دفاعا عن التجربة لا حبا بكم
الانجازات الحالية كبيرة مقارنة بعقود الظلام الطائفي الهجين للحكومات البائدة الا انها ليست بالمستوى المطلوب , ولا تليق بقامة العراقي الاصيل والعراق العظيم , ويخطئ من يرمي باللائمة على ساسة الاغلبية فقط , فالجميع اشترك بإراقة الدماء العراقية الزكية بعد عام 2003 , وساهم في نشر الفوضى والخراب والدمار والفساد في كل ركن من اركان الدولة والمجتمع , فقد شن ايتام النظام وازلام البعث ومجرمي التنظيمات الطائفية والتكفيرية والعصابات الاجرامية واجهزة المخابرات المعادية حملات اعلامية شعواء وهجمات عسكرية وغزوات ارهابية طالت جميع العراقيين لاسيما ابناء الاغلبية , وحرقت الاخضر واليابس ولم يسلم من شرها كائن حي على وجه الارض العراقية او مؤسسة حكومية او دائرة خدمية حتى أنابيب نقل النفط والماء وخطوط نقل الطاقة الكهربائية لم تنجو من عمليات التخريب والتدمير .
ولكن هذا لا يعفي ساسة الاغلبية من المسؤولية ولا يبرء ساحتهم مما جرى ويجري الان , فقد تورط البعض منهم بصفقات الفساد , وتعاون البعض الاخر منهم مع الارهاب بصورة مباشرة او غير مباشرة , وتهاون البعض الثالث بأداء مهامه وانجاز واجباته الوطنية والمهنية , بينما كان يعاني الاكثرية منهم من افتقاد المهارات السياسية وجهلهم التام بسياسة الامر الواقع وعدم اتقانهم لمبدأ السياسة فن الممكن , اذ دفعت الاغلبية العراقية ثمنا باهضا جراء تخلف وتحجر وتكلس بعض ساسة الاغلبية من الذين خلطوا الحابل بالنابل .
وكل من دافع عن العملية السياسية , والتجربة الديمقراطية , والحريات المتاحة ؛ والتي جاءت بعد عقود طويلة من تسلط الاجانب والغرباء والدخلاء والعملاء, وحكم الطائفيين والعنصريين والدمويين والدكتاتوريين والظالمين ؛ تعرض لأشرس الهجمات واقذر الاتهامات من قبل الكل الاعداء والاصدقاء , اذ ظن هؤلاء ان كل من دافع عن العملية السياسية والتجربة الديمقراطية ؛ قد دافع عنهم بل عده البعض منهم اومن المستفيدين والانتهازيين والنفعيين ... الخ ؛ ودافع الاعداء يختلف عن دافع الاصدقاء في اطلاق هذه الاتهامات والاحكام الجاهزة بحق كل من دافع عن مكتسبات العهد الجديد , فالأعداء يهدفون من خلال هذه الاتهامات الى اسقاط التجربة والاطاحة بالديمقراطية والرجوع الى مربع الدم والمقابر الجماعية والتطهير العرقي والطائفي ؛ واما الاصدقاء او المحسوبين على الاغلبية الاصيلة ؛ فمنهم السذج والحمقى وانصاف المثقفين والساسة , ومنهم المرتزقة والدونية والمخانيث والجبناء , ومنهم عديمي الوعي والشرف والهوية , ومنهم العاطفيين والسطحيين والقشريين ... الخ .
وليس كل من دافع عن التجربة ؛ فاسدا او مرتزقا او مأجورا او مؤدلجا حزبيا , فبعض الذين يدافعون عن هذه المكتسبات يميزون جيدا بين الساسة والسياسة وبين الاسلام والمسلمين وبين الشيعة والتشيع ... الخ ؛ فهم يدافعون عن العهد السياسي الجديد والعملية السياسية الجديدة لا عن الساسة والمسؤولين , كما يدافع البعض عن الاسلام لا عن التنظيمات الارهابية والتكفيرية , وكذلك نحن عندما ندافع عن الشيعة فإنما نحن ندافع عن مكون اجتماعي كبير ومذهب ديني وتاريخي عظيم وله تاريخ مشرف وانجازات حضارية وتاريخية ويضم مختلف الاعراق والقوميات , فالدفاع عن الشيعة والتشيع لا يعني الدفاع عن الساسة الفاشلين والمسؤولين الفاسدين ؛ ومن يحاول خلط الاوراق و وضع الجميع في خانة واحدة ؛ فإنما يهدف الى ابادة الشيعة واقصاء وتهميش الاغلبية العراقية وحرمانها من حقوقها التاريخية والوطنية كما فعلت حكومات الفئة الهجينة والطائفة السنية الكريمة طوال 83 عام تقريبا .
هذا الكلام ليس تنظيرًا طوباويا او خطابا انشائيا ، وإنما واقع عاشته الاغلبية العراقية المغبونة وطوال عقود من الزمن ؛ فقد عانت الاغلبية الامرين من الحكومات البائدة , حتى وصل الامر بها الى شن اكبر عمليات ابادة وتطهير عرقي وطائفي عرفها التاريخ المعاصر , وسط صمت دولي وعربي مطبق , لذلك نحن وكل الشرفاء يحرصون اشد الحرص على الحفاظ على العملية السياسية وتطويرها بمرور الزمن , وحماية التجربة الديمقراطية والعمل على نشر الاجواء الديمقراطية والمدنية في كل ربوع الوطن , وتربية وتثقيف الاغلبية والامة العراقية على القيم والمثل والمبادئ الديمقراطية والمدنية , ويعلمون علم اليقين ان ما بعد الحق الا الضلال ؛ فلا يوجد بديل للتجربة الديمقراطية سوى الدكتاتورية الدموية , ولا يحل محل العملية السياسية الجديدة غير الانماط السياسية العتيقة والحكومات الهجينة والأيدولوجيات المنكوسة والمعادية للأغلبية جملة وتفصيلا ؛ لذلك يدافع هؤلاء الكتاب الوطنيين عن التجربة بل ويعملون على توعية الاصدقاء وارشاد ابناء الاغلبية ودعوتهم الى اعادة حساباتهم ؛ ولو من باب (ليس حبا بمعاوية بل بغضا بعلي - ع حاشاه - ) ؛ فنحن ودونية الساسة كالمثل القائل : (( اكرم الجلب لخاطر اهله )) اذ اننا نغض الطرف عن فشلهم وفسادهم وعمالتهم وخيانتهم وكسلهم واهمالهم ولامبالاتهم وانعدام غيرتهم الوطنية ونخوتهم العراقية واصالتهم الشيعية ؛ لا حبا بهم واكراما لهم وتصديقا وايمانا بهم ؛ وانما لأجل عيون اطفال وشباب ونساء ورجال وشيوخ الاغلبية العراقية ومصيرها ؛ فقد شاءت سخرية القدر ان يرتبط مصيرنا بهؤلاء , فالذي يصاب بعضة الكلب يرتبط مصيره بمصير الكلب المسعور السائب ؛ اذ يمسي المريض باحثا عن الكلب ؛ كي يسلمه للدوائر الصحية ؛ لينجو بنفسه وليس حرصا على نجاة الكلب .