ومما جادت به قريحة الشاعر العراقي الشهير ابو العتاهية , قوله :

وَفي الناسِ شَرٌّ لَو بَدا ما تَعاشَروا *** وَلَكِن كَساهُ اللَهُ ثَوبَ غِطاءِ

وقد ايد الشاعر اللبناني  جبران خليل جبران ؛ شاعرنا الكبير , وانشد قائلا :

الخير في الناس مصنوع إذا جبروا *** والشر في الناس لا يفنى وإن قبروا

وقد اعتبر شاعرنا المتنبي ان الظلم شيمة متأصلة في النفوس  البشرية , اذ قال :

والظلم من شيم النفوس فإن تجد ***  ذا عفةٍ فلعلّةٍ لا يظلمُ

فهؤلاء وغيرهم من الشعراء والفلاسفة والكتاب ؛ قد ذهبوا الى أن الأصل في الإنسان هو الشر ؛ والظلم هو السمة الغالبة عليه , الا ان العلة التي قد تخفيه احيانا ولا تظهره للعلن , ايمان المرء بالأيدولوجيات الميتافيزيقية او الدعوات الدينية او المنظومات الاخلاقية والقيمية والانسانية او خوفه من القانون وردة فعل المجتمع ... الخ .  

حتى الذين ذهبوا الى ان الانسان يمزج بين الخير والشر في سلوكه , أكدوا على ان الغلبة تعود للشر غالبا , وقد خص الفيلسوف جان جاك روسو الشر بالإنسان فحسب ؛ فقد اعتبر ان الكون خالي من الشر مطلقا , انما الشر ما يفعله الانسان فقط , ليؤكد ان كل الشرور في الكون مصدرها الانسان لا غيره .

فالإنسان ان لم يكن شريرا بطبعه فلا اقل هو محكوم بالشر ومحاط به , ولعل هذا الشر يتجلى بعدة سمات وصفات وسلوكيات , ومنها : الحسد والحقد والتنمر والاستهزاء بالآخرين , والانتقاص من الغير وانتقادهم والتطفل عليهم , فضلا عن مشاجراتهم والاعتداء عليهم وغمط حقوقهم , والاستهانة بإنجازاتهم ونجاحاتهم والتقليل من شأنهم ... الخ ؛ وهذه السمات تدل على مدى الشر القابع في نفوس البعض ؛ بحيث اضحوا لا يستطيعون كبح جماحه او اخفاءه ...!!  

وفي اغلب الاحيان يضطر المرء الى اخفاء شره , بل وادعاء النبل والخلق الكريم والرحمة والعطف ؛ لمسايرة طبعه الاجتماعي ومصالحه الشخصية ، او خوفا من القانون وردة فعل الجماعة , ولعل السبب الابرز في نشوء هذه الصفة وملازمتها للإنسان ؛ طبعه الاناني ونرجسيته وسعيه خلف مصالحه الشخصية وشهواته وملذاته الذاتية , وتفضليها على مصالح وشؤون الغير , فهو يطلب تحقيقها وبغض النظر عن الوسيلة او مدى الاضرار التي تلحق بالآخرين جراء اشباعه لغرائزه وشهواته ومصالحه .  

وقد يتضاعف هذا الشر ويصبح اشد خطرا ؛ اذا استطاع الفرد اخفاءه والتستر بالخير , حتى اتيانه للخير وفعله للمعروف انما يصب في صالحه ويتماهى مع مخططه الشرير للضحك على الذقون وخداع الناس الابرياء والايقاع بهم فيما بعد , ومن ثم يصبح هذا الخير شرا في الأصل وتظهر حقيقته للعلن , ولكن بعد فوات الاوان . 

وقد صدق الفيلسوف توماس هوبز عندما قال عبارته الشهيرة : (( الإنسان ذئب لأخيه الإنسان )) وان دلت هذه العبارة على شيء فإنما تدل على الانسان قادر على فعل الاسوأ والاشنع دائما , وذلك بسبب الشر القابع في هذا الكائن المعقد ، والذي قد يؤدي الى ان يفتك المرء بأقرب الناس اليه احيانا  .

وعليه عزيزي القارئ لا تستغرب من هجوم البعض عليك من دون سبب وجيه او معرفة مسبقة , ولا تتبرم من حسد المقربين وحقدهم , ولا تستاء من كلمات الاساءة والشتم التي تصدر من البعض , ولا تعجب من الصاق التهم العجيبة والجرائم الغربية بك من خلال سلسلة كاملة من الافتراءات والاكاذيب والتدليسات والمسرحيات , ولا تنفعل بسبب مراقبة الاخرين لك ورصدهم لكل حركاتك وسكناتك ؛ فهذه طبيعة قد جبلوا عليها , والمرء يتصرف طبقًا لأصله وعنصره ؛ لذا قيل : كل إناء بالذي فيه ينضح .