لماذا يروادنا الشعور بالذنب بعد المطالبة الشرسة لحقوقنا؟ بصعوبة بالغة وخوف مختبيء خلف كلماتك، تستهل حديثك بأدب جم محاولاً قدر المستطاع أن تضبط الأجواء من حولك أن لا تستعر.
تبدأ بمقدمات لحديثك بوجه سمح قدر المستطاع ومشاعر رقيقة كي تكسب ود من ستنازله القتال قريباً كي تأخذ منه ماهو لك. بداخلك كل هذا الألم من أفكار سابقة أٌججت لهذه المواجهة وأمل كبير أن ينتهي الحوار كما بدأ، وتمشي مسرعاً فرحاً بما أصبح ملكاً لك.
لكن سرعان ما تأخذ الأمور منحاً أخر، وأنت الذي كنت تشعر بأن الأمور بدأت تفلت من بين يديك، تجد أنك تفلت من نفسك.. رغبتك العارمة في النزول لساحة القتال والصراخ بأعلى صوتك "أريد" أو "لا أريد".. الرغبة الموجعة حد البكاء.. البكاء لأنك لا تريد أن تخوض حرباً من البداية.. البكاء لأنك تريد أن يسود السلام والمحبة وأن يعم الهدوء بين الجميع، بينما تأخذ بسلاسة وكرم ماهو لك وتحصل على مباركتهم..
لكنك رغم ذلك تفقد نفسك .. تبدأ بالصراخ ويزدادون هم صداً و مكابرة و أستعلاء وتهديد.. تخسر أحياناً هذه المواجهة وتعود بينك وبين نفسك تقول: من الأفضل أن أنسحب الان وأعاود المحاولا لاحقاً.. لكن هذا القرار يعني صراعاً داخلياً محموماً طويل الأمد.. يعني تأجيلك لأمور جميلة في حياتك لما بعد انتصارك وأخذ ما هو لك.. يعني من الأساس حرباً جديدة و غصات في الحلق موجعة وبكاء، وربما مشاجرة تنتهي بالآم جسدية ونفسية تحتاج الكثير من الوقت لتُنسى وتندثر.
وبعد أن تخمد النار التي بداخلك عن طريق انشغالك بأمور تلهيك عن ما يؤرقك، ما تلبث حتى يستيقظ حقك بداخلك مرة أخرى.. يناديك لتقاتل من أجله.. ولأنك شخص تؤمن بما قاله محمود درويش بأن أكبر- وأضيف عليه كلمة "أذل"- انواع التنازل الذي تقدمه في حياتك هو التأقلم، ولأنك شخص خلق بطبيعة مستعرة لا تقبل التنازل ولا التأقلم، فإنك ستخوض هذه المعارك من جديد.. معركة خارجية مؤلمة ومعركة داخلية قاسية..
وحين تحصل أخيراً على ما أردت.. تحمل انتصارك بألم شديد قد استبدل مكان فجوة المفقود وجع يصاحب عودة الغائب.. ربما يكون شعوراً يصاحب ماهو جديد على المكان حتى يتأقلم.. لكنه في الحقيقة هو شعور داخلك يذكرك بأنك قد أحزنت من تحب لتأخذ ما يرضيك.. وتجد نفسك تتسآئل: أسعادتي أم سعادتهم أهم وأولى؟