تجعل من الخَلْق الآدمي آية دالّة على الفطرة، لا مجرد ظاهرة متمتعة بالحياة".

فمفهوم "الخَلْق الآدمي" لا ترد عليه الاعتراضات على المفهوم الغربي "الشخص الإنساني" فلا يشترط العقل ولا حرية الإرادة ولا الشعور بالمسؤولية.

و"الفطرة" هي أكمل الاستعدادات القيمية التي يمكن أن يُخْلَق بها الكائن الحي، فيكون الخَلْق الآدمي قد خُلِق باستعدادات قيمية ليس لها نظير عند أي مخلوق آخر.

سؤال العمل ص٢٧٣-٢٧٤

الحداثة

لا يخفى أن التعاريف التي وُضعت لمفهوم الحداثة تعددت وتنوعت؛ فقد عرَّفها بعضهم بكونها حقبة تاريخية متواصلة ابتدأت في أقطار الغرب، ثم انتقلت آثارها إلى العالم بأسره، وعرّف بعضهم الآخر الحداثة بصفات طبعت بقوة عطاء هذه الحقبة، مع اختلافهم في التعبير عن هذه الصفات وعن أسبابها ونتائجها؛ فمن قائل إن الحداثة هي "النهوض بأسباب العقل والتقدم والتحرر" ومنهم من يقصرها على صفة واحدة، فيقول إنها "قطع الصِّلة بالتراث" أو إنها "محو القدسية من العالم" أو إنها "العقلنة" أو إنها "الديمقراطية"، والسبيل إلى هذا التشييء التي أدخلته هذه التعاريف هو التفريق بين "روح الحداثة" و "واقع الحداثة".

روح الحداثة ص٢٣-٢٤

العقل

لا يمكن أن ننكر أن هناك تأثيرا يونانيا إما عن طريق الفلاسفة أو عن طريق غيرهم، حتى غدونا نسمع في الخطاب الفقهي مثلا عبارة "هذا يصح عقلا وشرعا" وكأن الشرع لا عقل فيه، وكأن العقل لا شرع فيه، وكأننا حينما نقول: "الشرع" نكون أمام تقريرات غير معلّلة، حتى اعْتُقد أن العقل ليست فيه إلا التقريرات المدلّلة، وأن الشرع يخلو من التعليلات والأدلة.

إن هذا التقابل بين العقل والشرع غير مقبول منطقيا، ومرفوض علميا ولو عمّت به البلوى، واستمر الأخذ به إلى يومنا هذا؛ ففي المدلول اليوناني العقل هو عبارة عن ذات، بينما لا نجد له أصلا في نصّ من نصوص الإسلامية المؤسِّسة، بل هو فعل من الأفعال مثَلُه في ذلك مثل السمع، فهو واحد من الأفعال الإدراكية التي يقوم بها الإنسان في حياته.

الحوار أفقا للفكر ص٤٠-٤١

المنطق

إن المقابل العربي الأمثل للكلمة اليونانية الجامعة logos هو بالذات لفظ "البيان" ويتمثل طريقنا في ملاحظة أمرين اثنين، أحدهما دلالي، إذ استعمل في المدلولين اللذين اشتهر بهما لفظ اللوغوس وهما : العقل والقول ، فقد سمّيت العبارة المنطقية بياناً كما سمّيت العبارة اللغوية بياناً؛ والثاني تداولي، فقد كانت شهرة "البيان" في المجال التداولي الإسلامي العربي تضاهي شهرة "اللوغوس" في المجال التداولي اليوناني كما كان اقتران "البيان" بالمسألة الدينية الكلامية في المجال الإسلامي لا يقل اقتران "اللوغوس" بالمسألة الوجودية الإلهية في المجال الإغريقي.

ولذا ، لا بدع أن يحذف ابن حزم لفظ المنطق عند تعريفه لموضوع كتابه ( التقريب لحد المنطق ) وعند رده على من ينكر الاشتغال بالمنطق ، فقد اتضح أنه يُنزل تعريفه للبيان منزلة تعريف للمنطق ، ويجعل لفظ "البيان" مرادفاً للفظ "المنطق".

القول الفلسفي المفهوم والتأثيل ص ٣٠٦

تجديد المنهج في تقويم التراث ص ٣٣٣-٣٣٤

الفقه

إن الفقه بمعنى "الاختصاص في القانون الإلهي" اصطلاح فني متأخر في الثقافة الإسلامية بما يزيد عن قرن ونصف من نزول الوحي؛ أما خلال هذه الفترة المتقدمة، فقد كان لفظ "الفقه" يفيد العلم بالأمرية الإلهية، لا على اعتبار أنها قانون تنظيمي مفصَّل ومصنّع يضبط سير الحياة الدنيا في ظاهرها، وإنما على اعتبار أنها جملة الأحكام التي تُعْلَم من الأمرية الإلهية بالضرورة والتي يتعيّن على المسلم أن يعمل بها، لا في ظاهر حياته فحسب، بل أيضا في باطنها، لكي يتحقق بالأفعال والأحوال والأوصاف التي يُحصّل بها استقامته في العالم المرئي وسعادته في العالم الغيبي.

إن الفقه بمعنى "الالتزام الظاهري بالدِّين" تحريف للفظ عن موضعه؛ فقد ورد فعل: "فقه" في كتاب الله مسندا إلى القلب إسناد فعل: "عقل" إليه كما في الآية الكريمة: "لهم قلوب لا يفقهون بها"، فيكون "الفقه" في معناه الأصلي دالا على مضمون داخلي، وهو أن الفقه "علم" أو "فهم" بالقلب، فيكون المراد بالفقيه، في الأصل، هو الفقيه الذي يتوسل بالقلب في فهمه أو قل "فقيه القلب".

روح الدين ص٤١٨ و ٤٢١