من المؤلم ان يستيقظ الشاب صباحا ؛ وبداخله شعور بالاسى والقلق حيال عمله كسائق ( التكتك ومن لف لفه من مكاريد الشباب والعراقيين ) اذ تتراءى امام عينيه صور مطاردات الشرطة والدوريات ومضايقات رجال المرور اليومية , وازعاجاتهم الروتينية , و التي تنغص يومه وتعكر مزاجه ... , فالكل يشعر بانه مطلوب ومطارد , والجميع يعلم بأن موظفو الحكومة ولاسيما رجال الامن منهم يعاملون المواطن كعدو او مواطن من الدرجة الثانية في افضل الاحوال ... , وبالتالي يعيش المواطن القلق والاضطراب ... , ولعل سائل يسأل هل وظيفة الاجهزة الامنية والدوائر الحكومية زرع الامل والطمأنينة والامان في قلوب المواطنين ؛ ام العكس , وهل واجبها تسهيل معاملات الناس والرفق بهم والاحسان اليهم , وبذل الجهود الحثيثة لرفع مستواهم المعاشي من خلال تقديم افضل الخدمات والارتقاء بالواقع الاقتصادي والصحي والتعليمي والثقافي والاجتماعي ... الخ ؛ فضلا عن انجاز منظومة البنى التحتية الرصينة والمتكاملة ؛ ام وظيفتها تعسير السهل وتعقيد الامور ومحاربة العباد وتدمير البلاد ...؟؟!!
من يعتقد ان المشكلة في ( التكتك) او ان سبب الخرق الامني يكمن في الدراجة ؛ فهو واهم , فالقضية تتعلق بأصحاب ( التكاتك ) والدراجات والستوتات ... الخ ؛ بتعبير ادق : ليست التكتك من تدفعهم للمشاركة في التظاهرات , ولا الدراجة تغيرهم بالاغتيالات او مخالفة القوانين ؛ انما ظروفهم هي من تجبرهم على فعل ذلك ؛ والانسان ابن بيئته كما يقولون ؛ وابن البيئة المظلومة والمحرومة ناقم دائما وابدا , وابن البيئة المهملة والجاهلة والمهمشة قد يعمد لارتكاب الجرائم ... , وهكذا ؛ فليس من المنطقي والعملي , ان يصدر المشرع العراقي قرارات تمنع سياقة التكتك او الدراجة ؛ لمجرد ارتكاب جريمة او اكثر بهما , ولو ان المسؤولين ورجال الامن والقانون في العالم ؛ منعوا كل وسيلة نقل من السير في الارض او البحر او السماء لمجرد ارتكاب اصحابها جرائم فيها او بواسطتها ؛ لما بقت في حياة بني البشر وسيلة يقطعون بها الفيافي والبحار والسهول والانهار غير اقدامهم ...!!
فالعلة لا تكمن في وسيلة النقل بل بصاحبها و ظروفه وقوانين بلده وكفاءة اداء اجهزة ودوائر حكومته , وها هي دول العالم توجد فيها مختلف وسائل النقل الجوية والبحرية والنهرية والبرية ؛ ومع ذلك الامن فيها مستتب , ومصالح الناس تسير بسهولة وانسيابية , ولا توجد مشاكل في البين ؛ لان القوانين العملية موجودة , والكل ملتزم بالنظام والقانون , والحكومات هناك تعمل اناء الليل واطراف النهار على خدمة مواطنيها .
وطالما عانى العراقيون الاصلاء من ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ من الاتهامات الجاهزة والادعاءات المفبركة ولغة التعميم التعسفية ؛ ومن ضمن هؤلاء الذين تعرضوا للنقد الهدام والتعميم ؛ اصحاب ( التكاتك ) وقد تعرض لهذه الهجمة الاعلامية والشعبية الشرسة من قبلهم اصحاب الدراجات النارية , و من قبلهم سواق ( الريم والكوستر والكيا واللوريات ) ايضا , وكلامنا هنا لا يعني اتصاف هؤلاء جميعا ؛ بالأخلاق والذوق والكفاءة والمهارة والالتزام بالقانون ؛ اذ لكل قاعدة شواذ , وكما يقول المثل الشعبي العراقي ( ماكو زور يخله من الواويه ) ؛ففي كل مهنة وفي كل ملة ؛ يوجد الصالح والجيد وكذلك يوجد الطالح والسيء ؛ واغلبنا شاهد الفيديو الذي انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي والذي اظهر احد اصحاب السيارات الحديثة الباهظة الثمن ( جكسارة) وهو يسرق (كارتونة ماء ) من احدى المحلات ... ؛ فاتهام اصحاب (التكاتك ) بانهم سراق ومنحطون وساقطون ... الخ ؛ غير صحيح , فقد رأيت البعض منهم من اصحاب الشهادات الجامعية ... !!
ومن المؤكد ان الدخلاء والعملاء والغرباء واتباع الخط المنكوس عندما ينتقدون هذه المهنة او تلك ؛ وينتقصون من اصحابها , لا يقصدون بتلك الاتهامات والافتراءات والاحكام التعسفية الجاهرة واستخدام لغة التعميم الباطلة ؛ المهن او اصحاب تلك المهن فحسب ؛ بل المقصود البيئة الاجتماعية الحاضنة لأصحاب تلك المهن , او الاصول النسبية والجذور العرقية والقومية التي يرجع اليها اغلب اصحاب تلك المهن , فهؤلاء يرون اصحاب المهن مخطئين في كل الاحوال وبغض النظر عن الظروف ؛ لانهم مؤدلجون بالفكر المنكوس الحاقد على ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ لذا تراهم ينبزون العراقيين الاصلاء ب : (( فلح – عمالة – دوارة – عتاكة – زبالة – عربنجيه - سواق – اهل التكاتك – اهل سوق مريدي ... الخ )) .
ومن العجيب ان الذين كانوا يكيلون الاتهامات لأصحاب التكاتك ؛ انقبلوا 180 درجة كما يقولون , وبدوءا بالهتاف لأصحاب التكاتك بالشعار المعروف ( ابو التوكتك علم ... !! ) عندما اندلعت التظاهرات والاحتجاجات الشعبية وما رافقها من احداث مؤسفة , وتحولت ( التكتك) الى ايقونة الاحتجاجات العراقية ؛ وذلك بسبب الاعمال الوطنية والانسانية التي قام بها اصحاب التكاتك ؛ فقد تركوا أعمالهم وقاموا بإسعاف الجرحى والمصابين ؛ جراء المواجهات والتي وقفت خلفها العديد من الجهات والدوائر الاجنبية والخارجية الحاقدة ... ؛ وقد اختلطت دموع اصحاب التكاتك بدماء اخوته العراقيين من ابناء القوات المسلحة والمتظاهرين ؛ لتنصهر في بوتقة الوطنية الصادقة ؛ والتي انتجت فيما بعد ؛ شريحة عراقية راقية , تؤمن بالوطن وتسعى لخدمته بالوسائل السلمية والواقعية , وتحذر من الانجراف خلف مخططات الاعداء الذين يسعون لسفك الدم العراقي الطاهر .
ولا غرو في ذلك فهؤلاء يمثلون ضمير الامة و جوهر الهوية العراقية العريقة ؛ كما كان اباءهم واسلافهم من قبل , وكل حدث وطني عظيم يقترن بوجودهم , فما من حدث او انعطافة تاريخية خطيرة او انجازات كبيرة الا وكان هؤلاء من وراءها , وهذه الظواهر والشكليات لا تغير من حقيقة الامر ؛ فسواء كانوا سواق ( تكسي او كيا ) او اصحاب ( تكتك او ستوته او عربانه ) او كانوا ( عمالة ) او من ابناء الحشد الشعبي ... الخ ؛ يبقون هم ملح الارض , و ولد (الملحة) , وابناء الحضارات الاولى , والامجاد الغابرة , والعشائر الرافدينية العريقة , واحفاد جماجم العرب ... الخ ؛ فهم الهوية والشعار وهم القضية والدثار .
للبعض الحق في انتقاد استيراد ( التكتك) واعتبارها عجلة فاشلة ... الخ ؛ ولكن بما أن الامر قد اصبح واقعا , وقد ترتب عليه الكثير من الامور ؛ ينبغي علينا معالجة التداعيات بالحلول الواقعية الناجعة , لذلك كل الدعوات المطالبة بإلغاء وجودها في الشوارع باءت بالفشل , حتى ان البعض استغرب من ارتفاع سعرها , بل وصوله الى سعر السيارة الايرانية ( السايبا ) احيانا... ؛ وان دل هذا على شيء فإنما يدل على قوة الطلب .
طريقة علاج الامور في بلدان العالم الثالث المغضوب عليها ولاسيما العراق ؛ عجيبة غريبة , فمن باب تقوم تلك الانظمة السياسية بإطلاق شعارات استصلاح الصحراء و زراعتها ؛ واذا بهم يجرفون الاراضي الزراعية او يسمحون للمواطنين بفعل ذلك , بحجة البناء والعمران ؛ بينما كان الاولى بهم الابقاء على سلامة الاراضي الزراعية وتوسيعها , والبناء في الصحارى والاراضي غير الخصبة , بدلا من تدمير الاراضي الزراعية والبناء فيها , وبذل الجهود والاموال لاستصلاح الاراضي الصحراوية والمالحة ... الخ ؛ او استيراد الخمر مثلا , ثم اخذ الضريبة عليه من قبل وزارة المالية , ثم بيعه في الفنادق واخذ الضريبة على تلك الاماكن من قبل وزارة السياحة , وكانت تستورده وزارة التجارة سابقا , بالإضافة الى اعداد البعض من المشروبات الكحولية في المصانع المحلية , وبالتأكيد كانت تلك المصانع مجازة رسميا وتأخذ الدولة منها ضرائب ورسوم , وحتى محلات بيع الخمور الموجودة في البنايات والمجازة رسميا , تأخذ الدولة منها ايضا ضرائب , ومع كل ذلك المواطن مطارد من قبل الاجهزة الامنية والتي اغلب عناصرها من ( الخمارة ) بحجة منع الشرب او بيعه ؛ بل ان البعض اتهم بعض العناصر الامنية المخربة والفاسدة بتسهيل انتشار المخدرات تحت غطاء محاربة المشروبات الكحولية ...!!
او ان تمتنع الحكومة من توزيع الاراضي الشاسعة وغير المأهولة بالسكان على المواطنين من الذين لا يملكون دارا او ارضا في الوطن , وعندما تقوم بعض الجهات السياسية او الشخصيات المدعومة بتوزيع تلك الاراضي على المواطنين وبيعها بأسعار مرتفعة , وعندما يصرف المواطنون على تلك الاراضي الاموال الكثيرة لبناء البيوت والدور , ومن ثم بذل الاموال والجهود لإقامة البنى التحتية في تلك المناطق ... الخ ؛ وبعد كل هذه الجهود والاموال والتي كانت تنظر اليها الاجهزة الامنية والدوائر الحكومية منذ البداية نظرة المتفرج اللامبالي , تقوم تلك الاجهزة والدوائر بإزالة تلك الدور والبيوت , او تهديد اصحابها بين الفينة والاخرى , ولعل هذه الحالات العجيبة الغريبة تعتبر مصداقا للمقولة الشعبية الشهيرة : (( لا ارحمك ولا اخلي رحمة الله تجيك ...!! )) .
وكذلك قضية التكتك ؛ فقد تم استيرادها من قبل بعض التجار المرتبطين بالجهات والشخصيات السياسية , ودخلت الى العراق بصورة رسمية , واخذت دوائر الدولة عليها الضرائب والرسوم , ومنذ البداية عرف العراقيون فضلا عن موظفي الحكومة ؛ بانها وسيلة من وسائل النقل , واستمر استيرادها لعدة سنوات على مرأى ومسمع من دوائر الحكومة , وبعد كل هذه الاموال الطائلة التي صرفت على هذه الالية , وبعد كل تلك الجهود وعمليات الاستيراد ... الخ ؛ تعالت بعض الاصوات الحكومية بضرورة مصادرتها وتدميرها وسحقها وتنظيف الشوارع منها , والادعاء بان المستورد عندما استوردها لا بعنوان انها وسيلة من وسائل النقل ( كالستوته ) بل انه استوردها بعنوان انها لعبة من العاب الاطفال ...!!
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة *** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم