الكاتب/مصعب محجوب الماجدي (السودان).

 حناجر ملؤها التكبير، وصدور ترعد كالهدير، وجمعٌ من المقدسيين غفير، ومابين نشوة الفرح ونيران الغضب وزهو الظفر ومكابدة الحرمان يؤدون صلاة فجر الخميس بأحاسيسٍ مرَج فيها البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لايبغيان، فما بين فرحة اللُّقيا بتقبيل التراب، وعبرة الحسرة على الفراق تدفقت آهات الألم المرير الذي يعتصر قلوب هؤلاء القوم الذين يذودون عن بيت المقدس وأكنافه ولا يضرهم خذلان من خذلهم، وما اقسى التخاذل وظلم أولي القربي من جيرانهم العرب وإخوانهم المسلمين، وهم مظلومون ولم يجدوا من يواسيهم من حكامنا، بل وقد ضنَّ عليهم البعض حتى بالمواساة المعنوية والتضامن الشفاهي!

  لقد لقنوا الإحتلال درساً بليغاً وهم يقولون له "لا" ويرفضون دخول المسجد الأقصى عبر البوابات الإلكترونية التي فضحت خوف اليهود حتى من مواطن أعزل يروح ويغدو لأداء الصلاة، ولسان حاله يقول: بروحي أفتدي ودمي رحاب المسجد الأقصى، ألا لا عشت إن لم أطرد المستعمر اللِّصا. 

  هل روعتهم عملية الإشتباك المسلح في 14 يوليو/ تموز الحالي التى نفذها شباب ما تجاوزوا العشرين من عمرهم و هم يعيدون لنا بطولات نتنسم عبيقها منذ أيام خيبر؟. وقد إبتز الإحتلال أهلهم بالمماطلة في تسليم حثامينهم لذويهم إلا بعد مضي 13 يوماً من إستشهادهم. لقد أخافوهم أحياءً وأمواتاً. لقد شيعهم الآلاف في مدينة أم الفحم في الداخل الفلسطيني وهم يرددون"بالروح بالدم نفديك يا شهيد" في موكب مهيب يغيظ الأعداء، وتعالت هتافات التكبير والتهليل وزفرات الغضب العارم.  وقال أحد المحامين لـ"العربي الجديد" إن الشرطة حاولت أن تفرض شروطاً مقيدة على أهالي الشهداء، لكن لن يكون بمقدورها أن تفرض إرادتها على آلاف المشيعين من أم الفحم. ورابطت جموع المشيعين أمام منازل أهالي الشهداء في تلاحم وتراحم يجسد أصالة وشهامة سكان المدينة، ولم يمنعهم هذا من الرباط في ساحات الأقصى والذود عنه بكل ماهو نفيس.

في خضم موجة الغضب الهادرة هذه يتوارى العرب والمسلمين خجلاً وخذلاناً، وتخرس ألسن الزعماء ولا تسمع حتى الهمس، وتتسع عباءاتهم للملمة المسالب والإنكسار والخنوع المذل، ويجمعونها وقد تزاحمت حول أكمامها المساوي. لقد إفتقدكم المقدسيون وهم يواجهون الصهاينة ويلوون أياديهم لوحدهم، عندما تعالت بعض الأصوات التي تقول"إن قضية الأقصى شأن داخلي إسرائيلي"  فأي قبحٍ وخذلان بعد هذا!؟

لقد دارت دورة الأيام وكنا نردد بالأمس قول شاعرهم:

نحيي القدس ما حيَّت جمال ديارها الشمس

وما قامت لنا في مسجد صلواتنا الخمس

فوا أسفا عليها كيف خيّم فوقها البؤس

ولن ترضى بغير ظلالها عين ولا نفس

وتقسو الناس والدنيا علينا وهي لا تقسو

فليس لنا بأرض غيرها عزٌ ولا أنس

وليس لنا ثرىً أغلى علينا منك يا قدس. 

   سيبقى الأقصى وقدسه شوكة في حلوق الصهاينة ومن شايعهم، وسيكتب التاريخ تهاون قادتنا في نصرته والذود عنه وستلاحق وصمة العار وجوههم أينما توجهوا. هذا إن بقي في الوجوه ما يحفظ ماؤها.