سافرت قبل أربعة سنوات إلى أمريكا في بعثة دراسية لأكمل دراساتي العليا وأنا ساخطة و غاضبة على ما أشاهده في الوطن من فساد سواء في تعاملاته الحكومية أو في أخلاق موظفيه، متوجسة خيفة أن تتعلق نفسي أكثر بما أشاهده في الخارج من حسن تنظيم وإلتزام تام بالمعايير المهنية والأخلاقية في التعاملات مع المواطنين في كافة مجالات الحياة سواء حكومية أو خاصة، تعلمية أو طبية. وأن أعود بسخط أكبر على المجتمع وعلى الأنظمة الحكومية التي دائما ما نقارنها بما نسمعه لا ما نراه في حقيقة الأمر في الخارج.
لكنني عدت بعد سنتين ووجدت اختلاف لم تعتاده عينيّ، أو لربما لم تلحظه بسبب كثرة تشويه الداخل وكل ما هو وطني ويعكس الهوية السعودية والاسلامية في مقابل تعظيم الخارج، خصوصاً وأن كل ماهو عربي يُمجد ويُقدس كل ماهو أجنبي. لدرجة أننا كسعوديين كنا أو ربما مازال البعض منا يفضل الموظف الأجنبي من ممرضة في مشفى أو بائع في محلات البيع أن يكونوا من غير السعوديين.
عندما عدت وجدت أن الإتزام بالعمل و التعامل السلس الراقي ألقاه من السعودي أكثر من الأجنبي. ربما كان السبب كثرة الأحمال التي أُلقيت على عاتق صورة السعودي، حتى صار يحسب لكلمته ألف حساب، و يقوم بكامل واجباته الوظيفية على أكمل وجه. في حين صار الأجنبي –المبجل سابقاً- يعامل الزبائن السعوديين ببعض من الأنفة و التعالي، وفي بعض الأحيان بتدني مهني، مما جعله واجهة واضحة للفساد في المؤسسة التي يعمل بها وهو الأمر الذي يفضح فساد أو نزاهة المؤسسة.
إذاً هي معادلة واضحة الان: تعامل سعودي راقي يعني نزاهة المؤسسة، وتعامل الأجنبي الفض الغير ملتزم بالتعليمات يعني فساد وتسيب المؤسسة التي سمحت له أو بمعنى أصح تغاضت عنه و لم تُعر أدنى إهتمام لسلوك موظفيها الأجانب، مما جعلهم يأمنوا العقاب السعودي و يسيؤوا الأدب الأجنبي.
ربما من يقرأ هذا المقال الان يرى تناقضاً واضحاً مع المقال السابق. كما هو عنوان هذا المقال، فإن الحق يجب أن يقال. هذا لا يعني وصول السعوديين أو الاجانب الى درجة الكمال، فلكل بلد مساوءه ومحاسنه. ولكن في هذا المقال وصفت ما رأيته من محاسن تبهج القلب في وطني، وما وصفته في المقال السابق هو ظاهرة لا تزال أيضاً موجودة في بلدي وتحتاج إلى علاج فوري و إدراك من المواطن نفسه لمثل هذا التصرفات.