المساواة بين الرجل والمرأة فكرة لا تخضع للمنطق ولا لأبسط عمليات التفكير التي يقوم بها العقل البشري ، وذلك لاستحالة خضوعها للتطبيق من عدة زاويا سنأتي عليها تباعا.

ومن المُسَلم به أن تكون المساواة بين اي عنصرين ينتميان لذات الفئة و لديهما ذات الوظيفة و يعطيان ذات النتيجة ، والرجل والمرأة ليسا شاذين عن هذه القاعدة .

فاستحالة المساواة بينهما تقف على حجر صلب من الاختلافات الجسدية و الوظيفية ،فلا تكوينيا هما واحد و لا وظفيا يؤديان الوظيفة نفسها.

وهذان العاملان انصب عليهما شغل الداعين للمساواة حتى اخذهم الجنون للترويج  بأن انجذاب الجنسين لبعضهما فطريا هو شيء مرفوض ومعيب وذلك تمهيدا للخلط بينهما. وهذا ما حدث فعليا، فقد بدأ سباق محموم  بين  الاطباء لاجتزاء أجزاء من المرأة أو لإضافة أجزاء إلى الرجل كمحاولة بائسة لتغيير جنس ولدا به.

وحتى هذه الخطوات الرعناء المتخفية في ثوب حرية تقرير المصير جلبت الويلات على الخاضعين لها  قبل المجتمع والأسرة. ففي دراسة دنماركية شملت نحو 6.6 مليون شخص نشرت على موقع السي إن إن تقول: أن التلاعب في تركيب الجسد وتغيير ملامحه يشكل ضغطا نفسيا هائلا يؤدي بالمتلاعب إلى الإنتحار .

وتحت هذا البند يندرج كل تغيير يمس بالفطرة او يتلاعب بطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة الذين خلقا لتأدية وظيفتين مكملتين لبعضهما بعيدا عن الصراعات واختلال الأدوار. سينتج ضغطا نفسيا يؤدي إلى انتحار المجتمع و تركيبه العتيق المتوارث.

فوظيفيا  عندما تم الجز بالمرأة  في وظائف تناف تكوينها الجسدي كالانضمام للجيوش مثلا تحولت إلى اداة للتسلية ولم تحرج من إطار الاستغلال الذي تدعي أنها تحررت منه. وبطبيعة الحال تواجدها في مكان ما يعني ذلك خلو مكانها الطبيعي منها  . 

وأخطر ما يمكن أن تسببه فكرة المساواة الغير قابلة للتطبيق هو خلق صراع يؤدي إلى تفكك العلاقات و إعادة صياغة المفاهيم المجتمعية وتركيبها بشكل مناف للقيم ، محولا كل شي إلى عالم لا لغة فيه غير لغة التناحر  والأنانية . ففي محاولة الزوجة للتربع على عرش الندية مع زوجها يجعل من وظيفتها- كأم و راعية لأبنائها وكمربية - مذمة ومنقصة لها ، فهي ترى ذلك من صميم عمل الخادمات،  و بطبيعة الحال لن يقف الرجال مكتوفي الأيدي ، فلكل فعل ردة فعل و سيتخلون عن فكرة أنهم العائل المالي الأول للعائلة.   فمن سيطرح ماله ارضا مقابل آلة تفقيس ذرية فقط ، آلة اسمها المرأة،  لا تريد أن تعطي و لا تؤدي وظيفتها . وبالتالي سيرون الزواج برمته صفقة مكلفة باهضة فاشلة ، و يتوجهون لدروب أخرى لإرضاء غرائزهم، وسيعدون تنظيم شروط ارتباطهم بالمرأة مجددا على نحو لا يخلو من ابتزاز او ظلم وسيتعاملون معها بمنطقها الذي يرحب بأي شيء عدا الدين والأعراف. وبالطبع هذا ينعكس سلبا على كل المجتمع وليس فقط على الأسرة ، وسيفتح أبوابا من الشتات الإنساني حيث لاشيء يعلو فوق صوت المنفعة و سيتم إعادة  تشكيل القيم من جديد ولكن على نحو مخجل مميت.


لا أجد وصفا يليق بفكرة المساواة غير كلمة " ساذجة "،   تستنزف البشر ولا طائل من ورائها ، وهي في اساسها امتهان للمرأة و استخفاف بها، فأن تخرجها من مدارها الطبيعي الميسر لها وتضعها في مدار قاسي مكلف يجعل منها اضحوكة ودمية للتسلية، هو موت محقق لذاتها وكيانها فهي لم تبقى في مكانها و لم تندمج في براحها الجديد الذي تحاول أن تقتحمه عنوة و تدخله على امتهان بشروط أصحابه المستغلة.

يمكننا أن نلخص تقيمنا لهذه الفكرة باستشهادنا بقول المفكر علي عزت الذي أوجز  هذا الخلاف في نقطتين مهمتين وهي:

"متساوون ، إذا تحدثنا عن المرأة باعتبارها شخصية إنسانية ذات قيمة . شخصية مساوية تتحمل واجبات أخلاقية وجمالية و إنسانية . 

غير متساوون ، إذا كان الأمر يتعلق بالتساوي في الوظائف والدور في الأسرة والمجتمع ، كما يفهم معنى المساواة في أوروبا عادة" . 

 ويبقى السؤال من أوجد هذا الصراع ؟ ومن المستفيد منه؟

يجيبنا على هذا السؤال الدكتور عبد الوهاب المسيري  الذي اثبت أن لهذا التوجه ميول مادي بحت ، حيث تم اعادة صياغة الانسان في ضوء المعايير المادية التي حولت المرأة من كونها إنسان طبيعي إلى إنسان مادي لا يختلف عن الرجل في شيء ، وليس بينهما قواسم إنسانية مشتركة بل بينهما قواسم مادية مشتركة يكون المعيار فيها عدد ساعات العمل و قوة الانتاج و ارتفاع المردود، وبفضل النظرية المادية التي طغت على الانسان و أزاحته من مركز الاهتمام  واضعة الاشياء والمكاسب المادية بدلا عنه ، وكعادة الحياة تسحق الجانب الاضعف ، فأتت على المرأة و الأسرة ومسخت وجودهما .


وأخيرا الجبل  لا يحتاج إلى جبل لكن الإنسان يحتاج إلى الإنسان ، فما بالك للإنسان  يحيل عذابات الحياة إلى مجرد آحاديث يرويها الرجل لزوجه بعد أن عاد إليها منهكا ، فلا يمكن للمرأة أن تكون غير ذلك ، ولا نقصد هنا تجريدها من حقوقها ولكن يجب عليها أن  لا تجعل من الحياة شريكة لها في اسقاط الوجود.