ما أجشع النفس البشرية. ما أن تحصل على ما سعت جاهدة لإمتلاكه، حتى تعاود الكرّة  في السعي راكضة لاهثة خلف ما تبقى من شوائب الماضي العالقة بدهاليس العقل و القلب.

تعتقد أن بإستطاعتها الحصول على الجميع في آنٍ واحد، ولكنها تغفل عن حقيقة أنها ستدفع ثمن بثمن.

تُقايض السعادة بالتعاسة؛ فتركض خلف مسببات الأم بعد أن ذاقت الفرح أخيراً، مُعتقدةً أن بإستطاعتها إصلاح المكسور و تجميل المشوه بعد أن إستمكنت مما قدم ضمانات السعادة والتبجيل الأبدي لها.

تسعى راكضةً خلف القبح، وخلف الخيانة، وخلف الألم، وخلف الحياة الرمادية العالقة في فضاء فارغ لا يُعرف له ماضي، ولا يَعرف ما تعنيه كلمة مستقبل. عالم فارغ قد أختلط بياضه بسواده، فلا هو نقيّ ساطع، ولا هو كاحل موحش. تداخل الجمال والقبح فيه فأفسد جوهره. فلا هي بقادرة على فك شفرته الغامضة، ولا هي بمستطيعة الأمل في روحه و قلبه.

هذه النفس الجشعة قد ذاقت معنى الحرمان والذل والقهر. ولكنها رغم ذلك كانت صاحبة ألم لا يخلو من أمل عظيم. كانت آمالها طيور مشرقة تُزقزق كل صباح مرسلة نغمات موسيقى عذبة لمستقبل باهر يشع نوراً و عطراً وفرحا. كانت تؤمن بأن ماتمر به في حاضرها هو القهر بعينه، هو الظلم، هو الكفر في صورة ألم يعذب نفساً بنفس. لكنها حين وجدت أخيراً خلاصها، بل حصلت على أكثر مما تريد، فإذا بها كافرة للنعمة، مُشفقة على عالمٍ قاتم تكاد تخنقه ظلمته و جهل روحه.

ما أجهلهم جميعاً يخسرون الخير بأيديهم، ويستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير.

يكفر العقل حين يعي صحة إيمانه ليتنازل و يضعف أمام القلب؛ فيخر صاغراً غير قادرٍ على كبح جِماحه والسيطرةُ عليه. تباً لعقل فكّر وقدّر فقُتل كيف قدّر.