لم أكن مقتنعا أبدا بما يسمى بالمعجزة اليابانية، كنتُ  أطّلع بين فترة وأخرى حول تاريخ اليابان بشكل عابر، وقبل شهرين تقريبا، انتشرت صورتين متقابلتين، صورة للدمار الذي حصل في اليابان اثر القنبلة النووية، وصورة حاليّة، تعبيرا عن سرعة الازدهار، فدار سجال بيني وبين أحدهم، عن السبب، فأنا أتبنى الرأي بأن اليابان بدأت بالنهوض من القرن السادس عشر، أما هو فيتبنى نظرية المؤامرة والتي تقول بأن الغرب سمح لهم بأن ينهضوا، ولم يسمحوا لنا نحن العرب وقاموا بتقسيمنا.
فشرعتُ  حينها في قراءة رسالة الدكتوراه (أصول التحديث في اليابان) لمحمد أعفيف، وقد ترأس المناقشة الدكتور عبدالله العروي، وممن راجعه الدكتور حمو النقاري، وقام بتقديم الكتاب الدكتور رضوان السيد، فهي دراسة ذات ثقل، وخاصة أنه يُعتبر من أوائل إن لم يكن أول من حظي بالبحث في تاريخ اليابان قبل عصر الميجي، وكانت مجموع الدراسات عن اليابان في الوطن العربي وكذا الأدب الياباني المترجم إلى العربية لا تزيد عن أربعين مؤلفًا !

الفترة التاريخية التي تم التركيز عليها هي من القرن السادس عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر، والتي تعرف بعصر توكوغاوا أو عصر الإيدو، وقد تميّزت بالأمن والاستقرار الاجتماعي، وتوسّع المعرفة والتعليم، وازدهار دور النشر، فقد قدّر الباحث رونالد دور، أن نسبة العارفين بالقراءة والكتابة في اليابان‬ عام ١٨٦٨م بـ٤٠٪ من الذكور و١٠٪ من الإناث. ويرى الأنثروبولوجي الياباني أوميساوو، أن هذه النسبة بلغت في المدن الكبرى في نفس الفترة نسبة لم تصل إليها جُل المدن الأوروبية إلا في فترة لاحقة.
‏وازدهرت دور النشر في اليابان‬ في آخر عصر توكوغاوا (أواخر القرن ١٨) زهاء ثلاثة آلاف دار، ومتوسط ما كان يُطبع ٤٠٠-٦٠٠ عنوان سنويا.
‏إضافة إلى ازدهار ثقافة شعبية تمثّلت في المسرح ومختلف فنون التعبير الأدبي والفني، ففي عام ١٧١٧م في عاصمة اليابان‬ هناك ٢٤١ معلما يعرضون دروسا خصوصية في الرسم والموسيقى والمسرح وغيرها من الفنون.

كل ذلك أتى لعدة أسباب من أهمها، انفتاح اليابان على الصين في القرن السادس، وبذلك تغير مجرى تاريخهم ووضعهم، فأخذوا رموز الكتابة ونظم الإدارة والحكم وفنون الشعر والعمارة والرسم. وبعد ذلك الانفتاح على الغرب، ومن الأمثلة إنشاء أوتسوكي في عام ١٧٨٦م في العاصمة اليابانية‬ معهدا لتعليم اللغة الهولندية والطب الغربي.‏
إن المحور الرئيسي الفاعل هو الأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي، الذي كان بمثابة حجر الزاوية لكل ما تحقق من منجزات وتطورات في عصر توكوغاوا.

وقد خلص المؤلف بذكر أسبابا عدة جعلت اليابانيين مؤهلين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر للانخراط في إصلاحات عجز غيرهم عن القيام بها. ويمكن إيجاز هذه الأسباب في:
-نمو اقتصادي وديموغرافي
-ارتفاع نسبة المتعلمين
-برجوازية صاعدة تتمتع بثروة هائلة
-توسع العمران وارتفاع نسبة الحواضر
-تجربة بيروقراطية وبداية الأخذ بمبدأ الاستحقاق
-بنية تحتية متمثلة في طرق معبدة
-هيمنة على المجال تتمثل في الدفاع والعلاقات الخارجية
-مجتمع منضبط