يجب ان يتحلى الزعيم الكبير والسياسي الناجح والمسؤول المؤثر ببعض الصفات ؛ كالوعي والخبرة والحنكة السياسية وسعة الثقافة والاطلاع والارادة والنزاهة والشجاعة والوطنية والمبدئية والقدرة على التفاوض والخطابة المؤثرة , والتواصل مع الجماهير وحبهم والعمل على تحقيق مصالحهم والاحتكاك بالمجتمع وحمايته من كافة الاخطار ... الخ ؛ والكثير من السمات الاخرى والتي يجب توافرها فيمن يتولون مهمة القيادة والزعامة والحكم لاسيما في الأوقات والمنعطفات التاريخية الحرجة التي يرتهن بها مصير الأمة ويتحدد مستقبلها , فالقائد والزعيم له دوران اساسيان احدهما داخلي والاخر خارجي , والداخلي يتمثل في قدرته على حل المشاكل وعلاج الظواهر المرضية وازالة المعوقات وحلحلة الازمات واشاعة الامن والامان والاستقرار والنهوض بالمجتمع ودفع عجلة التطور والبناء والاعماء والتنمية نحو الامام , وكذلك لديه القدرة على القيادة والتوجيه والإرشاد من أجل تغيير الأفراد والجماعات والمؤسسات أو المجتمع ككل لما فيه خيره وازدهاره وتطوره ؛ فالزعيم الوطني والقائد الغيور والسياسي الناجح ؛ يعمل من أجل اصلاح المجتمع وتغييره تغييرا ايجابيا حتى لو كلفه ذلك الاصلاح حياته او منصبه ؛ وهذا المائز هو الذي يفرق المبدئي والرسالي عن الانتهازي والنفعي ؛ ولا يوجد أفشل من سياسي لا يستطيع ترجمة اقواله الى افعال وشعاراته الى انجازات , ولا يتمكن من انجاز 5 % من برنامجه السياسي او الانتخابي او غيرهما .
وعليه مبدأ السياسة فن الممكن ؛ تعني قدرة السياسي وحنكته وخبرته و وعيه ومهارته في ادارة المفاوضات وحلحلة الازمات والصمود بوجه التحديات ومعالجتها بالممكن المنطقي والواقعي ؛ والابتعاد عن التهور والسطحية والدوغمائية والشعارات العاطفية والشعبوية الساذجة والتي تؤدي الى تأزيم الامور ورفع وتيرة التوترات والازمات والخسائر , وكذلك امتلاكه ادوات فهم الواقع وتحليل معادلاته وقياس توازناته ؛ والحصول على المعلومة الحقيقية , والتعامل بمرونة وموضوعية مع الواقع وشروطه وتحدياته ، على قدر الإمكانات المتاحة والقدرات المتوفرة ، ومدى القدرة على الربط بين متطلبات اللحظة والثوابت والأخلاق والمسؤولية , وعليه السياسي الوطني لا يستطيع الخروج عن نطاق المعادلات والتوازنات العالمية والمعاهدات السرية والاعراف الدولية , والافلات من دائرة الظروف الواقعية الموضوعية الخارجية فضلا عن الداخلية والتي تتضمن مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية في البلاد، وسياسات وسلوكيات مختلف الجهات الداخلية والخارجية المؤثرة في الواقع، والتوازنات الموجودة في المجتمع والدولة، والروح المعنوية لعموم الناس، وتوجهات الرأي العام، وغيرها من العوامل التي تؤثّر في الواقع.
وبالتالي اذا اجتمعت سياسة الامر الواقع وتمكن السياسي من العمل بصورة حكيمة و واقعية بمبدأ السياسة فن الممكن مع وعي الجماهير وايمانها بقياداتها السياسية ؛ توصلت الدولة – متمثلة بالحكومة والامة – الى حلول مرضية ومعالجات واقعية ومعاهدات لابد منها لاستمرارية النظام السياسي ... ؛ وان لم يتوفر الامران السابقان , تخبط الساسة وتدهورت السياسة الخارجية , ثم انعكست سلبا على الواقع الداخلي , وعندها تتدخل القوى الخارجية وتأخذ ما تريده رغما عن المجتمع والامة والساسة , لتبدأ عملية سياسية جديدة وتحديات دولية اخرى , وهكذا دواليك ؛ وعندها ينطبق علينا المثل الشعبي القائل : (( ما رضه بجزة رضه بجزة وخروف )) .