كاتب المقال إطار جزائري متحصل على شهادات عليا في تسيير الاستثمار و الشوؤن المصرفية من جامعة نيويورك بخبرة ميدانية طويلة تقمص خلالها أدواراً ريادية في كبريات البنوك و صناديق الاستثمار في أمريكا و الشرق الأوسط.

خلال سنوات طويلة من العمل جبت فيها ربوع العالم و زرت أكثر من ثلث دول المعمورة المتخلفة منها، السائرة في طريق النمو اوالمتقدمة جداً، لاحظت أن الجزائر تتبوأ في جل الميادين مناصب تعكس عموماً مكانتها بين الامم. و لكن التخلف الذي تشهده و تعيشه البلاد في ما يخص الخدمات المصرفية غريب عجيب. و لا أظن أن هذا نتيجة حتمية للظروف السياسية و الاقتصادية التي عاشتها و تعيشها البلد في الخمسين السنة الاخيرة بل الأمر مقصود و ليس بالعجب! خاصة إذا علمنا أن منظومة مصرفية تُسيّر على أسس و ميكانزمات أوائل القرن الماضي هي الوصفة السحرية لخلق بيئة تسمح بحالة نهب عام و تقلص كثيراً الشفافية المطلوبة لمحاربة مظاهر الفساد.

و لكن السؤال المطروح هو كيف يتم التخطيط و خلق و المحافظة على أكثر المنظومات البنكية تخلُّفا في العالم؟ سنحاول هنا تشخيص و تلخيص المبادئ التي على أساسها بنيت و تسير المنظومة المصرفية .

أولاً يجب أن يوضع على رأس المؤسسات المالية أناس لا يمتون إلي علم البنوك بصلة و أن تكون مؤهلاتهم قليلة. لأن الإطارات المؤهلة سوف تحرص على عصرنة الخدمات و ترقيتها و بالتالي إضفاء شفافية تزعج الكثير. ثانياً من المفروض أن يتم وضع كل العراقيل في وجه أي محاولة لاستعمال التكنولوجيا الحديثة في تسيير البنوك بما في ذلك الخدمات، المراقبة و المحاسبة. فلو أن مثلا مختلف فروع البنك الواحد كانت مرتبطة ببعضها البعض و بالمكتب الرئيسي معلوماتياً لسهل تقفي آثر الأموال و القروض وأصحابها و هذا شيئ غير مرغوب فيه.

ثالثاً الحفاظ على ثقافة التعامل بالسيولة (الشكارة عامياً) و عرقلة أي محاولة لتبني منظومة الدفع الإلكتروني. هذه النقطة مهمة جداً لأن أي تعامل إلكتروني سوف يسهل تقفي آثار المال و يمكن أن يعرض أصحابه يوماً ما لسؤال "من أين لك هذا؟"

رابعاً يجب أن تسيّر البنوك كمؤسسات إدارية عمومية بعيداً عن فلسفة المؤسسات الاقتصادية المطالبة بتحسين السلع و الخدمات لجني الأرباح و تقليص المخاطر. و لذلك يشعر الجزائري عند ولوج فرع بنك في أي من ربوع الوطن بأن إحساسه يشبه تماماً المتعامل مع مصلحة الحالة المدنية أو ماشابهها وأن أي خدمة ستكون إما رديئة أو "مزيّة" مبنية على "معرفة" أو "بقشيش".

خامساً الحفاظ على الطابع العمومي للمنظومة المصرفية لأنه يكرس عقلية المال العام الذي يبقى مباحاً لأن يُستعمل كخزانة خاصة للمحظوظين متى ما شاؤوا و كيفما شاؤوا. فتصور لوأن المجال فتح للبنوك الخاصة المحترفة لتنشط بحرية تحت رقابة عادلة لأدى هذا حتماً الى تنافسية تلد منتوجات و سلع مرغوبة و تطور في القطاع يظهر عيوب البنوك العمومية و تقهقرها و الدعوة إلى التخلص منها.