عن أبي سعيد الخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم-يقول: " إذا رأى أحدُكُم رُؤيا يُحِبُّهَا، فإنما هي من الله تعالى، فليَحْمَد الله عليها، وَلْيُحَدِّثْ بها -وفي رواية: فلا يُحَدِّثْ بها إلا من يُحَبُّ-وإذا رأى غير ذلك مِمَّا يَكْرَه، فإنما هي من الشيطان، فَلْيَسْتَعِذْ من شَرِّهَا، ولا يَذْكُرْهَا لأحد؛ فإنها لا تضره".
متفق عليه.
وفي صحيح مسلم أنّ رجلاً قال للنبي: "رأيتُ فيما يرى النائم البارحة كأنّ عنقي ضُربت فسقط رأسي فأتبعته فأخذته ثم أعدته مكانه، فقال رسول الله: إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدِّث به الناس".
وفي صحيح مسلم عن النبي عليه السلام أنّه قال: " الرؤيا ثلاثة: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس".
الرؤيا المبشّرة:
كثيرا ما تأتي على ذهن الإنسان هجْمة من الأفكار والظنّون والأوهام عن الحياة والمستقبل والناس. سواء كانت هذه الأفكار والتخيلات صادرة من تفكيره الإرادي والشعوري، أو كانت عبارة عن أضغاث أحلام قد تأتيه في نومه. وبسبب هذه الأفكار والأحلام قد يتغير مزاج المرء ويعيش يومه أو أيامه في تعاسة وكآبة. فالقلب بحكم طبيعته المتقلِّبة قد تمسُّه سوداوية هذه الأفكار، فيكون المرء بذلك سجين لها وتتنغّص حياته بسببها، من هنا لابدّ من طريقة للتعامل مع هذه الأفكار السوداوية حتى يتم القضاء عليها أو التخفيف من أثرها السلبي في حياته.
أرأيت الفنّان عندما يختار الألوان، فهو يُراعي بعض الألوان بعينها لكي تناسب لوحته، وعندما يُبرز مشهدا في لوحته عن غيره من المشاهد، فذلك لكي يُظهر دلالات ومعاني محددة في ذهنه، كذلك بالنسبة لحياة الإنسان، إذا أراد أنْ يعيش حياة مليئة بالفرح والسرور عليه أنْ يختار أجمل الأفكار والتصورات لكي يرى العالم جذابا وسارا. فالأفكار والظنون تُشبه الالوان المختلفة في اللوحة، والإنسان هو من يحدّد المشهد الذي سوف يطغى في مرآة قلبه.
فحديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي يقول : " إذا رأى أحدُكُم رُؤيا يُحِبُّهَا، فإنما هي من الله تعالى، فليَحْمَد الله عليها، وَلْيُحَدِّثْ بها إلا من يُحَبُّ ". هذا الحديث يعلِّمُنا كيف يجب أنْ نستبشر بالرؤى المبشِّرة، بل ونحدّث أخبارها بين الصالحين من الناس كالأهل والأصدقاء، وذلك بسبب ما تثيره في القلوب من أمل واستبشار بالخير في الحياة .
أضغاث أحلام:
ويُعلمنا النبي عليه السلام أيضا كيف نتعامل مع الأحلام المزعجة، أو تلك الأضغاث التي تحتوي على تشاؤم أو تلك التي تتنبأ بمصائب ومشكلات، كحال ذلك الرجل الذي قال للنبي: "رأيتُ فيما يرى النائم البارحة كأنّ عنقي ضُربت فسقط رأسي فأتبعته فأخذته ثم أعدته مكانه. فقال رسول الله: إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدِّث به الناس" صحيح مسلم. ذلك أنّ مثل هذه الأفكار السلبية والصور المرعبة واللامعقولة هي أفكار وصور تحزن الانسان، لذلك لا بدّ من الاستعاذة من شرّها وعدم التفكير فيها من الأساس، وعد التحدث بها أمام الناس. وذلك بدليل قوله عليه السلام: "وإذا رأى غير ذلك مِمَّا يَكْرَه، فإنما هي من الشيطان، فَلْيَسْتَعِذْ من شَرِّهَا، ولا يَذْكُرْهَا لأحد؛ فإنها لا تضره».
والحق، أنّ معظم الكوابيس التي تأتي على الانسان في نومه تكون كاذبة ولا تحدُث على أرض الواقع، وذلك بتأكيد النبي عليه السلام في آخر الحديث "فإنّها لا تضرُّه" ، في المقابل نجد الرؤى التي تبشّرُنا بالخير والفرح هي وحدها التي تصدق وتتحقق بدليل مطلع حديث النبي. "الرؤيا ثلاثة: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله". أمّا باقي الرؤى الأخرى التي تمتلئ بالكوابيس وبالأحزان فليست إلا حديثا للنفس، أو تحزينا من الشيطان. "وإذا رأى غير ذلك مِمَّا يَكْرَه، فإنما هي من الشيطان، فَلْيَسْتَعِذْ من شَرِّهَا، ولا يَذْكُرْهَا لأحد؛ فإنها لا تضره"
وقد سمي القلب بالقلب وذلك بسبب كثرة تقلبه من حال إلى حال، فهو من حال الفرح إلى حال السرور، ومن حال الايمان إلى ضعف الايمان. إنّه شديد الحساسية، أيُّ شيء مهما كان تافها يمكن أنْ يؤثر فيه. لذلك فإنّ زرع الفرح الدائم فيه يقوم على اختيار أحسن الأفكار والرؤى والتصورات حتى وإنْ كانت أحلاما.
وعلى ضوء تجربتي الشخصية، وقبل اطلاعي على هذه الاحاديث النبوية في الرؤيا كنتُ أنزعج كثيرا من مضمون أحلامي وكوابيسي. فكنت أُمضي يومي في خوف وكدر وحزن وأقول: لعل شيئا سيّئا سوف يحدث لي في قادم الأيام، وهكذا كنت أعيش الكثير من التعاسة، ولكن ارتحت واطمأننت لما تيقنت أنّ ما يتحقق من الأحلام في الواقع إلا تلك الاحلام التي تبشّر الانسان بالخير.
جوهر القول:
حياتنا الواقعية مثل لوحة الرسّام، ونحن من يختار المشاهد المناسبة التي نحياها. فإذا أردنا أنْ نرسم في حياتنا فصل الربيع فيمكننا ذلك: نختار الكلمات الجميلة، والأصدقاء الرائعون، ونقرأ الأخبار والقصص المُسعدة والمفرحة، ندخل في الغير سعادة مفاجئة، نزور أقاربنا، نبتعد عن المشاحنات والمشاجرات. نطهّر قلوبنا من الحسد والكراهية والضغينة، نقوم بزيارات منتظمة للمرضي، نجعل بيننا وبين الله حبلا من الوصال لا ينقطع، نقرأ كتابه ونتدبره، نصلي ركعات صادقة في جوف الله، نهدي لأحبائنا هدايا... إلخ. فإرادتنا هي ريشه ترسم المشهد ومشاعر قلوبنا تتلون بها..