يقول طه عبدالرحمن في كتاب حوارات من أجل المستقبل :
"لا يبغض بعض الإسلاميين شيئاً مقدار ما يبغضون التصوّف وأهله ، حتى إن بعضهم لو خيّر بين أن يصحب صوفيّاً أو منافقاً ، لاختار مصاحبة المنافق ، لاعتقاده أنه أهدى من الصوفيّ سبيلاً ، وفي هذا غلواء ، أما أنا ، فلا أرى في التديّن إلا تصوّفا ، لأن التدين عندي أصلاً وأصالةً عبارة عن تخلّق ، والتصوّف إنما هو اسم اختصّ بالدلالة على طلب كمال التخلّق ، ومدلول التخلّق ، كما أرى ، ليس منحصراً في الإتيان بأفعال كمالية محدودة في مظاهرها وآثارها ، وإنما هو شامل لكل الأفعال الإنسانية ، حتى العضوية منها والمادية كالأكل والشرب والنوم ، فما بالك بالأفعال المعنوية كالشعور والإدراك والمعرفة ، ومن ثمة ، بطل عندي الاعتقاد الموروث عن اليونان أن العقل هو الوصف المميّز للإنسان ، وصح القول بأن الخُلُق هو الذي يميّز الإنسان عن غيره ، وبأن الفعل العقلي إنما هو فعل خُلُقي ، بدليل أن هذا الفعل العقلي لا يُنسب إلى الإنسان إلا بشرط حصول استحسانه متى انتفعنا به أو حصول استقباحه متى تضررنا منه ، والاستحسان والاستقباح فعلان خُلُقيّان ، لذلك ، ليس السؤال الفلسفي الأول ، كما ظن المتقدمون هو : " ما الوجود ؟ ولا ، كما ظن المتأخرون ، هو " من أنا ؟" ، وإنما " كيف أكون على خُلُق ؟" أو إن شئت قلت : " كيف أكون إنساناً؟" فالأخلاقية والإنسانية في نظري اسمان لمسمى واحد . "
كان الفيلسوف "إيمانويل كانت" (1724 ـ 1804) أول من قدَّم صياغةً فلسفية معمقة هامّة للدين. إذ "كان يشعر أنّ الثقافة الغربية تعاني من آلام محنة، تتصل باعتقادها التقليدي في الله، وأنّ حلاً فلسفياً وسيطاً صادقاً قد أصبح ضرورة ملحّة". ففي كتابه "نقد العقل المحض" اقترح نظرية في المعرفة لا تقوم على أساس ميتافيزيقي، وناقش كافة البراهين الميتافيزيقية على وجود الله. وفنّد اللاهوتَ الطبيعي الذي كان سائداً في عصره. وشدّد على عدم إمكان معرفة الله نظرياً. لكنه دافع عن الأساس الأخلاقي للدين والاعتقاد بالله، في كتابيه: "نقد العقل العملي"، و"الدين في حدود مجرد العقل". وحين نفى "كانت" الاعتقادَ النظري بالله، رأى الاعتقادَ الأخلاقي راسخاً لا يتزعزع. فإنّ: "مفهوم الله لا ينتمي أصلاً إلى الفيزياء، أو الى العقل النظري، بل إلى الأخلاق" الإيمان عند "كانت" يتأسس على الأخلاق، التي يحكم بها العقلُ العملي؛ بمعنى "أنّ الأخلاق إنّما تقود على نحو لا بدّ منه إلى الدين. الأخلاق مؤسسة على مفهوم الإنسان، الأخلاق لا تحتاج أبداً فيما يتعلق بذاتها إلى الدين، بل بفضل العقل المحض العملي، هي مكتفية بذاتها" الإنسان لا يتحلى بالأخلاق لأنّه متدين، وإنّما يتدين لأنّه أخلاقي.
مقالة عبدالجبار الرفاعي ، فلسفة الدين