الإنسان يمر بوقت عصيب للغاية عندما يصاب بخدش في كرامته، وذلك عندما يتسنى له أن يذوق من الإخفاق لقيمة، في حين أننا عندما ننظر الأمر نجد له عدة وجوه.

مجملها: أن الإخفاق مجرد نقطة على مساحة شاسعة، لو فشلت في شيء واحد أو اثنين أو ثلاثة أو عشرة، ألم تنجح من قبل قط؟ هل ابتسم شخص ما بسببك؟ هل طهوت طعاما لذيذا؟ هل كسبت حسنة؟ هل اتقيت؟ هل أبعدت الأذى عن طريق إنسان؟ كم عشت حتى الآن وكم من شيء أنجزته في هذه الفترة؟

عددت السنون جيدا ولكن لم تعد تلك اللحظات الصغيرة بل والكبيرة منها أيضا، شيء أحرزته في خلقك أو في دينك هذا أصعب العمل، عشت في هذا العصر المادي الجافي هذا صعب، تفوقت على نفسك ذات مرة، رحمت أحدا أو أحسنت إليه، مرد كل شيء إلى الله، هو من يزن الأشياء، وهو أعد ميزان التقوى عنده للكرامة.

" إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ليس أذكاكم ولا أقواكم ولا أغناكم ولا أجملكم ولا أي شيء مما تستمر بتقويم نفسك به كل يوم.

والتقي نقي، روحه سماويه، وقلبه أبيض، وجوارحه طيعة ومرضي عنه ونائل عاقبة خير في الدنيا وفائز في الآخرة، إذا المعيار الحقيقي للنجاح ليس لسانا فصيحا ولا مخا عبقريا ولا موهبة فنية ولا عضلات مشدودة ولا تجارة رابحة، هذه تأتي بعدها.

فإذا نجحت في أولاها فقد نجحت وبان لك من الحظ معظمه.

لماذا إذا الناس يلهثون في ميادين الحياة هنا وهناك بحثا عن قيمة لأنفسهم؟ لأنهم في الحقيقة لا يعرفونها ولو كانت مرت على أذهانهم.

خلق آدم بيدي الله وأسجدت له الملائكة وأعدت له الجنة وأرسلت الرسل ونزلت الكتب وشرعت الشرائع وتولى الله عباده بعزته ونصرهم وهدى ناصية بني آدم وسخر لهم من مخلوقاته ما شاء وعرفهم به ولا يزال كثير من الناس ينتظر أن يجني مالا وفيرا حتى يشعر بقيمته أو نظرة راضية من إنسان ذو جاه، قيمة الإنسان أصيلة وأما ما يأتي بعد ذلك فهو كرامة أو إهانة ما شاء الله.

لكن البعض يظن أن عليه الإتيان بشيء عبقري ورقم قياسي حتى يرى قيمة نفسه، ربما لأن العادي يحسنه الجميع. وهو غير مدرك لحقيقة أن الجميع عادي، وأن الناس يتمايزون بفضل الله ورحمته، أما الإنسان فهو إنسان بلا زيادة أو نقصان، لو توقف عن الركض قليلا وأنجز ما بيده بإتقان ورحم نفسه لربما يرى هذه الحقيقة.

تم إعداد كثير من عدادات النجاح في عصرنا هذا، عدد كبير من الإعجابات على مواقع التواصل، عدد كثير من الدولارات، درجات دراسية عالية، كثير من المواهب، كثير من الكتب المقروءة وكثير من الشهادات، الجميع مولع بالنظر إلى الكم.

بينما بالنظر إلى الكيف نجد العباقرة حقا، لا ينجح أحد بدون إتقان وتفان وإخلاص.

وبغض النظر عن كل شيء ستفشل مرة واثنتين وعشرة، هذه سنة لم يتخلف عنها إنسان غير معصوم، لأنك ضعيف جدا مثل الطين الذي خلقت منه، لا أحد لديه القوة إلا أن يمده بها الله.

كل شيء خلا الله مقياس باطل.

ربما يجب أن تبدأ بتمرين عينك على النظر جيدا في ما تتجح به كل يوم، وترحم روحك من حصرها في تجربة واحدة وتفهم أن الفشل المرير ما هوإلا سطوة الضعف في نفسك وتتأمل جيدا حقيقة أن الله يعامل بني آدم بالرحمة.

كما أنك لست بتلك الصلابة، إنك أجوف وما لك مثل الرحمة.