لو اصيبت هذه الدولة او تلك بأشد الكوارث والازمات والنكبات الطبيعية او الاقتصادية او الصحية او السياسية او الانسانية او العسكرية ... الخ ؛ ولم تقدم الدول الخارجية لتلك الدولة المنكوبة شيئا يذكر او دعما ماديا ؛ لا ضير عليها ولا حساب , اذ لا يوجد في القانون الدولي ما يلزم الدول على تقديم مساعدات إنسانية بحجم معين في مواجهة الكوارث الطبيعية التي تضرب أي دولة في العالم، لكن هناك التزام أخلاقي من الدول والمنظمات غير الحكومية بتقديم المساعدات الإنسانية "من أجل إنقاذ جماعة بشرية في حالة خطر مؤكد"... ؛ فلا يوجد في البين ولو حد أدنى من الإلزام القانوني يدفع الدول الخارجية لتقديم المساعدات للدول المنكوبة الاخرى ... ؛ نعم هنالك عدة اتفاقيات دولية تخص النزاعات وحقوق الانسان الا انها لم تفعل بالصورة الصحيحة .  

الدول الخارجية تعتبر نفسها غير معنية او ملزمة بتقديم المساعدات للدول المنكوبة ؛ فما بالك بالدول الاخرى والتي تحتاج المساعدات لأسباب اخرى ؛ لا تتعلق بالكوارث الطبيعية والبيئية ...؟

المساعدات الخارجية والدعم الدولي لا يقدم لوجه الله او لأجل عيون البشرية المعذبة والبائسة والمحرومة ؛ اذ طالما اقترنت المساعدات  بالتدخلات , والدعم الخارجي بالنفوذ الاجنبي في هذا البلد او ذاك , لان الحكومات والانظمة السياسية ليست منظمات انسانية او مؤسسات غير ربحية تستهدف انقاذ بني البشر من مشاكلهم وهمومهم ... ؛ بل قوى سياسية نفعية متصارعة جل همها الانتصار على الاخرين , والاستحواذ على مقدرات الدول والشعوب الاخرى لاسيما الضعيفة منها وتوسيع دائرة نفوذها وتأثيرها  ... ؛ ولا يعني الصراع في بعض الحالات استخدام الاسلحة الفتاكة والتقنيات العسكرية  ؛ اذ توجد الاسلحة الناعمة والحرب الناعمة والمتمثلة بعدة صيغ ونماذج ومنها : الاعلام والثقافة ومنظمات المجتمع المدني  وتقديم المساعدات ... الخ .

فأغلب الجهات والانظمة والدول الخارجية عندما تقدم المساعدات لهذا البلد او ذاك ؛ انما تهدف من وراء ذلك الى تلميع صورتها او اخفاء حقيقتها الشريرة ونواياها الخبيثة تجاه ذلك البلد , او ايجاد موطئ قدم لها في تلك الدول عن طريق منظمات المجتمع المدني والانشطة الانسانية والفعاليات الثقافية والمراكز الاعلامية وما الى ذلك , او لخلق حالة جديدة في المجتمع من خلال كسر الحواجز الممانعة للتواجد الاجنبي واقناع الجماهير بفائدة التواجد الاجنبي بل بضرورته احيانا ... الخ .  

وقد فطنت بعض الحكومات والانظمة السياسية لهذه المخططات والمخاطر السياسية للدول الخارجية والرامية الى التدخل في الشؤون الداخلية عن طريق حصان ( طروادة ) المساعدات الانسانية والدعم الخارجي ؛ ومن هذه الدول التي شرعت القوانين لحماية امن وسيادة بلادها من خطر المساعدات المشبوهة ؛ روسيا , وقد حذت جورجيا حذوها  ؛ في اقرار قانون التأثير الاجنبي ؛ والذي يحد من التدخلات الخارجية بحجة تقديم المساعدات الانسانية وغيرها للمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في جورجيا , فقد صوت البرلمان الجورجي يوم الثلاثاء الموافق 14/ 5/ 2024 على قانون (( التأثير الاجنبي )) او قانون ((  العملاء الاجانب ))   على الرغم من  بعض التظاهرات المعارضة  ضد نص القانون ؛ الذي يقول  عنه معارضوه  : إنه يتماهى مع قانون روسي، ويُبعد تبليسي عن مسارها الأوروبي ويقرّبها من موسكو التي رحبت بالتصويت... ؛ وصوّت النواب خلال القراءة الثالثة والأخيرة بغالبية 84 صوتاً مؤيداً مقابل 30 صوتاً معارضاً على مشروع القانون  ... . 

وقد تجمع  نحو ألف جورجي أغلبيتهم من الشباب  منذ مساء الاثنين، أمام البرلمان في العاصمة تبليسي احتجاجاً على مشروع القانون الذي انتقدته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والذي تترشح جورجيا للانضمام له... ؛ و أعلنت وزارة الداخلية الجورجية  عن اعتقال 20 من المشاركين في تلك الاحتجاجات في العاصمة تبليسي ، بينهم أمريكيان وروسي ... .

واغلب هؤلاء المتظاهرين من الذين يرغبون بانضمام جورجيا الى الاتحاد الاوربي والدوران في فلك النفوذ الغربي والامريكي  والابتعاد عن دائرة النفوذ  والتأثير الروسي ؛ ومن اصحاب المؤسسات الاهلية ومنظمات المجتمع المدني وعناصرها ؛ وتتشابه أطروحات هذه المنظمات في كثير من الأحيان، كالدعوة لتحرير الأسعار وتشجيع الاستثمارات الأجنبية على نحو تقول الحكومة إنه يضر بالمنتجين الجورجيين ، وكذلك الانضمام إلى العقوبات المناهضة لموسكو والالتزام بالتوجه الأوروبي الأطلسي لتنمية البلاد ... ؛ وتعتبر الأصوات المناهضة للقانون داخل جورجيا والذي تصفه بـ"الروسي" أن من شأن إقراره استهداف أنشطة المنظمات الغربية والمتعاونة معها داخل البلاد  ؛  واستنادا إلى بيانات رسمية، هناك حوالي 10 آلاف منظمة غير ربحية ومنظمة غير حكومية في جورجيا يعمل الكثير منها بشكل فاعل مع الرأي العام وتوصف بأنها تحاول التأثير على قرارات الحكومة ؛ لصالح الغرب والقوى الخارجية . 

وينص القانون  على إلزام أي منظمة غير حكومية أو مؤسسة إعلامية تتلقى أكثر من 20% من تمويلها من الخارج ، بالتسجيل باعتبارها "منظمة تسعى إلى تحقيق مصالح قوة أجنبية"... ؛ وتقول الحكومة :  إن هذا الإجراء يهدف إلى إجبار المنظمات على إظهار قدر أكبر من "الشفافية" في ما يتعلق بتمويلها... ؛ وسيؤدي عدم الإبلاغ عن التسجيل وإخفاء مصادر الدخل إلى غرامة قدرها 25 ألف لاري (حوالي 10 آلاف دولار) ؛ او حتى الإغلاق  كما ادعى بعض المعارضين  ... ؛ لكنه لا يشمل المنظمات التي أسستها الهيئات الإدارية والاتحادات الرياضية.

وقال رئيس الوزراء الجورجي إيراكلي كوباخيدزه ، في خطاب متلفز يوم الاثنين، إن البرلمان سيصوّت اليوم على مشروع القانون "تبعاً لرغبة أغلبية السكان" وسيتبناه في قراءة ثالثة... ؛ واعتبر كوباخيدزه أن بلاده إذا قدّمت تنازلات "فستخسر سيادتها وتلقى مصير أوكرانيا نفسه" ، مشدداً على أنه "لا أحد خارج جورجيا يمكنه أن يمنعنا من حماية مصالحنا الوطنية"... ؛ وشدّد على أن تبني هذا القانون من شأنه أن يفسح المجال أمام تبني نصوص أخرى بشأن "الهجرة غير المنظمة" أو حقوق مجتمع الميم في بلد محافظ ... .

وتقول الحكومة  الجورجية إن مشروع القانون ضروري لوقف ما تعتبره نفوذا أجنبيا ضارا على سياسة البلاد ولمنع جهات أجنبية غير محددة من محاولة زعزعة استقرارها.

وفي تبريره لاقرار القانون، قال زعيم الحزب الحاكم  ( الحلم الجورجي ) ماموك مدينارادزه : إن المنظمات غير الحكومية تقوض أمن جورجيا، وتجرها إلى الصراع في أوكرانيا، مشيرا إلى أن المنظمات المذكورة شاركت بفعالية في جميع الاحتجاجات التي جرت في عام 2022 والتي كان مطلبها الرئيسي هو الانضمام إلى العقوبات الغربية ضد روسيا وإرسال متطوعين إلى أوكرانيا.

وكان رئيس البرلمان، شالفا بابواشفيلي، صرح في وقت سابق بأن تبليسي رصدت زيادة ملحوظة في ما وصفه بـ"التمويل السري للجماعات المتطرفة"، متهما "صندوق الديمقراطية الأوروبي" بتقديم أموال للحملة الانتخابية عبر منظمة غير حكومية وهمية.

وحسب المختص في شؤون القوقاز غيفي أباشيدزه :  فإن قانون "العملاء الأجانب" لن يسمح في حال إقراره لممثلي المنظمات غير الحكومية الممولة من الخارج بتحقيق أهدافهم، التي يتم الترويج لها مقابل منح نقدية كبيرة، ولكن بتقديمها كمصالح مفترضة للمجتمع الجورجي ... ؛ ويستغرب المتحدث من إدانة البلدان الغربية لجورجيا لإعادة تفعيل هذا القانون، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي نفسه يفكر في اعتماد قانون مماثل، فضلا عن أن قانونا مشابها معتمد داخل الولايات المتحدة ودخل حيز التنفيذ منذ عام 1938... ؛ ويتابع أنه من غير الواضح ما إذا كانت السلطات الجورجية ستتمسك بتصميمها على إقرار القانون هذه المرة، لكن الغرب -حسب رأيه- لن يقف مكتوف الأيدي في حال اعتماد القانون، ومن غير المستبعد أن يفرض عقوبات على الحكومة الحالية ... ؛ لكن الأهم -حسب رأيه- هو أن المعارضة المحلية لا تملك حججا مقنعة لمنع إقرار قانون شفافية التمويل، لذا فإنها ستلجأ إلى المظاهرات والاعتراض بكافة الأشكال ضد تمريره... ؛ و يعتقد المحلل السياسي ليفان غيورغادزه :  أن المعارضة تتوجس من أن الغرامات ستتبعها عقوبات إدارية وجنائية في المستقبل، فضلا عن انحسار نفوذها السياسي في البلاد، وهو ما يشكل ضربة مؤثرة للنفوذ الغربي في البلاد.

ويسلط الجدل الدائر بشأن هذا النص الضوء أيضاً على تأثير بيدزينا إيفانيشفيلي، وهو رجل أعمال ثري يُعتبر زعيم الظل في جورجيا... ؛ وشغل هذا الرجل منصب رئيس الوزراء بين العامين 2012 و2013 وأصبح اليوم الرئيس الفخري لحزب "الحلم الجورجي" الحاكم، ويُتهم بارتباطه بروسيا حيث جمع ثروته... ؛ وعلى الرغم من أنه يؤكد رغبته في انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أنه أدلى مؤخراً بتصريحات معادية للغرب، ويَعتبر المنظمات غير الحكومية عدواً في الداخل.

وفي سياق متصل قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل للصحافيين :  إن ما تقدم عليه تبليسي "لا يتوافق مع الأهداف المعلنة" بالرغبة بالتكامل مع الغرب... ؛ وأضاف "نحث حكومة جورجيا على مواصلة السير على طريق التكامل مع الاتحاد الأوروبي"... ؛ أما مساعد وزير الخارجية الأميركي جيمس أوبراين، الذي التقى الثلاثاء في تبليسي رئيس الوزراء إيراكلي كوباخيدزه، فلفت إلى أن واشنطن "قد تفرض عقوبات مالية وقيودا على سفر الأفراد المعنيين"، وشدّد على أن مساعدة بـ390 مليون دولار كانت الولايات المتحدة قد أقرّتها لجورجيا ستتم "مراجعتها في حال تم اعتبارنا خصوماً ولم نعد شركاء"... ؛ وفي بريطانيا، دعت وزيرة الدولة لشؤون أوروبا نصرت غني الحكومة الجورجية إلى "سحب هذا التشريع"، ووصف حلف شمال الأطلسي "الناتو" تبني جورجيا للقانون بأنه "خطوة في الاتجاه الخطأ"،

ويعد الوضع حساساً في جورجيا التي تتأرجح بين النفوذين الروسي والأوروبي  ؛ لاسيما وان جورجيا تعرضت لغزو روسي عام 2008 ؛ مما دفع الساسة الوطنيين الى عدم الانجرار خلف التأثيرات الأمريكية والضغوط الغربية والتي تريد الحاق جورجيا بمصير اوكرانيا ؛ لذلك ذهب بعض المواطنين الى مقرات المؤسسات المرتبطة بالغرب ومنظمات المجتمع المدني , وكتبوا الشعارات المناهضة لها ,  وقد استيقظت بايا باتارايا رئيسة إحدى المجموعات الرائدة في مجال حقوق المرأة في البلاد نهاية الأسبوع الماضي لتجد مبنى شقتها في العاصمة تبليسي مليئة بملصقات تحمل صورة وجهها وعبارة "عميل أجنبي"... ؛ وألصقت الصور أيضا على الدرج المؤدي إلى باب شقتها.

وماذا لو طبقت الحكومة العراقية او طالبت النخب والجماهير الوطنية بإقرار قانون شبيه بقانون التأثير الاجنبي ؛ والقاصي والداني يعلم علم اليقين وبالأدلة والوثائق والقرائن ؛ بوجود مئات المؤسسات والمنظمات والمراكز الاعلامية والفضائيات والاذاعات والنوادي الثقافية والفنية والشخصيات السياسية والامنية والعسكرية والدينية ... الخ ؛ المرتبطة بالسفارات الاجنبية والجهات والمخابرات المعادية والدول الخارجية ؛ وطالما عملت تلك الجهات والدول على اختراق المجتمع العراقي عبر إنشاء مجموعات ومنظمات وحركات وفضائيات وصحف ومراكز ومنتديات  ... الخ ، يكون ظاهرها نشاطات اجتماعية  واقتصادية وثقافية وصحية وفنية واعلامية ودينية وغيرها ، لكن غايتها الأساسية تنفيذ أجندات سياسية مشبوهة ومخططات خارجية مقصودة ؛ وتحظى هذه المنظمات والشخصيات والحركات  بدعم مالي من الجهات الخارجية كالأمريكان  ، و التي تخصص لها مبالغ ضخمة، ومن مانحين دوليين مختلفين ، ويتم تحديد برامج  واهداف لهذه المنظمات والمراكز والمؤسسات والشخصيات . 

وفي فترة الاحتلال الامريكي للعراق تم تشكيل العديد من منظمات المجتمع المدني على أيدي الادارات الأمريكية ورجال السلطة العراقية التي تنفذ الاجندات الأمريكية داخل الحكومة العراقية إذ تم تسجيل ما بين 8000 و12000 منظمة , واستمر توسع المنظمات بشكل سريع وملفت للنظر ؛ والجدير بالذكر في مرحلة انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2011 فإن العديـد مـن هـذه المنظمـات قـد توقفـت عـن العمـل وبعـضها غـادر العراق أغلبها بأوامر أمريكية ؛ وهذا ما يؤكد تبعية هذه المنظمات الى الإدارة الامريكية. 

إن مصادر التمويل والدعم السياسي لدى منظمات المجتمع المدني العراقي وصفت من قبل بعض المنظمات الحكومية الدولية بأنها غير شفافة لا سيما وأن هذه المنظمات هي وثيقة الارتباط بالأحزاب المدعومة أمريكيًّا في الدولة، وفي هذا الخصوص ذكر المجلس النرويجي للاجئين أنه من أصل 8000 منظمة مجتمع مدني في العراق فإن جزءًا صغيرًا فقط يمكن وصفها بأنها غير منحازة لجماعات سياسية... ؛ لذلك كانت اغلب انشطة وفعاليات تلك المنظمات وهمية او سطحية وعديمة الفائدة ؛ وتصب في صالح الفاسدين والمخربين والاجانب والامريكان المحتلين . 

من هنا نعرف :  أن الأهداف الأساسية والمستترة لهذه المنظمات هي بعيدة كل البعد عن شعاراتها الانسانية او المهنية او الثقافية او الاعلامية او التنموية او التخصصية ؛ و في كتاب "كانت نيتنا حسنة"، يكشف الدبلوماسي الأمريكي بيتر فان بورن، قائد فريق إعادة الإعمار التابع لوزارة الخارجية الأمريكية في العراق، عن قائمة طويلة من المشاريع الخيالية والوهمية التي قام بها فريق الإعمار وفي كلا الحالتين لم تكن ذات فائدة إطلاقًا للمجتمع العراقي بينما "كلفت دفع الضرائب الأمريكي أموالاً طائلة"، حسب تعبيره، وان كانت الأموال، في الحقيقة، مستخلصة من العراق نفسه... ؛ يتساءل فان بورن أثناء تمحيصه طبيعة المشاريع: "إذا ما تم تعيينك مسؤولًا عن إعمار العراق، هل ستنفق أموال دافعي الضرائب على لوحة جدارية في أخطر أحياء بغداد لتشجيع المصالحة من خلال الفن؟ ماذا عن إنشاء مصنع الحليب النائي المعزول الذي لا يستطيع العاملون فيه نقل الحليب إلى السوق؟ أو إدارة صف لتدريب العراقيات على صنع المعجنات وفتح المقاهي في شوارع قصفت وتفتقر إلى الماء والكهرباء؟"... ؛ وإذا كانت مئات المشاريع قد تم تجميدها بعد الانسحاب الجزئي لقوات الاحتلال عام 2011، فإن ما أسس له من فساد مالي بقي متغلغلاً، في بنية الحكومات العراقية ومؤسساتها، من أعلى المناصب القيادية الى أصغرها، ومقبولاً، عملياً، من قبل كل المنخرطين في العملية السياسية.

لم تكن ولادة "المجتمع المدني" الذي برز بمنظماته وشبكات اتصالاته، في العراق المحتل منذ عام 2003، طبيعية. فباستثناء قلة من المنظمات المستقلة، فعلاً، جاءت ولادة معظم البقية مشوهة، بعدما أعلن ديك تشيني، وزير الخارجية، أن أي عمل مدني تدعمه جزء من سياستها الرسمية وليس كما تشاء المنظمات أو الناشطون ؛ عدد منها كان جزءاً من القوة الناعمة لبلدان أخرى ساهمت بالغزو وكانت قد أسست في الخارج لتسويق الخطاب الدعائي لشن الحرب، ومن ثم تم تصديرها الى داخل البلد لترويج خطاب "بناء الديمقراطية"؛ والعدد الآخر، تم تأسيسه داخليًا، في فترات تطلبت نشاطًا دعائيًا ترويجيًا معينًا، مثل تأسيس مئات المنظمات قبل الانتخابات لتصويرها بأنها "نزيهة وشفافة"؛ هذه المنظمات كانت تتلاشى حالما تنتفي الحاجة اليها وينتهي التمويل.

ويجب الإشارة الى أن الإدارة الأمريكية استخدمت هذه المنظمات أثناء أحداث تشرين 2019 في العراق لتحريك هذه الأحداث بما يخدم مصالحها واهدافها، بالتعاون مع السفارة الأمريكية في العراق حيث أثبت لاحقًا تورط العديد من المتظاهرين بأعمال عنف تبيّن تعاملهم مع السفارة الأمريكية ودفع السفارة لهم مبالغ من المال للقيام بمثل هذه الأعمال... ؛  لذلك ليس من الضروري أن مثل هذه المنظمات تظل حاضرة على الساحة العراقية وبقوة، لا بل إن الادارة الأمريكية تقوم بإخمادها واشعالها بما يتناسب مع وضعها الداخلي والخارجي وفي الوقت المناسب.(1)

ومما لاشك فيه ؛ ان هذا القانون  لو طبق وبحزم وقوة في العراق من شماله الى جنوبه ؛ لاختفت من المشهد احزاب وحركات كبيرة ومؤسسات ومنظمات وشخصيات وفضائيات كثيرة  ... الخ ؛ و لتخلص العراق من فلول العملاء وجيوش الجواسيس والمرتزقة الاذلاء ... .  

.......................................

1- "المجتمع المدني": يد واشنطن التي تعبث بأمن ومستقبل العراق / بتصرف .