لا صوت يعلو فوق صوت الحق والقانون والعدالة , والقول ما نطقت به الاغلبية العراقية الاصيلة , وان تعارضت ارادة بعض الشخصيات السياسية او البيوتات الدينية مع اراء الاكثرية الشعبية والنخبوية , وان تقاطعت مع ارادة الجماهير ومطالب الشعب , ودار الامر بين الارادتين ؛ فحينها يقدم  صوت الحق والقانون والعدل والاغلبية والامة العراقية عليها , ويعمل بالقانون و المطالب الشعبية , لا بما قاله فلان او افتى به علان , او ما رحبت به العائلة الكذائية او الاسرة الفلانية . 

الله وعقلاء البشرية جمعاء فضلا عن المسلمين والمؤمنين ؛ يقرون بمبدأ احقاق الحق وازهاق الباطل ومحاسبة المجرمين و معاقبة الجلادين والسفاحين , وقد عبر كتاب القران الكريم عن تحقيق العدالة والاقتصاص من الظالمين بالحياة : (( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون )) مع ان القصاص قد يؤدي الى ازهاق النفوس وقطع الرؤوس الا ان كتاب القران الكريم عبر عنه بالحياة , ويقصد بالحياة هنا الحياة العامة لبني البشر , وهي الحياة العظيمة لا حياة الافراد المجرمين والقتلة السفاحين , فقد كان ابناء القبائل العربية في السابق ؛ يقتلون بالواحد الجماعة , حتى كادت تفنى عشائر عن بكرة ابيها , اذ كان يقتل بالمقتول غير قاتله، فتثور الفتنة، ويقع بينهم التناحر؛  فلما جاء الإسلام بشرع القصاص كانت فيه حياة ؛ ولكن أية  حياة ؟

 وهي الحياة الحاصلة بالارتداع عن القتل لوقوع العلم بالاقتصاص من القاتل فقط لا غير ، لأنه إذا هم بالقتل وعلم ان عشيرته لا تحميه من سطوة القانون , اذ يقام عليه الحد بلا مجاملة او شفاعة ؛ ارتدع ; وسلم صاحبه من القتل، وسلم هو من القود ؛ فضلا عن الجماعة والقبيلة , اذ ان قتل القاتل السفاح او المجرم الجلاد إحياء للجميع , فالقصاص ينقذ الحياة العامة من شر السفاحين , والقانون يحمي المواطنين من المجرمين , و التهاون في تطبيق القانون على  المجرمين وانزال اقسى العقوبات بحق مجرمي الحرب ومرتكبي جرائم التطهير العرقي والطائفي وجرائم انتهاكات حقوق الانسان ؛ نتيجة التعاطف او الرحمة او بذريعة الشعارات الانسانية او الدينية او بحجة تنازل اهل المقتول او المجنى عليه عن حقوقهم العائلية والشخصية ... الخ ؛ لن يبني دولة قوية تحترم القانون ويسود فيها العدل ويطمئن فيها المواطن .

وما من زعيم او سياسي او رجل دين ؛ تبوء موقعا رفيعا  مؤثرا او مركزا متقدما او منصبا مرموقا  ؛ الا بفضل الجماهير والتفاف الشعب , وما ان يرفع الشعب يده عن فلان او علان الا ويتقهقر بل وتلفه زوايا الاهمال والنسيان ؛ فالكثير الكثير من الشخصيات المحترمة والكفاءات العالية والزعامات المؤهلة و الوطنية الصادقة لم يحالفها الحظ بسبب ابتعادها عن الجماهير او ابتعاد الشعب عنها , وعليه يبقى الفضل الاول والاخير للشعب , فهو المعيار بين الصادق والكاذب وبين الوطني والخائن وبين الامين النزيه  و الخائن الفاسد ... الخ ؛ فالقول قول الشعب .

وطالما كانت الاغلبية العراقية الاصيلة ضحية ؛ بسبب توجهات بعض الساسة ورجال الدين من البيوتات الدينية والاحزاب والحركات السياسية  , اذ ارتبط مصير الاغلبية بها , بل ذهب البعض من ان ابناء الاغلبية الى ان الاغلبية لم تجن من هذه العلاقة سوى الدماء والآهات والتضحيات والخسائر الفادحة , والعجيب ان البعض من ابناء تلك العوائل الدينية او السياسية يعزون السبب في مقتل اباءهم او افراد اسرهم الى الاغلبية العراقية الاصيلة ويبرؤون الظالمين والحكام والمجرمين الطائفيين من تلك الدماء المهدورة ؛ ومن الواضح ان الشخصية الدينية او السياسية ملك للامة والشعب قبل ان تكون ملكا لأسرتها او عشيرتها , فلولا الامة والاغلبية العراقية  لما تحول ( سين من الناس ) الى شخصية عامة مؤثرة ؛ وعندها تكون العلاقة  بين الطرفين علاقة وطيدة غير قابلة للانفكاك ؛ فالزعيم يساوي الجماهير , والسياسي يعني مصير الشعب , والكتلة الانتخابية تساوق ارادة الاغلبية والامة , فكلاهما وجهان لعملة واحدة ؛ اذ لولا الطرف الثاني لما وجد الطرف الاول , فعندما تقدم القوات الصهيونية على قتل مواطنا فلسطينيا , فهذا يعني قتل للفلسطينيين كلهم واعلان العدوان عليهم واستمرار الاحتلال , ولا يعني قتل انسانا ما وبطريقة الخطأ او من دون دوافع ايدولوجية او طائفية او عنصرية , وكذلك عندما يقتل احد رجال الدين الشيعة فهذا يعني استهداف الطائفة ككل في بعض او اغلب الاحيان , وكما اننا لا نستطيع التفريق بين الثورة الاسلامية في ايران ومرجعية السيد الخميني الدينية , كذلك لا نستطيع التفريق بين علاقات الجماهير بالزعيم او علاقة المقلدين والاتباع والمحبين بالمرجع الديني ؛ وعليه لا يحق للشخصية الفلانية او الاسرة العلانية احتكار الشخصية الدينية او السياسية العامة , وكذلك لا يجوز لهم اسقاط بعض القضايا المصيرية والتبعات القانونية والدينية والسياسية  والانسانية المهمة  بحجة ان الفقيد من ذويهم او بذريعة ان العفو عند المقدرة من شيم الكرام  .

ان الشعوب الحية والامم المتحضرة لا تنسى من اساء اليها ولا تغفر للمجرمين والجلادين ولا تغض الطرف عن جرائهم ومجازرهم ... ؛ و ليس هناك أصعب على الإنسان من العيش في وجع الذاكرة ، فكيف بالشعوب ؟!

حقيقة أنّ ما تعرض له  العراق  وما تعرض له الشعب العراقي العظيم من  حكومات الفئة الهجينة ولاسيما الطغمة التكريتية الصدامية ... حقاًّ وفعلاً قد كان من أبشع  كبوات التاريخ المعاصر  ومن أوجاع الماضي الاليم ... وبالطبع هذا الاجرام  يجب ألّا ينسى  ولو بعد مائة عام  وأكثر ، فأوجاع الماضي لا يمكن أن تغيب وصرخات العراقيات الفاقدات تبقى عالقة في الذاكرة  ؛  و مما  لا شك فيه  أنّ الشعوب لا تنسى ولا يمكن أن تنسى ؛  فالتاريخ سيتوقف عند لحظة تاريخية قد كانت موجعة وقاسية ودموية ؛ وعليه يلزم استحضار  ذلك  التاريخ المؤلم وتلك الحروب العبثية الخاسرة والمجازر والمقابر الجماعية  والسجون والمعتقلات الرهيبة والسنوات العجاف السوداء ؛  وإحياء تلك الاحداث  في ضمير الأمة العراقية  والمجتمع  العراقي من خلال مطاردة ومتابعة مجرمي الانظمة الطائفية والقمعية البائدة والقاء القبض عليهم وانزال القصاص العادل بحقهم ؛ فضلا عن ضرورة اخذ المعلومات الكاملة منهم اثناء التحقيق معهم لمعرفة اعداد الضحايا واماكن دفنهم وطريقة قتلهم ... الخ ؛ بالإضافة الى   اعداد الكثير من الدراسات والبحوث والندوات والمؤتمرات وانتاج الافلام والبرامج والمسلسلات واصدار الصحف والمجلات التي تعنى بهذا الجانب  ، وهذه المهمة الإنسانية والوطنية  كما تقع على عاتق الحكومات العراقية المنتخبة كذلك تقع على عاتق منظمات المجتمع المدني والاحزاب والحركات السياسية  ومنظمات حقوق الانسان وغيارى واحرار ومثقفي الامة العراقية  ؛  لئلّا تنخدع  الامة العراقية  مرّة أخرى بالأساليب الشيطانية  والمناهج المنكوسة  والدعايات  البعثية  والقومجية والصدامية والطائفية المقيتة  ؛ إذْ إنّ  رجال الفئة الهجينة وايتام النظام البائد وشراذم البعث والقومجية  لا يألو جهداً في بسط النفوذ والسيطرة مرة اخرى و بأساليب مختلفة ، فالأقنعة قد تتغيّر ولكن تبقى الأسس والمباني المنكوسة والحاقدة ثابتة لا تتغير.

وبعد ان يأس احرار وغيارى الاغلبية والامة العراقية , من متابعة ملف المجرمين والجلادين والسفاحين والارهابيين , وبعد ان قطع الشعب الامل بأغلب الحركات والاحزاب السياسية بتحقيق العدالة وتطبيق القانون بحق الصداميين والبعثيين والارهابيين ؛ تفاجأ الجميع بخبر شاع في الاوساط الاعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي , وهو من الغرابة بمكان ؛ اذ قامت حركة عصائب اهل الحق الاسلامية , بمتابعة احد اهم العناصر الاجرامية الصدامية واخطر المجرمين الارهابيين الا وهو المجرم الشهير سعدون صبري القيسي والمعروف بـ(عميد نزار) مدير سابق للشعبة الخامسة ؛ الا ان احد الاخوة السجناء والمطلعين على حقيقة هذا السفاح الخطير قال : هو المجرم المعروف العميد سعدون صبري الحديثي المسمى زهير مدير الشعبة الخامسة وليس نزارا .

وبحسب الاخبار والمعلومات الواردة , ان هذا المجرم الفار من وجه العدالة لأكثر من عشرين عام , والمتهم بارتكاب ابشع جرائم القتل والابادة والتطهير الطائفي ؛ فضلا عن قتل المرجع الديني الشهيد محمد باقر الصدر واخته العلوية بنت الهدى ؛ كان يتنقل بين عدة دول وهي : تركيا وسوريا ومصر والاردن والامارات , وبعد متابعة حثيثة ومراقبة دقيقة من قبل الغيارى في حركة عصائب اهل الحق والتي استمرت لمدة اربع سنوات متتالية , استطاع الغيارى اقناعه بضرورة العودة الى العراق , بحجة شراء بيته الكائن في بغداد / حي اليرموك وقيل في منطقة البياع , واتفقوا معه على المجيء الى اربيل لاستلام مبلغ الدار , وابلغ الغيارى رئاسة الوزراء بضرورة مفاتحة السلطات في اربيل بتسليم هذا المجرم المطلوب للعدالة , وكالعادة تم رفض طلب الحكومة المركزية من قبل السلطات الانفصالية , وبعد تهديدات الغيارى من ابناء المقاومة الاسلامية والوساطات السياسية , رضخت السلطات في اربيل لمطالب الحكومة المركزية و السماح للقوات الامنية باعتقاله , واثناء التحقيق معه , اعترف بقتله لأكثر من 20 الف مواطن شيعي , فضلا عن قتله للمرجع الديني الشهيد الصدر واخته وبيده , وقد قتل ايضا العشرات من ال الحكيم والسادة المبرقع وغيرهما .

وكان المجرم سعدون صبري يشغل منصب مدير الشعبة الخامسة، في عهد  الطاغية صدام  واستمر في منصبه حتى عام 1986، وكان اسمه الأمني (العميد نزار) او زهير كما قيل ، و أصبح “صبري” مديرا لأمن البصرة، واستمر في منصبه حتى عام 1990ثم عٌين مديرا لأمن الكويت واستمر في المنصب حتى شباط1991، بعدها اختفى لدى صديق له في مدينة الموصل، عندما انفجرت الانتفاضة العراقية الخالدة عام 1991 ؛ ولكثرة جرائمه  وسجله الحافل بالأجرام والارهاب وخدمة النظام ؛ عفا عنه صدام ولم يعاقبه على اختفائه وعيّنه مديرا للأمن الاقتصادي، وهو المسؤول عن مذبحة التجار... ؛ وقيل انه : أشرف على اغتيال السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر و نجليه السيدين مؤمل و مصطفى و استمر بعد العملية مسئولا عن الأمن في النجف لـ 4 أشهر؛ وقيل انه قتل بيده  عم السيد محمد شياع  السوداني أيضاً ... ؛ ثم هرب المجرم اللواء سعدون صبري، إلى سوريا بعد سقوط نظام صدام عام 2003 ، وغير اسمه الى ( الحاج صالح ) ، واستمر هاربا حتى تم إلقاء القبض عليه في هذه الايام المباركة , وقد اعترف كما ذكرنا انفا بقتل واعدام وتعذيب الالاف من ابناء الاغلبية والامة العراقية , وهذه الاعترافات فتحت فصولاً جديدة من الألم والغضب لدى أسر الضحايا والمجتمع العراقي وغيارى الاغلبية الاصيلة واحرار الامة العراقية ؛وبينما ابتهجت الاغلبية العراقية بخبر اعتقاله ؛ لان اعتقاله يمثل انتصاراً للعدالة والحق وصوت الضحايا والمعذبين والشهداء والمظلومين  في مواجهة سنوات من الظلم  الصدامي والقمع البعثي ؛ ولتذكير البعض من أن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم ، وأن يد العدالة ستطال المجرمين والسفاحين  مهما طال الزمن ... ؛ تفاجأت بتعليق السفير العراقي في بريطانيا السيد جعفر الصدر ؛ اذ قال : (( أن المسؤول عن دماء الشهيد الصدر الأول وشقيقته العلوية بنت الهدى هو المجرم صدام , ولا يهم السكين الذي استخدمه في جريمته ... ؛ وأضاف : “الفاسق لن يؤخذ باعترافه بعين الاعتبار، فهو متهم بالكذب أو الانحياز، وهدفه تبرئة سيده المجرم الحقيقي” )) .

وقبله صرح احد ابناء عائلة الحكيم في محكمة ازلام النظام , وعندما سأله القاضي عن مطالبته بحقوقه ضد هؤلاء المجرمين ؛ فأجاب : اقول فيهم كما قال رسول الله , اذهبوا فأنتم الطلقاء ...!!

بعد هذه العقود الطويلة من النضال والسنوات المريرة من الجهاد والتضحية , والتي قتل فيها الكثير من ابناء الاغلبية العراقية الاصيلة مرة بحجة كونه شيعيا او ملتزما دينيا او معارضا سياسيا واخرى بذريعة انه احد اعضاء حزب البعث او من عناصر الاجهزة القمعية ؛ حتى وان لم يثبت تورطه بسفك الدماء , لماذا يتم التغافل عن مجرمي الفئة الهجينة والعفو عن جلادي الطائفة السنية وغض الطرف عن ذباحي الحركات والتنظيمات الارهابية ؟!

ففي كل مرة يتم تبرئة الاعداء من جرائمهم البشعة بشتى الحيل والطرق والادعاءات , فمرة يدعي البعض ان قتلة العراقيين هم من الاجانب , واخرى بانهم مجهولو الهوية , وثالثة بانهم مخابرات دولية , ورابعة بان القاتل الحقيقي صدام لا غيره ( ومن هل الكلاوات والقشمريات ) ... الخ ؛ ولو سلمنا جدلا بأن القاتل ليس الشخص الذي نفذ القتل بيديه بل هو الامر بالقتل فحسب ؛ لنجا كل القتلة والسفاحين والمجرمين والجلادين من المحاسبة والقصاص العادل ؛ بحجة انهم مأمورون من الظلمة , ولنسبنا جرائم القتل الكثيرة والمجازر الكبيرة والمقابر الجماعية وضحايا المعتقلات والسجون ... الخ ؛ لأشخاص لا يتجاوز عددهم اصابع اليد ...؟!

وعليه سيكون الشمر بريئا وعبيد الله بن زياد بريئا والحجاج بريئا , والمجرم سبعاوي والمجرم برزان والمجرم حسين كامل والمجرم فاضل البراك والمجرم حسن العامري والمجرم مهدي الدليمي ... الخ ؛ ابرياء ,  وتقيد الجريمة ضد الطاغية القابع في جحره ؛ وليت شعري ما علاقة كشف القاتل الفعلي والفاعل الحقيقي للجريمة بتبرئة ساحة صدام من الاجرام ؛ فمن اوضح البديهات ان صدام يأمر والزبانية تنفذ , والكل مشتركون في الجريمة ؛ وهذا الامر من بديهيات الشرع والعرف والقانون ...؟!

قلنا ولا زلنا نكرر نحن لسنا من عبيد الشخصيات ,  ولا من اتباع الاحزاب والحركات بصورة مطلقة وغير مقيدة بشروط ؛ بل نحن دائما وابدا مع مصالح الاغلبية والامة العراقية ؛ ومع المواقف والاشخاص الذين يحققون مكاسب للأغلبية والامة وبغض النظر عن توجهاتهم السياسية وعقائدهم الدينية ورؤاهم السياسية ؛ فقد نقف بقوة مع التيار الصدري عندما يطالب بإقرار عيد الغدير باعتباره عيدا وطنيا يمثل شخصية رافدينية وقمة عراقية ورمزية وطنية ولا علاقة لنا بالتأويلات الدينية والتفسيرات المذهبية , وكذلك نحن مع العصائب في متابعة المجرمين والقاء القبض على الجلادين , ونحن مع الحشد الشعبي في تحرير الاراضي العراقية والقضاء على شراذم التنظيمات الارهابية , ومع حزب الدعوة اذا اقر قوانين تصب في صالح الاغلبية الاصيلة , ومع تيار الحكمة اذا دافع عن حقوق الاغلبية والامة العراقية ... الخ  , فالمعيار في التأييد لهذه الشخصية او ذلك الحزب , هو تحقيق المكاسب والمصالح الوطنية والدفاع عن مقدرات وحقوق وامتيازات الاغلبية والامة العراقية .