في صيف عام 1888م , قبل لورد دوفرين دعوة صديق له للنزول عليه في قصره بريف إيرلندا . وفي 14 يونيو ذهب إلى فراشه , لكنه عانى من أرق منعه من النوم. لم يستطع أن يغفو إلا عند منتصف الليل , إلا أن الإغفاءة لم تدم طويلا , واستيقظ فجأة , ليجد تغييرا غريبا طرأ على جو الحجرة, أحس بجو الحجرة كما لو كان مشحونا بالكهرباء.
كان ضوء القمر خارج الحجرة ينعكس على جانب الحديقة الذي تغطيه الحشائش, ويلقي بانعكاساته على الأشجار الكثيفة من خلفه. وميز لورد دوفرين وسط همس الريح صوت أنين ممطوط !
ترك سريره واتجه إلى باب الشرفة المرتفع ففتحه, وخرج منه إلى الشرفة التي تقود إلى الحديقة ...
نظر حوله باحثا عن مصدر الصوت, كان من الواضح أن الصوت يصدر من منطقة الظلال التي يلقيها صف الأشجار.
بينما كان دوفرين يحدق في الظلام, رأى شيئا يتحرك وسط هذا الظلام, مع تواصل الأنين والأنفاس اللاهثة, ثم خرج جسم من الظلام, وسقطت عليه الأشعة القوية للقمر المكتمل, كان رجل يترنح في مشيته تحت وطأة ذلك الذي يلفه والذي كان أشبه ما يكون بالكفن!.
أسرع دوفرين, فخطا عدة خطوات إلى الأمام وهو يصيح " انتظر أنت هناك؟ .. ما الذي تحمله معك؟ .. كان مقتنعا أن الذي يتحرك رجل يحمل شيئا يلتف حول جسده وينسدل على رأسه.
في مواجهة هذا التحدي من جانب دوفرين, رفع الرجل رأسه من تحت الأحمال التي ينوء بها, ورأى دوفرين وجها قبيحا ومنفرا إلى أبعد حد, مما جعله يتقهقر خطوة إلى الخلف, وقد حفرت معالم الوجه الممسوخ في أعماق عقله.
حاول أن يستجمع أطراف شجاعته, فصاح قائلا " أين تمضي بهذا الذي معك؟ " , وعندما تقدم عدة خطوات ناحية الرجل , كانت دهشته بالغة عندما رأى الرجل يختفي فجأة بما يحمل, دون أن يتحرك مكانه!!
لم تكن هناك أي آثار لأقدام , على الحشائش المبتلة بالندى, لا شئ غير ضوء القمر, وأصوات الليل المألوفة! عاد دوفرين إلى حجرته, وسجل في مفكرته تفاصيل الحدث الغريب الذي جرى له.
بعد افطار الصباح التالي, استفسر دوفرين من مضيفه, فعرف أنه لم تحدث وفاة لم يجر دفن منذ وقت طويل في القرية التي يقع القصر قريبا منها, كما لم تلاق صورة الرجل الذي يحمل الكفن أي صدى من المعرفة لدى أحد.
وبقي غموض هذه الواقعة على حاله لمدة عشر سنوات, وإذا كانت تفاصيل الواقعة قد بهتت بعض الشيء في ذاكرة لورد دوفرين , إلا أن صورة ذلك الوجه القبيح بكل ما تعكسه من كراهية , بقيت محفورة في ذاكرته بكل حدتها.
عند مصاعد جراند أوتيل بباريس تجمع عدد من رجال السلك الدبلوماسي , في انتظار أن تحملهم إلى قاعة الاستقبال التي كان يقام بها أول و أضخم حفل استقبال دبلوماسي لموسم عام 1898م , وعند أحد المصاعد تجمع عدد من السفراء وكبار رجال السفارات , وكان من بينهم لورد دوفرين السفير البريطاني في باريس وعندما وصل إلى المصعد , وقبل أن يخطو الخطوة التي ستقوده إلى داخل المصعد , توقف وقد شحب وجهه , ومد يده يمنع سكرتيره من المضي إلى داخل المصعد , واستدار مبتعدا معتذرا بمرض مفاجئ وقد ظهر عليه الاضطراب الشديد , لقد وقعت عيناه على عامل المصعد , وتذكر بهزة رعب شاملة , انه نفس الوجه !
كان وجه عامل المصعد يحمل نفس النظرة الخبيثة , ونفس الملامح الممسوخة , وكان له نفس الجسم المربوع المدكوك .
استطاع دوفرين أن يتمالك نفسه بمجهود خرافي , وابتعد مستندا على سكرتيره إلى مقعد قريب , وعندما أغلق باب المصعد , وتحرك مرتفعا , نهض دوفرين متجها إلى مكتب مدير الفندق , لقد كان مصرا على معرفة هوية ذلك الرجل , ومن أين يأتي , ومنذ متى يعمل في الفندق ؟ ولكن قبل أن ينجح مدير الفندق في الإجابة عن أسئلته المتلاحقة , وصل إلى أسماعهم صوت ارتطام فظيع...
و اكتملت الصورة , عندما اندفع سكرتير لورد دوفرين إلى حجرة المدير حاملا الخبر اليقين: أنه حادث فضيع !
عندما ارتفع المصعد إلى الطابق الخامس وكان يحمل اثني عشر رجلا , انقطع السلك الغليظ الذي يحمله بطريقة غير مفهومة , وتحطم المصعد في البئر السفلي , وقد أصيب جميع من به بإصابات شديدة, ومن بين الذين ماتوا, كان عامل المصعد !
من كان ذلك الرجل ؟ لم يستطع أحد أن يجيب عن هذا السؤال فهو لم يكن مسجلا ضمن قوائم العاملين بالفندق !
لكن لورد دوفرين كان واثقا من شيء واحد : لقد رأى شبح عامل المصعد هذا , منذ عشر سنوات !
وهكذا , أنقذ لورد دوفرين نفسه من مصعد الموت , ويعود الفضل في ذلك إلى وجه رآه داخل المصعد , وكانت ذكرى ذلك الوجه تطارده منذ عشر أعوام.
كان وجها قبيحا ممسوخا , مشئوما , ينبض بشر لا يصدق , وكان لورد دوفرين قد طالع تلك الملاح على وجه شبح من الأشباح !!
لم يكن لورد دوفرين رجلا عاديا , بل كان شخصية هامة مرموقة , عمل كحاكم عام لكندا و ونائبا للملك في الهند , وسفيرا لبلاده في روما و موسكو , وكان طوال حياته ينكر بشدة كل ما يتصل بما وراء الطبيعة من الظواهر الخارقة و الأشباح حتى صيف عام 1888م , عندما رأى ذلك الوجه لأول مرة , ولم يفارق ذاكرته بعد ذلك أبدا.
- كتاب : 30 ظاهرة خارقة حيرت العالم .