منذ القدم والابتلاءات والمصائب تترى , والازمات والانتكاسات تتوالى على بلاد الرافدين والامة العراقية , وكالعادة اخذت الاغلبية الاصيلة منها حصة الاسد , ومن أشد ما بلينا به نحن واسلافنا ؛ الفكر الدوغمائي , والشخص الدوغمائي , والاحزاب والجماعات والحركات والتيارات والموجات الدوغمائية .

والشخص الدوغمائي :  هو شخص حصر عقله في إطار الجمجمة التي تحتويه ، فلم يعد بإمكانه التفكير خارجها ؛ او تقبل ما تنتجه العقول الاخرى ؛ ومما قاله المفكر محمد أركون بهذا الصدد : (( العقل الدوغمائي  : هو عقل تقليدي ، تكراري ، مسجون داخل سياج دوغمائي مغلق ، ومعنى السياج الدوغمائي المغلق أن كل مذهب يعتبر نفسه هو الصحيح ، و البقية ضلال في ضلال …)) .

اذ إن صاحب العقل الدوغمائي يعيش حالة من الوهم القَبَلي الذي تحدَّث عنه “فرنسيس بيكون” في الأورغانون الجديد … ؛ و هذا الوهم المُتأصِّل في عقل هذا الشخص ، كتأصُّل التعصُّب للانتماء في نفس الإنسان القبَلي البدائي ؛  فالشخص الدوغمائي لديه اعتقادات راسخة حول حقيقته هو ، إنه ينظر إلى هذه الحقيقة من زاوية واحدة ، فيستنبط أحكامه اعتماداً على تلك النظرة الأحادية الجانب ؛ اذ يعتبر نفسه هو معيار الحق لا غير ؛ ومن الواضح إن من يُلازمه هذا الوهم لا يستطيع أن ينظر أبعد من أنفه ، فيتصور أن حقيقته الخاصة هي الوحيدة ، وهي آخر الحقائق وأسماها ، فيزهو متبختِراً بها ، معتقِداً أن تمَسُّكه بها فضيلة الفضائل ، وأنه بالتزامه بها يثأر لتاريخه وتراثه  او مذهبه وعقيدته او عرقه وقوميته او حزبه وجماعته او فكره ودعوته وأيدولوجيته ؛ وانه اخر رجال الموهيكانز , وبقية السيف …!!

يريد منا السياسي او رجل الدين او المسؤول او الحزبي او المثقف الدوغمائي ؛ ان نقدم له فروض الطاعة والولاء ؛ وان نعتقد ان الحق معه دائما وابدا يدور حيثما دار , وان نقر له بانه وحيد عصره وفريد دهره , فهو يرى نفسه  المبدع الوحيد في العراق بل في العالم العربي والمنطقة وصولا للمريخ والزهرة ، وهو المحتكر  الاول والاخير للدين والمذهب والقومية والحق والكلمة والحكمة ؛ اذ لا يملك الفكر غيره  ولا يتصف بالحمية العراقية او الغيرة الوطنية  او الاصالة او التقوى او النزاهة  او المهارة والكفاءة او الاخلاق  سواه ؛ وبالتالي يصبح احتكاره للوطن تحصيل حاصل ؛ و الحوار مع مثل هكذا شخص او حزب او جماعة يكون اشبه بحوار الطرشان او تشخيص الالوان من قبل العميان … .

فمن الممكن والحال هذه ؛ ان يقوم هذا الشخص الدوغمائي او ذلك التيار ( القافل) او تلك الجماعة المنغلقة المتخشبة بتهديم كل ما تم بناءه , وتخريب كل ما تم تشييده , وتضييع جهود العراقيين الاصلاء والتفريط بحقوقهم وامتيازاتهم وتعريض العراق والاغلبية للخطر والهلاك والهاوية ؛ فقد يجني هذا المغرور او ذلك المعتوه على امة كاملة ويجعلها تتجرع كؤوس المنون والذل والحتوف ؛ اذ يرتبط مصير الامة بتقلبات مزاجه وتبدل اهواءه وتراكيب ذاته المعقدة فضلا عن ارتباطاته الخارجية المشبوهة ؛ وتتكرر الاسطوانة المخرومة المنكوسة ( اذا قال صدام قال العراق )  .