ولعل من اهم اسباب تخبط الساسة في دول العالم الثالث وفشل السياسات العامة , ان الساسة فيها لا يصارحون شعوبهم بما يحدث وراء الكواليس , ولا يخبرون المواطنين باتفاقيات الطاولة المستديرة في الغرف المظلمة , بل انهم يكذبون حتى فيما يخص الشؤون الداخلية والقضايا الخدمية ؛ فهم يعتقدون ان بقاء حكوماتهم الهزيلة يعتمد على الدهاء وخداع الجماهير وان جوهر السياسة يعني الكذب المفرط والتدليس والتزوير , لذلك كانت و لا زالت حكومات تلك الدول الفاشلة تكذب على الناس وتخدع الجماهير بالشعارات والمسرحيات المفتعلة والدعوات الباطلة والأيدولوجيات المتخشبة , وبالتالي صارت شعوب تلك الدول ضحايا لتلك الحكومات وتلك الوعود المخادعة والاكاذيب المضللة واصيبت بشتى الامراض المزمنة ؛ والعجيب ان بقاء الحكومات في تلك الدول الفاشلة مرهون باستمرار ماكنة الكذب والدجل والتدليس والتمثيل لان اغلبها حكومات عميلة او واقعة تحت تأثير الضغوط الدولية القاسية ؛ بينما الحكومات الكاذبة تنهار في الدول المتحضرة ,والرئيس الكذاب لا يبقى في منصبه هناك ...!!
ان العيش وسط اجواء الاكاذيب والادعاءات والافكار والدعوات والرؤى الدوغمائية والطوباوية والفنتازية ؛ يؤدي الى الحاق افدح الاضرار بالوطن والمواطن , بل حتى بالسياسي العميل والمسؤول الفاشل احيانا , وقد اعترف الكثير من السياسيين والمسؤولين والناشطين بذلك ؛ و تخلوا عن شعاراتهم الطوباوية واطروحاتهم الدوغمائية ، لان حبل الكذب والاوهام قصير كما يقولون ؛ وجاء في المثل الشعبي ما يؤكد ذلك : (الشمس لابد تطلع على الحرامي) اذ لابد لشمس الصدق والحق والواقع والمنطق ان تشرق وتبدد غيوم الاوهام والاكاذيب والافكار غير العملية والرؤى البدائية والدعوات الساذجة والميتافيزيقية ... ؛ نعم البعض من هؤلاء اقتنعوا بالمدرسة الواقعية ومبدأ ( السياسة فن الممكن ) الا انهم لم يقتنعوا بضرورة قول الصدق ومصارحة الشعب , وان جاء هذا الاقتناع والتغيير البطيء بعد خراب البصرة ؛ فبعد أن جرّبوا طويلًا رسم سياساتهم بالاعتماد على التنظير والأيديولوجيا والعاطفة و الشعبوية والمطالب المستحيلة ومصارعة الاقوياء ومعاداتهم ،و فشلوا فشلًا ذريعًا في تحقيق أهدافهم وتغيير الواقع نحو ما يؤمنون به ... ؛ حيث عجز القوميون عن تحقيق الوحدة او ازالة الرواسب والعوائق الكثيرة بين شعوب واقوام الدول العربية , والاسلاميون عن تطبيق الشريعة في كافة مفاصل الدولة وإرساء الاخلاق والقيم والمثل السامية في المجتمع , فضلا عن استعادة امجاد الامة الاسلامية السابقة , وكذلك فشل الشيوعيون في استمالة الناس اليهم وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة والقضاء على الفوارق الطبقية ومقارعة الرأسمالية وافشال مخططاتها على ارض الواقع , وكذلك الليبراليون والديمقراطيون وغيرهما فقد فشلوا في نشر قيم الحياة المدنية وتحقيق المشاركة الفعلية والحقيقة للشعب في تكوين الحكومات وصنع القرارات , وبناء دولة القانون والمؤسسات والحريات ... الخ .
فهذه المعمعة تقوم على ثنائية كذب الساسة وافتقارهم الى اتقان مهارة ( السياسة فن الممكن ) وستبقى الاغلبية والامة العراقية تدفع الثمن جراء هذه السلوكيات الهجينة والسياسات المتخبطة , ولا تزدهر البلاد وتتطور المحافظات وتتغير اوضاع المواطنين نحو الافضل الا من خلال حلحلة هذه الثنائية المقيتة , والعمل وفقا للرؤى العلمية والواقعية والحقيقية والمتعبة في حكومات دول العالم المتحضرة , والحكومات التي تحترم شعوبها وتعمل على رفع مستوى الوعي والمواطنة لديها .