فقط في غزة نرى معاني الكلمات واقعًا يُرى لا مجرد جُمل تُسمَع؛ فترى بأم عينيك معنى أن يقول الرجل: "لقمة العيش صعبة" عندما تراه يخاطر بحياته في وسط سيل من الرصاص لأجل علبة مغذيات لا تكفي فردًا واحدًا _إن وجدَت_ ليطعم بها ما لا يقل عن عشرة أفراد، وتفهم معناها عندما تراه يعود حاملًا على ظهره _المصاب كيسًا من الطحين عُجن بالدم بدلًا من الماء، وتدرك معناها أكثر عندما ترى طفلًا لا يتعدى عمره الخمسة أعوام يحمل بين يديه الهزيلتين _أثر الجوع_ إناءً فارغًا إلا من دموعه لأن طعام المساعدات _التي يتفاخر بها العرب في ما بينهم أيهم أرسل أكثر_ نفد قبل أن يُملأ وعاؤه الصغير.
فقط في غزة يجب عليك الانتظار في صف _لا ينتهي_ من السادسة صباحًا حتى الثامنة مساءً لأجل شربة ماء، والتي بالمناسبة قد لا تحصل عليها فتضطر رغمًا عنك العودة غدًا في الخامسة صباحًا حتى لا يتكرر يوم أمس، ومع الأسف يتكرر، فتدرك أنه كان عليك المبيت حاملًا إناءك حتى تجد لنفسك مكانًا في ذاك الصف الذي لا تعلم من أين يبدأ من الأساس! وفي النهاية ينتهي الصف، ليس لأن الجميع حصل على الماء، بل لأن الأواني مُلئت بالدم وصار حاملوها أشلاء...
ويبقى السؤال كم شهيدًا يجب أن يُقتل حتى تمتلئ الأواني بالطعام والشراب؟!
فقط في غزة سترى كيف تصبح الفتيات أمًا في السابعة تحمل على عاتقها بيتًا من قماش، لأن العدو أسقط كل العمدان.
سترى كيف يشيب الفتى وهو لم يتعدَ العاشرة من عمره، وكيف أصبح مسؤولًا عن عائلة يقطع لأجلها عشرات الكيلومترات من أجل الحصول على وجبة قد تكون الأخيرة قبل أن يصبحوا أجسادًا بلا أرواح...
في غزة أنت ترى المعاني ولا تسمع الكلمات، لأن الكلمات أحيانًا تعجز عن ترجمة معانٍ يشيب لها رأس الإنسان، وهنا فقط تدرك أن بعض المعاني أقوى من ألف لسان، وهذا فقط في (غزة).
لـ: آية سيد رمضان