البداية كانت في أوائل حقبة التسعينيات، التي بدأ يتبلور فيها خطاب تحول تدريجياً إلى مفهوم، ومن ثناياه مقولة، سواء في الشرق الأوسط أو في الغرب، يذهب إلى أن هناك "كتلتين متصادمتين" باعتبارهما من سمات الحقبة التي تلت نهاية الحرب الباردة، والتي أثرت في مجال العلاقات الدولية والسياسات الداخلية للدول على حد سواء.
حاول هاليداي أن يتفحص نقدياً فك شفرات تلك المقولة، "مقولة الصراع بين الإسلام والغرب".
- معسكر الجانب الإسلامي، هذا خطاب سائد في الشرق الأوسط وكذلك في الدول الإسلامية، ويمكن سماعه في إندونيسيا، ونيجيريا تحديداً، وموضوعه الأساسي هو " المجابهة مع الغرب"، تختلط في هذا الخطاب أوصاف تدين الغرب، مثل الاستعمار أو العولمة المتجددة أو حتى جاهلية المجتمع الغربي مع موضوعات صراع محددة بقصد متعمد أو غير ذلك مثل قضية فلسطين.
- ومن جانب آخر المعسكر الغربي، الخطاب يشير إلى التهديد والخطر، الذي يمثله ما يطلق عليه "الإسلام"، سواء كان دولاً إسلامية بعينها أو ما يحدث داخلها على الغرب..
* ملاحظة هامة:
يؤكدها "هاليداي" أن منطلقات كلا الخطابين الإسلامي والغربي على السواء تقوم على أُسس زائفة، ولكن ذلك لا يمنع من تأثير الخطاب على السياسة بالرغم من زيف منطلقاته.
ولعل ما يدفع إلى ذلك أن من يتبنون الخطاب في كلا الجانبين، سواء كانوا شخصيات، مؤسسات سياسية أو أواسطاً في دوائر صنع القرار الاستراتيجي، فإن المواقع الهامة التي يشغلونها هنا وهناك، والتي تتيح لهم التأثير العميق على عمليات صنع القرار السياسي تجعل من الأهمية بمكان ضرورة التحليل النقدي لخطاب العداء المتبادل.
* السؤال الأساسي: هل يستطيع الباحث الغربي أن يكون موضوعياً وهو يحاول نقد الخطاب الغربي والخطاب الإسلامي على السواء؟
- استند "هاليداي" في إجابته على مثل أميركي طريف.. "إنك إذا سرت في منتصف الطريق فأنت معرض لأن يكتسحك، من على يمينك ومن على يسارك"!
لا شك في أن هذه الإشارة الذكية لها مصداقية، وخصوصاً لو حللنا الخطاب السياسي والثقافي المعاصر في كل من البلاد الإسلامية والغربية.
هناك في "معسكر العالم الإسلامي"، ميل للأمجاد الماضية للحضارة الإسلامية في عصر ازدهارها حين كانت باقورة المنبع، الذي نهل منه الغرب أسباب التقدم في العلوم والفلسفة... وجهة نظر ترجح أنها محاولة يائسة، لتعويض الإحساس بالإحباط من الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي وصل إلى أوج التدني والتهاوي بل الانحدار!
"المعسكر الغربي" من ناحية أخرى، في حالة تقدم وتكنولوجيا علمية جامحة وازدهار اقتصادي، وتفسير ما يعتبره "سلوكاً مُتطرفاً للمسلمين" من بعض أحزابهم وحركاتهم.
فخطاب العداء يحمل في متنه حُجة زائفة كما قررها هاليداي، فنحن نشهد تحولاً في طبيعة الصراع، ذلك أن العلاقات بين الدول كانت في الماضي تتحدد على أساس القوة أو في ضوء المصالح الاقتصادية، أو بحسب الاعتبارات الإقليمية، إلا أنه في الوقت الراهن فإن الخطاب والأفكار "والميديا" من ناحية، وصراع الحضارات من ناحية أخرى، ويرجع أسباب مؤيدوها إلى الصعود المُدوي لشبكة المعلومات "الإنترنت" التي أبادت قولاً واحداً "الميديا القديمة"، وهذه الظواهر جميعاً وهي ما يطلق عليها "التحول الثقافي".
فالمنطلقات التي يخرج عنها الخطاب الغربي عن الإسلام والخطاب الإسلامي عن الغرب يستحق وقفة نقدية متكاملة.