ركز الباحثون العرب في العقد الأخير على الديمقراطية باعتبارها أحد المخارج الأساسية للخروج من أزمة الثقافة العربية، بالإضافة إلى أنها مرغوبة لذاتها كنظام سياسي بعد أن ظهرت الآثار المدمرة للحصاد المر لـ"التسلطية العربية " بكل أشكالها.

فقبول الأغلبية العظمي من المحكومين لحق الحاكم في أن يحكم، وأن يمارس السلطة وضمن ذلك استخدام القوة.. هذه الكلمات السابقة تشير إلى مفهوم عام نعلمه جميعاً يسمى "الشرعية"، وطبقاً لنظرية الفعل ورد الفعل، هناك أيضاً قاعدة تقول لكل: "مفهوم مصدر"، فهناك اتفاق عام بين العلماء الاجتماعيين على أن النموذج الذي صاغه "ماكس فيبر"، أحد الرواد الألمان في الاقتصاد والسياسة، يكاد يكون حتى اليوم النموذج الشامل لمصادر الشرعية والتي حددها في 3 أنماط: التقاليد-العقلانية القانونية-الزعامة الملهمة (الكاريزما).

وإذا تتبعنا التاريخ الحافل للنظام السياسي العربي منذ الخمسينات وإلى اليوم، بما فيه من أنظمة ملكية وجمهورية سيلفت انتباهك: تساقط بعض النظم الملكية وهذا يعني تآكل شرعيتها السياسية ونشوء أنظمة جمهورية محلها، مؤسسة على شرعية جديدة هي شرعية "الثورة" في الغالب، كما حدث لبلدان عربية في القرن الحالي الماضي.

وهذه النظم السياسية العربية أسست شرعيتها على أساس تحقيق الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية -هذا "الشعار الموروث" ككلمات فقط، وخاضت في سبيل ذلك معارك شتى مع القوى السياسية المنافسة.

نُظم منذ الثمانينات تواجه مشكلة تآكل شرعيتها السياسية، والنتيجة فشلها الذريع في الحفاظ على الاستقلال الوطني، ومواجهة التهديد الأمني، والعجز عن تحقيق قيم الديمقراطية.

وسالف الذكر أن لكل فعل رد فعل، كان رد فعل هذه الأنظمة لإنقاذ شرعيتها المتهاوية إما:

1- اللجوء إلى تعدد سياسي محكوم "ومُقيد"، وإتاحة الفرصة للأصوات المعارضة لتعبر عن نفسها وذلك في إطار مُحكم، كل هذا لتخفيف الضغط على الهيكل السياسي القائم.

2- القمع المباشر ضد حركات سياسية لم يُعترف بحقها في المشاركة السياسية وهدفها الوصول إلى السلطة.. وهي معروفة للجميع، والتي نتج عنها ممارسات أدت إلى شيوع اللامبالاة الفكرية والسياسية وبروز ظاهرة الاغتراب بين أبناء الوطن الواحد.

الواقع يقول إن النظام السياسي العربي يمر في الوقت الراهن بمرحلة ما زالت في نظر كثيرين "مرحلة انتقالية" بالغة الصعوبة، حافلة بالصراعات السياسية والاجتماعية، تختلط فيه العوامل المؤثرة فيه بين العوامل الدولية والعوامل الداخلية، بتركيب سلطة، ونضوج بعض الطبقات الاجتماعية، ودور مثقفين وطلائع فكرية وثورية في إحداث تغيير.

فالطبقة المُسيطرة تنجح في أي مجتمع، من خلال إشاعة الوعي الزائف في تسديد رؤيتها للعالم! 

ومن ناحية أخري، "مُجتمع مدني" أمام معادلة من التحديات إن لم تُواجه بحذر شديد دون خوف؛ بل "ثقة"، فستنفجر في الجميع.

وأبرز هذه التفاعلات في هذه "المعادلة الكيميائية المجتمعية"، هي ضرورة النظر للديمقراطية ليس باعتبارها مُجرد نظام سياسي؛ بل "أسلوب حياة".

دائماً ما نري فجوة عميقة بين ثقافة النخبة، والثقافة الشعبية، ومن هنا تبرز ظاهرة الصراع الثقافي، بين رؤي متعددة للعالم في المجتمع نفسه، هناك من الأولى شيء من العجز في التواصل معها والجهل بمبادئها، والأمية وليس الجهل تزيد من هذه الفجوة. ولا شك في أن دور المثقفين حاسم في إحداث تغير اجتماعي كما صرحت الشواهد التاريخية في الوطن العربي..

خلاصة الكلام: مصير التقدم العربي في عصر العولمة أصبح في خطر، ولا حل لأزمة شرعية النُظم السياسية، إلا بتوسيع آفاق الديمقراطية.