العلم لدى الإنسان هو حالة استثنائية، فأصل الإنسان يولد جاهلاً فمهما وصل الإنسان لأقصى مراحل حالته الاستثنائية (العلم) فإنه يرجع إلى أصله ويضل جاهلا أضعاف أضعاف علمه.
بعث الكاتب الساخر برنارد شو رسالة إلى عالم الفيزياء ألبرت آينشتاين يدعي فيها أن العلم زاد حياتنا تعقيداً كونه يحل مشكلة ويخلق مقابلها عشرة مشاكل جديدة.. بعد أيام رد عليه آينشتاين برسالة لم ينكر فيها هذه الحقيقة ولكنه قال إن العلم بمثابة بقعة ضوء صغيرة تقع على مساحة كبيرة ولانهائية من الظلام الموجود أصلا (والظلام هنا هو كناية عن الجهل) وكلما كبرت دائرة الضوء كلما كبر محيطها ولامس قدراً أكبر من الظلمة والجهل.
وهنا أفسر زيادة العلم عند الشخص وارتفاع مستواه المعرفي بأنه كالسراج المضيء كلما زاد واعتلى ضوءه كلما تمكن الشخص من رؤية المساحة المتبقية من الظلام، وهذا ليس خللاً أو عيباً، إنما يدل على (عقول عظيمة) تدرك مساحة جهلها وتدرك صحة الظاهرة التي تقول أن (ارتفاع نسبة الجهل بارتفاع نسبة العلم) وبالتالي هم يستطيعون رفع مستواهم المعرفي والعلمي من خلال احتكاكهم بالمجهول.
إنما الخلل والعيب فيمن يتصور بأنه أدرى الناس وأعلمهم ويدافع عن (منقّحات) أفكاره وتصوراته ويرفض مايضيف لها بحجة أنه ذا خبرة وعلم وهو لايدرك محيط جهله ولم يتصور مساحة الظلام المحيط به!!
لاتعتقد بأنك استثناء كي لاتكون مغرورا، فالباحثان دايفيد داننج، وجاستن كروجر أثبتا بالأرقام والرسوم البيانية أن جميع الناس يعرفون أقل مما يعرفون فعلاً وكان معظمهم يرفض الاعتراف بهذه الحقيقة، وتذكر مقولة الإمام الشافعي التي سطرها التاريخ: كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي وإذا ما ازددت علماً زادني علما بجهلي
وأخيراً.. كونك تملك بقعة ضوء داخل محيطك، فهذا لايعني أن لاتقبل فكرة دوائر مضيئة أخرى.