وما زالت القوى الكبرى تفرض سطوتها وتنفذ مخططاتها بغض النظر عن ارادة الشعوب او مصالح الامم ..
لا نجانب الصواب ان قلنا ان هذه التجربة بكل تفاصيلها اميركية وبامتياز , وكل من عارضها او اعترض عليها او اراد التغيير منها قليلا او كثيرا من ساسة ورجال الاغلبية الاصيلة , لقي حتفه او استبعد وهمش وكأنه ( فص ملح وذاب ) او تعرض لحملات تشويه سمعة شرسة ... الخ .
ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة والى هذه اللحظة ؛ تعرض العراق ومازال لمؤامرات ومخططات خارجية مشبوهة ومعادية تم تنفيذها على أيدي العراقيين أنفسهم , العملاء منهم والحمقى والسذج وعديمي الوعي احيانا , فالكثير من انصاف الساسة يخربون ويدمرون وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا , وصدق الدكتور حسين عبد الخالق عندما قال : ومن متابعتنا لما حصل في العراق منذ سقوط حكم البعث الغاشم وإلى الآن نرى أن هناك خطة أو خطط مُحكمة وضعت في منتهى الدقة والدهاء لتدمير العراق، ونهب ثرواته، ودق الإسفين بين أبناء شعبه لكي لا تقوم لهم قائمة ؛ وهذه الخطة تم تنفيذها على المراحل التالية :
1- مرحلة الفرهود ( الحواسم ) اذ سمحت القوات الدولية بقيادة أمريكا لعمليات الفرهود والتدمير التي طالت حتى المتحف الوطني والمكتبات الوطنية التي أشعلوا فيها النيران وهربوا الكثير من النفائس الى دول الجوار وغيرها .
2- مرحلة تفشي الفساد والرشوة بين الموظفين، وقيام بعض المسؤولين، وزراء ونواب وغيرهم، بالنهب للثروة والفرار بها إلى الخارج من أمثال وزير الدفاع السابق حازم الشعلان (مليار دولار)، ووزير الكهرباء أيهم السامرائي (300 مليون دولار)...الخ .
3- مرحلة منح الرواتب الخيالية للوزراء والنواب تفوق رواتب نظرائهم في أغنى دولة في العالم، ويتمتع هؤلاء عند تقاعدهم بـ 80% من تلك الرواتب حتى ولو خدموا لأسابيع قليلة، وبعض النواب لم يحضروا جلسات البرلمان أصلاً، بل يقيمون في عمان وبلدان أخرى، إضافة إلى الامتيازات الخيالية من رواتب الحماية، والمستشارين، وصرفيات المكاتب التي تقدر بالملايين من الدولارات.
4- مرحلة نهب ثروات البلاد عن طريق عقد مقاولات مع شركات وهمية تقدر بالمليارات من الدولارات .
5- مرحلة تهريب العملات الصعبة إلى الخارج بمعدل مليار دولار أسبوعياً بمباركة البنك المركزي والمصارف العراقية الأخرى، ودعم وترويج بعض الاقتصاديين الذين يدعون أن التحويلات الخارجية هذه تؤدي إلى دعم ورفع قيمة الدينار العراقي!!! بينما الذي نعرفه من خبراء الاقتصاد الحريصين على مصلحة الوطن، أن قيمة الدينار تعتمد على حجم الاحتياطي من العملات الصعبة في البنك المركزي وليس بيعها أو تهريبها.
6- مرحلة التحضير لتبديد الثروات النفطية وغيرها بحجة الاستثمارات الاجنبية والخصخصة وغيرها .(1)
ولعل اخر حلقات مسلسل النهب المستمر والاستنزاف الاقتصادي والسرقات القذرة من جنوبنا العظيم ؛ اتفاقية مد أنبوب نقل النفط الجنوبي من البصرة الى ميناء العقبة الأردني , بل يتم إيصال الخط إلى مصر، بدلاً من انتهائه في العقبة ؛ وانشاء ميناء مبارك الكويتي التامري , والتي فرضتها القوى الكبرى قسرا على ساسة الاغلبية كما فرضت غيرها من الملفات الشائكة .
ومن اوضح الادلة على ما قلناه انفا ؛ العمليات الارهابية المستمرة في العراق , ومؤامرات ومخططات عملاء المخابرات الاجنبية والغريبة المشبوهة والمنكوسة ؛ و الذين ينتشرون في كل مفاصل الدولة بالإضافة الى ايتام وازلام النظام البائد من البعثية وعصابات الفئة الهجينة ؛ كل هذه الامور أضعفت الحكم العراقي الجديد , ولكن هذا لا يعني ان المشكلة تكمن في التدخل الخارجي والتآمر الاجنبي فحسب ؛ ولا يعفي الحكام والمسؤولين – من المحسوبين على الاغلبية العراقية - الذين فشلوا في إدارة شؤون البلد ... ؛ وبما ان الصراع بين الاغلبية العراقية والفئة الهجينة من بقايا العثمنة والاحتلالات الاجنبية العفنة ومن وراءهم الانظمة السياسية الاجنبية والغريبة والاعرابية الطائفية والقومية المنكوسة ؛ فضلا عن مجرمي وجلادي الطائفة السنية الكريمة ؛ صراع وجودي ومعركة بقاء او فناء , وهو صراع قديم قِدم الاحتلالات الاجنبية والغزوات الغريبة الاعرابية ذاتها ... ؛ انكشفت الاوراق وصار اللعب على المكشوف بعد سقوط النظام الطائفي الهجين عام 2003 ؛ واخذ الصراع طابعا مختلفا عن سابقه إلى حدٍ ما، حيث تحوّل الصراع من كونه صراع مخفي ومبطن بالشعارات والدعوات الاسلامية والقومية والوطنية الكاذبة ، إلى صراع مكشوف وصريح ومعلن ، بين الاغلبية العراقية ومكونات الامة العراقية الاصيلة وبين الاجانب والغرباء والاعراب واتباع الخط المنكوس من البعثية وفلول الفئة الهجينة وايتام وازلام المجرم صدام ، ولهذا السبب وغيره كثرت الاضطرابات والفتن والانتكاسات والازمات ، ودخل العراقيون في تطاحنٍ محموم بين أنفسهم ، قبل أن يكون بينهم وبين أعدائهم من خارج المشهد العراقي الوطني الاصيل .
فكل الويلات والتفجيرات الارهابية والمجازر الدموية والقتل على الهوية وحفلات الذبح الجماعي والتي طالت كافة مدن وقرى الاغلبية العراقية الصابرة... , وكل الازمات والمشاكل السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية ... , وكل التغييرات والتحولات الفكرية والاعلامية والثقافية والاخلاقية والسلوكية والاجتماعية ... ؛ جرى التخطيط لها بدقة متناهية جدا ؛ وقد افصح الامريكان عن ذلك جهارا نهارا من خلال طرح مشروع ( الفوضى الخلاقة ) والقصد منه الفوضى المدمرة والتي تحرق الاخضر واليابس ... .
ويخطئ من يتصور ان رواتب اعضاء الرئاسات الثلاث ونواب البرلمان والمدراء وقادة الجيش والشرطة ... وشكل الحكومة الحالي , وموقع المنطقة الخضراء ؛ هي نتاج التفكير العراقي او صنع محلي ... ؛ او ان تقسيم الرئاسات الثلاث بين الشيعة والسنة والكرد , ومعاداة هذه الاطراف بعضها لبعض , جاء بقرار وطني خالص ... ؛ او ظهور الازمات السياسية والاقتصادية والامنية بين الحين والاخر بسبب هذا السياسي الفاشل او ذاك المسؤول السارق او القائد الخائن ... ؛ وان سقوط المدن والضمائر والوعي هو ظاهرة طبيعية او اخطاء، والسرقات العامة تمت نتيجة اخلاق دونية، وان حل الجيش العراقي كان" خطأً"، وليس تخطيطاً، واشراك عناصر من النظام القديم هو هفوة انتهازي او قشرة موز تزحلق فيها هذا المسؤول او ذاك ؛ بل كل ما يجري اليوم تم التخطيط له قبل عام 2003، وتم وضع كل شيء في مكانه .(2)
وتم اتخاذ القرارات والتوصيات في مؤتمرات اربيل ولندن وغيرهما , واتفقوا على تشكيل " ديمقراطية منخفضة الحدة" كما جاء في المخطط حرفيا، أي ديمقراطية" النخبة الحاكمة" فقط كما هو حاصل اليوم، وعزلها عن الجمهور العام، واغراقها في ترف فوق الخيال، واسقاطها بفتح خزائن المال وتوثيق السرقة صوتا وصورة.
نحن نعتقد – جهلا وسذاجة - ان الاحداث تبدأ في الربع ساعة الاخيرة، ومن آخر حدث ، بلا جذور ولا مخططات ولا برامج ، لان العقل العربي نفسه عشوائي ، والذاكرة العراقية مخرومة ؛ اذ تم تدميرها بالدم والعذاب والبؤس والفقر والمرض ... ؛ لكي لا تربط بين الاحداث. (2)
وهذا هو مشروع ( محو العراق ) الذي توعدت به الإدارة الأمريكية والذي يقتضي كل هذه الممارسات القذرة والمؤامرات المنكوسة والاجراءات الشيطانية والا فإن السماح بأية زاوية نظيفة او حركة وطنية نزيهة او انطلاقة جماهيرية واعية حرة في العراق ستودي بالمشروع الاستعماري الاستكباري الامريكي والبريطاني التخريبي كله للانكشاف والفشل .
ولم يكتف الاحتلال الامريكي البريطاني بأن جعل العراق بلدًا مستباحًا بلا سيادة ، وساحةً لصراع المصالح والإرادات للدول الأخرى التي ساهمت في خلق الفتنة والتمزق بين المكونات العراقية ، كما أن المؤشرات بعد الانسحاب المزعوم للاحتلال الأمريكي تشير إلى أن المخطط الدولي لتمزيق العراق والهيمنة عليه لم ينتهِ بما وصلنا إليه بعد ؛ اذ ان البريطانيين والامريكان لم يكتفوا بإراقة أنهار الدماء من العراقيين ونهب ثرواته وتسليم أجزاء كبيرة منه للتنظيمات الارهابية المحلية والدولية , بل عملوا على خلق الفتن داخل الاغلبية العراقية وجرها لصراع واقتتال شيعي شيعي , لتحقيق المزيد من الانهيار السياسي و الأمني والاقتصادي والاجتماعي لضمان عدم عودة البلد إلى وضعه الطبيعي السابق وتماشيًا مع المخطط المرسوم للشرق الأوسط، والذي يساعد على تحقيق هذا المخطط المشؤوم , ومن ثم تقسيم العراق العظيم .
..........................................
1- خطط مُبيَّتة لنهب ثروات العراق / عبد الخالق حسين / بتصرف .
2- كيف بدأ الفساد / مصطفى الامارة / بتصرف .